Al Jazirah NewsPaper Monday  15/01/2007 G Issue 182
نصوص
الأثنين 26 ,ذو الحجة 1427   العدد  182
 
سعود الشعلان يصف موت المحاولة الإنسانية
الحكاية تنبثق من رحم الحوادث الحياتية البحته
عبدالحفيظ الشمري

 

 

رواية (ومات الجسد.. وانتهت كل الحكايات) إشارة واقعية وحقيقية ساقها الكاتب سعود الشعلان ليبرهن على أن الأحداث اليومية تأتي بأشكال، وصورة مختلفة.. تماماً.. كما فعلت (نازك) - بطلة الرواية - حينما تعلقت بسعيد الشخصية الرئيسة في العمل، فالهم الذي ظل يسكنها منذ انفصالها عن زوجها والتحاقها في العمل بالمقهى، لم يكن كافياً لأن يجهز على رغبتها في الحياة، فها هي تستسلم لقصة علاقة عاطفية مع أحد رواد مقهاها بشكل عميق.

حكاية (نازك) تنبثق من رحم حوادث حياتنا اليومية.. تلك التي تتشكل، وتتحول من حال إلى أخرى وفق معطيات آنية لا يكون للثقل وجود فيها، إنما هي إرهاصات عاطفة تخلق من المستحيل بعداً تصويرياً باذخ الثراء على نحو ما تجاذبته بطلة (الحكاية) أو الرواية (نازك) مع صديقتها (نادين) حيث ظلت المرأة مستعدة لأن تصارح صديقتها بما تمتلكه من قوة عاطفية أن تقلب مزاج الرجل على نحو ما فعلته مع (سعيد).

فشخصية (سعيد) نمت، وترعرعت على أنقاض علاقة (نازك) بنادين، حيث توقف نمو العلاقة بين المرأتين حينما، وجدت نازك أن حياة (سعيد) جديرة بالاهتمام والمتابعة التي استفحلت إلى هذا الحد الذي غرقت في حبه، ولم تفلح كل محاولات الحذر منها، فرغم أن سعيداً مصاب بأمراض ووساوس لا تقهر إلا أنها قررت أن تخوض التجربة، لعلها تخرج هذا الرجل الذي أحبته بصدق وضحَّت بكل شيء تملكه من أجله، لكي تكون قصتها خارجة قدر المستطاع من هامشية الحياة. في الرواية أطناب وإطالة وصلت حتى الترهل في النص، لأن الشروحات للتفاصيل الصغيرة أخذت حيزاً كبيراً في النص على نحو محادثاتها مع (الجدة) ومع (النادل) و(النادلة) في المقهى في وقت لم يكن للصديقة (نادين) أي صورة خاصة تكون ضرورية في بناء العمل بشكل عام.

يدفع الكاتب (الشعلان) بشخوصه نحو هاوية البوح الأخير، إذ يقدم لنا الراوي تجربة سيدة شارفت على نهاياتها المحتملة، لنرى (نازك) وقت ألقت بثقلها المعنوي والعاطفي من أجل إنجاح تجربتها مع الرجل ممثلاً بشخصية (سعيد)، فهي النهاية الأدق وصفاً لهذه المشاهد الحياتية المتواضعة في حكاية مجتمعنا الذي لايزال يبحث عن ذاته بين أنقاض التجارب.

البوح الأخير هو الوصف المناسب لأحداث الرواية التي نخرج منها نحن القراء محملين بهموم إضافية تتلخص في أن الفشل قد يكون وارداً في بعض المحاولات حتى وإن توفرت مقومات النجاح، على نحو ما قدمته (نازك) لسعيد، في رغبة أنثوية صادقة أن تكون معالجاتها مفضية إلى حلول مناسبة تقيل عِثَار هذا الرجل المحطم بفعل وساوس الزمن الذي لا يرحم.

النهاية المحتملة جاءت على هيئة تراكم حكائي، ولَّد الصورة المعنوية تلو الأخرى كناتج متوقع لتفاصيل العناء الذي يعيشه الرجل الذي يعاني من قطيعة إنسانية في مجتمعه حتمت عليه أن يكون أشد انقطاعاً عما حوله ليداوم الجلوس على ذلك (المقهى) الذي تعمل به (نازك) لتحيك القصة أبعادها في محاولة للخلاص من منغصات كثيرة إلا أن هذا الخلاص جاء آنياً وعاجلاً حيث عجلت حالة اليأس والقنوط بتفاصيل الأحداث، ليضع (سعيد) حداً لحياته أمام البحر في وقت باءت محاولته السابقة بالفشل.

الحكاية هنا طابعها إسقاط اجتماعي على تنامي روح الفقد في عالمنا اليومي، إذ لم يعد للعواطف أي وجود، ناهيك أن أحداث هذه الرواية تعكس عظم المأساة التي لم تبرع العاطفة في تهذيبها أو رفعها عن كاهل شخص يعاني من عزلة الحياة.

انفردت شخصية (نازك) ببطولة العمل الروائي، إذ نراها وقد تسنمت هرم الحكاية منذ لحظتها الأولى حتى النهاية، معلنة في كل منعطف من منعطفات بوحها أن في الحكاية جديدا يستحق الإنصات حتى تجلت لحظة النهاية مدوية وهي تعلن عن هزيمة العاطفة والحب أمام طوفان الكآبة والموت، حيث جاءت النتائج عكسية ومفاجئة، في وقت ظل القارئ محاولاً التشبث بوعد الخلاص الذي بات قريباً من الرجل إلا أن النهاية تضع حداً لمثل هذه الرغبات الجامحة في بناء حياة عاطفية متوازنة يحقق فيها الرجل وجوده، وتبرع المرأة في تقديم عطائها الإنساني، وهذا ما سعى الراوي إلى تقديمه للقارئ رواية سعود الشعلان (و..مات الجسد).

إشارة:

*ومات الجسد.. وانتهت كل الحكايات (رواية)

* دار الكفاح (الدمام) 1427 هـ - 2006م

* تقع الرواية في نحو (316 صفحة) من القطع المتوسط


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسة

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد
مواقع الجزيرة

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة