Al Jazirah NewsPaper Monday  15/01/2007 G Issue 182
فضاءات
الأثنين 26 ,ذو الحجة 1427   العدد  182
 

وجوه وزوايا
ليالي السرد..!
أحمد الدويحي

 

 

المفاجآت لا تتوالى في خيارات وكالة الوزارة للشؤون الثقافية، لاختيار الوجوه المعينة في قائمة الأندية الأدبية، أو انتقائية الوجوه المعبرة عن وجهنا الثقافي خارج الحدود، وحينما تحتشد الأسئلة في داخلي، أهرب إلى ذاتي.. أسائلها..

أهرب من عالم ليس لي، أهرب من هذا الميدان وقسوة أسئلة ليس لها زمان ولانهاية ولا فائدة من طرحها، وليس من عالم يحتوي جنون أسئلتي غير عالم السرد..

جئت إلى منتدى السرد محتشدا بأسئلتي، يقيني أن ضيوف تلك الليلة الأصدقاء - عبدالرحيم الأحمدي، متحدثاً عن تجربة النشر من جوانبها المتعددة، والضياع في هذا العالم بين النشر والمبدع، والمعوقات الملتبسة بين المتلقي والسوق والرقابة، وتحدث المبدع - عبدالله التعزي عن علاقة المبدع المحلي بدور النشر العربية، وأتفقد الوجوه، استعيد تجارب الشباب المبدع، والممتدة مع قضايا النشر في الداخل والخارج، وأقول لابد أن من لهم تجربة النشر خارج الحدود، عرفوا عالما ثانيا غير ما كتبوه بدءا من هاجس الكتابة، ونهاية بحاجز الرقيب الذاتي والخارجي، فكل شيء يوحي بتتالي الأجيال، وتظل قضايانا الثقافية المتعددة ساكنة راكدة، لاتنفع عمليات التجميل، لتحسين وجهها البشع، وأسئلتي المحتشدة، وقضاياي المبيتة من دهور، تأخذ مكانها في الركن، أوه من أولى المفاجآت..

وسرح بي خيالي في دم الأبنوس، الرواية التي تعمدت تأجيل ذكرها، وهي بين يدي حكاية أخرى، بقيت هذه الرواية شهورا تنتقل على سطح مكتبتي، لم يغرني عنوانها الغامض ويشدني اسم كاتبها (ناجي الشكري)، للبدء في قراءتها فلا دعاية، تسبقها كجارتها (القران المقدس)، ولذلك سأبدأ بالكتابة عنها في هذه السلسلة القرانية، لوجوه في ليال وعالم السرد، وأهم من هذا وذاك لا أعرف؟، كيف جاءت إلى مكتبتي، فقد تكون مع مجموعة الكتب، نحملها من المعارض، وقد تأتي هدية، كاتب أو صديق فتمر سنوات، ويعلو الغبار حروفها من غير قراءة، هذه الرواية غريبة في كل شيء، فوجئت بعتاب أحد أبنائي سبقني إلى قراءتها..

قائلا: أزعجتنا بالروايات المحلية لأصدقائك، هذه رواية محلية جميلة، لكاتب ما عمرك ذكرت اسمه؟

رواية دم الأبنوس لا تندب لتحمل جبة الهم المحلي، ولا تندب نفسها مباشرة، لحمل قضايا ليست لها، وتفعل ككثير من نتاجنا الروائي، وتفتعل الاستفزاز من خلال عرض موسع بذي، ينتهك بحرية وببجاحة في كثير من الأحيان، عالم (التابو) وما يسمى بالمقدس المتعارف عليه، هذه الرواية تحمل هم ذاتها..

يطل بطل هذه الرواية، ليخطو الخطوة الأولى من داخل الداخل، فما من هم محلي لا تجده في ضفيرة سردية مجدولة بالوجع، وأخرى مباشرة وفلسفية وساخرة، ليخترق عوالم ليست مفتعلة، (قبضنا عليك بشأن سبك النجوم في العلم الأمري)،هكذا تتحرك الرواية الغامضة لغة ووعيا وسردا، كشمس أعودها أو تعودني، مشرقة على زرقة خليجية محببة، تتربص بها المنون والأماني دون أن تحفل بما نسميه الثلاثي المقدس، وقد وضعنا هنا - لوحة دعائية لهذا (التابو)، لنحاكم الكتاب وليس الكتابة، وكاتبنا استبدل هذا الثلاثي بثلاثي جديد، استمده من تعب الناس ووجعهم، وسماه (السكن والزواج والعمل)، وعبر من داخل الداخل، ونثر وجعه في غرف التحقيق والعذاب، بلغة عربية مكسرة مع المحقق الوافد إلى دول الخليج العربية، وهنا - نعرف أن في دول الخليج العربية البترولية قدم لها أناس أتوا ليسهموا في زيادة العذاب، لا ليسهموا في زيادة التنمية.

وهنا - تذكرت الذين أبصروا وجعنا، وتحول حالاتنا بعيون روائية عربية عبر عقود ماضية، وكنا بعد نفتقر لهذا الهطول الروائي الذي بعضه جاء ناضجا، والآخر بعيد جداً عن تلبس شكل من أوجاعنا، فضلا عن تصنيفه في جديلة العالم السردي..

مصعب اسم بطل لرواية (ناجي الشاكري) لا يهم من يكون الكاتب؟ وأين وفي أي بلد خليجي يعيش؟، فإلى اللحظة لا أعرف جنسية الكاتب، فما علينا إلا مساءلة صدقية ومتعة ما كتب وعما كتب؟، يتنقل بين فضاءات ودوائر روائية متنوعة، فالدائرة الذاتية الأولى وما درجت على تسميته بداخل الداخل، ما كانت إلا تمهيدا للدوائر الأخرى في مدن عربية، حيث يمس خطابه الحالات المتشابهة والمشتركة الوجع، وينتقل بخطابه في حالة تصاعدية للوعي والسرد معا إلى أفق جديد ودائرة كونية، فالوجع والمعرفة والفن حالة إنسانية مشتركة، وليس مجرد نزوة كاتب، هجر غصبا عنه من عوالمه الشرقية، ظن أنه سيعيش فيه على قلمه وهواية جماليات التشكيل الضوئي، هذا الخارج بلا ملامح من وجع البوح، ومن عالم إلى عالم، من العامرية إلى الخليل إلى القدس إلى البليدة إلى الإسماعيلية إلى مدن بعيدة أخرى، فلا نلمس شيئا ينذر بدلالة غير الوجع وعزف العذاب...

ليغرق في عالم جديد حينما تكتمل الحلقة، فتقدمهم (راشيل) لمصعب القادم من الجنوب، واحد بعد الآخر بتفخيم ظاهر ص 75 (- السيد ريمون روائي، يميل في بنائه إلى التفكيكية السيدة مارجريت من إنجلترا، قاصة مغرمة بالخوض في المغامرات البعيدة، حتى إن أبطالها قدموا لها عريضة احتجاج على نفيهم وغربتهم! السيد ماكسيم من روسيا مفكر ومحلل تاريخي.. وأخيراً السيد مانغستو شاعر مغامر يتميز بتنقله بين مدارس الشعر!!!)

هذا التنوع السردي، هو اكتمال دوائر الذات في أبعادها المختلفة، ما يلبث الراوي أن يعود به إلى دوائره الأولى، لتتلقفه دوائر العذاب والوجع مرة أخرى في محيطه العربي، ويستقر بين الخليجيين واليمنيين والعراقيين وآخرين من شمال إفريقيا، فنذهب في تفاصيل تفاصيل الوجع، فلا يريدنا الروائي (ناجي شكري) إلا أن نصحو علىالدم الأبنوسي المسفوح على إسفلت الرطوبة، وتتكوم عظام نخرة، تئن غضبة الحجاج بن يوسف الثقفي، فلا نرى إلا ما يراه المعري، ليل يتصل بالنهار، ونهار يتصل بالليل..

أنتبه إلى الباقين من جماعة منتدى السرد المؤسسين لهذا المنتدى فلا أجد غير عميده الأستاذ - إبراهيم الناصر الحميدان، وكاتب هذه السطور، ويتكرر تأكيدا لدلالة قدرة الأجيال على العطاء، والتلاقح المعرفي متى ما وجد المناخ، وهذا المنتدى جاء من خارج المؤسسة الثقافية الرسمية، وأوطن النفس بأمل أن يظل الجيل الراهن كذلك، ولا يخضع لإغراء ومناخ المؤسسة الثقافية ولو كانوا داخلها، أصغي بمتعة للغة سردية ومعرفة جيل جديد سردي متناغم، (الهوجاء التي رقصت) لفوزي البيتي، و(طفلة ذات ضفائر) شعر فاطمة عبدالرحمن السويح، و(وادي العشرق - مفازة الجن) رواية عبدالرحيم الأحمدي، و(انكسارات) شعر أسماء الزهراني، و(ادفع الباب) شعر نوال المجاهد و(دماء الفيروز) مجموعة قصصية لطلق المرزوقي، و(العاشقة العذراء) مجموعة قصصية لإبراهيم الناصر الحميدان، و(تأملات الماشي) الفكر والفن والسياسة والحياة لعبدالواحد اليحياني، وصعدت المفاجأة ذروتها، ونحن نتلقف خبر صدور رواية (حكومة الظل) اسم رواية جديدة للدكتور - منذر قباني..

aldw17y1000@yahoo.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسة

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد
مواقع الجزيرة

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة