Al Jazirah NewsPaper Monday  15/01/2007 G Issue 182
تشكيل
الأثنين 26 ,ذو الحجة 1427   العدد  182
 

في خطوتها الثانية في البحرين
حميدة السنان تجاوزت تجربة البداية نحو خطوات أكثر ثباتا

 

 

إعداد: محمد المنيف

يسعدنا في حقيبتنا لهذا الأسبوع أن نسلط الضوء على أحد إنجازات الزميلة الفنانة التشكيلية حميدة السنان ونعني بالإنجاز خطوتها الجديدة التي تمثلت في إقامتها معرضاً لأعمالها التي لا يتوقف المشاهد عند نهاية لها بقدر ما يتوقع نقلة أخرى وتجربة أكثر نضجاً وتميزاً، المعرض الأخير في صالة مركز الفنون بالبحرين الشقيقة بدعم من جمعية البحرين للفن المعاصر في الفترة من 26 نوفمبر إلى 30 نوفمبر 2006م والذي تشرفت بدعوة حضوره من قِبل الزميل والصديق الفنان والناقد عبد الرحمن السليمان الذي قدم في ندوته الخاصة بالمعرض ورقة تحمل إشارات وملامح تجربة الفنانة حميدة .

المعرض كان رسالة جميلة بكل ما تتضمنه الأعمال من مشاعر نقلتها الفنانة حميدة لأعين الأشقاء في البحرين الذين تفاعلوا بحق مع المعرض بحضورهم المتميز يوم الافتتاح وخلال أيام العرض إضافة إلى الحضور في يوم الندوة التي كشف فيها الزميل السليمان جوانب كثيرة في مسيرة الفنانة.

زحام الكلمة واللون

عندما أعلن وقت الندوة وأخذ كل ضيف موقعه في المكان المخصص للندوة بوسط القاعة التي ازدانت بلوحات الفنانة حميدة السنان أعلنت القاصة منيرة الأزيمع بدء الندوة بكلمات شاعرية جمعت فيها بين مفردات القصيدة والقصة بهدوء مؤطر بإشارة جاذبة للقادم لفتت بها مسامع الحضور مستبقة بجملها الموجزة جداً والمفيدة جداً ما يمكن أن يفهم عن ضيفتهم التشكيلية حميدة بأسلوب أدبي أضفى وميضاً وجهته نحو الفنانة حميدة لتتحدث عن تجربتها التشكيلية، بدأت بتحية الحضور وشكرتهم لتنتقل إلى ورقتها المحملة بعبارات أدبية تألقت كالشعر تارة وقاربت في حبكها ما ظهرت به لوحاتها من جمال حيث جاء في تلك الورقة التي تفضلت بمنحنا إياها بعد الندوة بكل بساطتها فقد كتبت بقلم الرصاص وفي وقت قد يسبق الندوة بدقائق مما جعلها (تعبيراً طازجاً) .

تقول الفنانة حميدة في بعض ما جاء ورقة صغيرة في حجمها الكبيرة في محتواها ( مخاض اليم دفعنا إلى الحياة، فنحن نتنقل بين سجونها أحراراً كما يبدو.. وهل كل ما يبدو لنا أعزائي الحضور حقيقة .. تساءل دفعني للنيل من سجن الذات والاحتجاب في كل ما هو محجوب.

الفن بين قيم جمالية وواقع معاش لم يشكل لي حيرة طويلة.. إذ إنني لم اعترف يوماً بالجميل بقدر ما اعترفت بالمؤثر.. وهناك كلمات أثرت فيّ كثيراً للكاتب والفيلسوف دني هويسمان إذ يقول.. لا ينبغي أن نفلسف الأذواق إذ إن المقصود ليس جمال الشيء في ذاته بقدر ما هو انعكاس قبح نادر أو روعة قصوى عليه، وتكمل الفنانة حميدة قولها لعل بحثنا عن لاحظية انعتاق أو سراب فكرة تنقلنا إلى فكرة أخرى في ظلال تجاربنا المعاشة ما بين مقدور ومكتوب ومحجوب ومحبوب هو ديدن الإبداع وليس احب لي منذ طفولتي من الموت.. مع إنني أشد الناس حرصاً للدفاع عن حقي في الحياة..

مسيرة مؤطرة بالتجارب

تضمنت الورقة التي قدمها الفنان الناقد السليمان في الندوة المشتركة بينه وبين الفنانة حميدة السنان حول معرضها الأخير إشارات موجزة تمحورت في حدود تاريخ ومسيرة الفنانة مع تلميح حول رصد ومتابعة السليمان لمراحل وجود الفنانة حميدة وحضورها تقنياً ومساهمةً في المعارض الجماعية أو الخاصة جاءت الورقة بعنوان: (عندما تحمل اللوحة حس الفنان وقلقه) جاء في الورقة أن برزخ هو آخر معارض الفنانة حميدة قبل خطوتها الأخيرة الحالية في البحرين، ويشير السليمان إلى أن هذا المعرض يعتبر تجربة مهمة في مسيرتها التي تخطو نحو انفتاح اشمل إذ يأتي المعرض (برزخ) ضمن سلسلة تراكمات فنية حملت معها محاولات واشتغالات ومعارف تكونت خلال ممارساتها الفنية ويعود السليمان إلى التذكير بأن أول معارض الفنانة كان عام 1423هـ الذي يراه المنطلق نحو الساحة المحلية بكل ما حمله المعرض من إمكانات تبشر بقدوم فنانة تشكيلية في الساحة المحلية، كما جاء في ورقة السليمان أن تجربة الفنانة حميدة في بدايتها تتجه نحو المشاهد البيئية وبحث عن التعبير الذاتي مع ما تضمنه المعرض من تجارب سيريالية وعوالمها الخيالية، واختتم السليمان ورقته التي كانت شاملة كعمل يوثق مسيرة الفنانة حميدة السنان بقوله إن الفنانة حميدة تنشئ أعمالها على نحو من السيطرة التامة بمعالجاتها اللونية والتقنية المقننة في غالب الأحيان وبكثيرٍ لينتقل بقوله إلى أن الأعمال التالية نجد أن العلاقات اللونية والمساحات تبدو أكثر تعبيراً.

مداخلات أثرت الحوار

مع أن المداخلات لم تكن بحجم ما يؤمل فيه إلا أن ما طرح كان كافياً لتسخين الأجواء الشتوية التي تعيشها القاعة حيث طرحت بعض التساؤلات والتعليقات حول ما جاء في ورقة الفنان السليمان من قِبل أحد الحضور مطالباً الدخول في تحليل الأعمال وقراءتها كما تلقت الفنانة حميدة أسئلة حول علاقة البيئة والواقع في محيطها بأعمالها إضافة إلى بعض المداخلات حول ما تتمتع به حميدة من قدرات في الرسم والشعر وبروز اللوحة على حساب المفردة المكتوبة، وقد وجدت تلك المداخلات الإجابات المقنعة بشفافية تتوازى مع ما يشاهد من أعمال وبما جاء به الحضور من مشاعر تجاه الإبداع التشكيلي السعودي ممثلاً في الزميلة الفنانة حميدة.

جولة في المعرض

قبل وصولي إلى قاعة المعرض كنت قد اختزلت على مدى السنوات السابقة خلال متابعتي لمشاركات الفنانة حميدة السنان في المعارض الجماعية التي حققت فيها مراكز متقدمة مفهوماً معيناً عن أعمالها التشكيلية خصوصاً المتسمة بالسيريالية في الطرح بكل ما كانت تحمله من معانٍ عميقة،... تشكل كما اظن انعكاساً لأحلامها التي لا مجال ليد الرقيب لحجبها كما وصف سيجموند فرويد السرياليين بأنها الإنسان (نائم) في المقام الأول. داعياً بذلك السرياليين لتعلم كيفية الولوج بعمق في أحلامهم.

تلك المرحلة والفترة من عطائها لفتت أنظار الكثير نتيجة نجاحها في الجمع بين أضلاع العمل الثلاثة الفكرة والتنفيذ وإثارة دهشة المتلقي ولم أتوقع وقتها العمر الزمني والفني للفنانة حميدة شأنها شأن الكثير من التشكيليات اللائي وجدن في الساحة بشكلٍ سريع واثرن الشك في مستوى أعمالهن واكتشفت الساحة أن الكثير منهن قد تلاشى وابتعد نتيجة عدم مصداقية تعاملهم مع إبداعهن والاعتماد على أيدٍ أخرى، هذا التوقع لم يكن بعيداً عن مخيلة الكثير ممن تلقى إبداعات الفنانة حميدة على مدى الفترات اللاحقة التي أكدت فيها صدقها وأثبتت قدراتها.

وإذا كنا قد تجاوزنا مرحلة التعرف والتعريف بحقيقة إبداع الفنانة حميدة علينا أن نستعرض ما شاهدناه في معرضها الأخير في المنامة بالبحرين الذي وجدت فيه اقتراباً لمبدأ (الفن للفن) الذي يعني استقلال الفن عن قضايا الإنسان مع تبرئتها من هذا المعنى ففي أعمالها ملامسة للإنسان وقضاياه ولو غير مباشرة. مع ما تحمله تلك الأعمال من خيال يشكل صدى لشعورنا المكبوت أحياناً خلف حاجز اسمه النسيان، لقد جمعت الفنانة حميدة السنان في معرضها الأخير بين تجربتين الأول تحمل روح ورائحة تجاربها السابقة التي تعتمد فيها على التركيز التام على الشكل مع ما يتسم به من خيال واسع وانتقاء للعناصر التي تخدم العمل بتمكن كبير من الفنانة للوصول إلى اقرب مسافة من استجابة المتلقي على اختلاف ثقافته التشكيلية العالية منها والمتوسطة، أما الأعمال الأخرى فنجد أنها أخذت منحى تجربة أكثر صعوبة في ترويض معانيها وأبعاد مضمونها لدى المشاهد العام وإبقاء العلاقة مع المشاهد الأكثر رقياً وتمكناً من ثقافته البصرية إذ اعتمدت على النتائج السريعة للتعبير عن الفكرة أو ما يمكن أن نسميها المحرض الوجداني المباشر بكل ما فيها من تناقضات مسقطة حالة من الدهشة تدفع بنا للحوار مع اللوحة لإخراج الإجابة عبر زواياه ورموزها المختلفة، في معرضها الأخير نقلة يمكن تسميتها بالقفزة الكبيرة نحو توظيف الريليف أو الملمس البارز من خلال المعاجين أو إضافة بعض الخامات التي ترى فيها ربطاً نفسياً ووجدانياً مع واقعها البيئي الذي تتعايش معه، هذه النقلة السريعة التي لم تعطِ فيها لمرحلتها السابقة شيئاً من حقها والخروج منها بهدوء يبقي بعضاً منها وصولاً إلى مرحلتها الجديدة سوى عملين كبيرين عرضا ضمن المعرض، إلا أننا نقدر ما تطمح إليه الفنانة حميدة من تحقيق تجارب تعي أسرارها وتتحكم في نتائجها مسبقاً مع استشراف للقادم مما يؤكد ما تمتلكه من مخزون فكري وتقني كبير يضمن لها نقلات جديدة قادمة قد تفاجئنا بها في معارضها القادمة، أما اللافت للنظر والمثير للتساؤلات فهو في توظيفها للأصابع والطيور كثيمات أو إشارات ورمز خاص ينضوي تحتها عالمها الخاص صرحت ببعض أسراره في ندوتها بقولها إن للأصابع شأناً كبيراً في التعبير والتنفيذ لكل ما يوجهه العقل أما عن الطيور فكانت تعني الترحال والسفر والسلام.

أخيراً.. نستطيع القول إن الفنانة حميدة السنان تتعامل مع إبداعها بكل شفافية مستسلمة لوجدانها الذي تتشكل فيه كل الموضوعات دون الاستماع لأي مؤثرات خارجية أو وصاية من أحد لهذا كانت أكثر سعادة بين لوحاتها مع ما يرى في شرودها أحياناً ولادة لفكرة جديدة ستظهر في قادم الأيام، تهنئة نزفها للفنانة حميدة بهذه الخطوة لإيصال الفن السعودي إلى أعين الآخرين في كل مكان من العالم.

monif@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسة

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد
مواقع الجزيرة

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة