Culture Magazine Monday  16/04/2007 G Issue 195
نصوص
الأثنين 28 ,ربيع الاول 1428   العدد  195
 
مطالعات : عبدالحفيظ الشمري
دخيل الخليفة في تماس شعري نثري:
مزاوجة جمالية بين التفعيلة والنثر

 

 

بين الشعر والنثر تراوح عوالم ديوان (صحراء تخرج من فضاء القميص) للشاعر دخيل الخليفة، لنرى النص تلو الآخر يهيئ مشروع الأسئلة الحادة كنصال لعالم لم يعد للبراءات أي وجود فيه.

لم يعد (كريِّم الهزاع) هو ذاك الرمز القوي في تيه صحراء نقشت وشمها في الذاكرة، بل لم تعد إيماءات الشاعر الخليفة نحو جراحات كثيرة مفيدة لتجربة إنسان سريرته النقاء، وواقعه البهاء الذي يغمر أعطاف الرمل على نحو ما يستهله في ترانيم البدء:

( أينما يمموا الرِّيح

واستوطنوا دمهم

عبروا حلمهم خاسرين الحداء

وعلى (رمث) دلتهم سهروا

خلعوا وتد البيت

من صبره، أفلوا.. تاركين

الربابة تستلهم الحلم من

جرحها..)

هي إذن حالة الصحراء الحرجة في عالم لم يعد يأبه بتلك الأشياء الموغلة في عتقها، إذ تترك القصيدة الفاتحة صور عدة لحالة الرمل الذي تتخلق في عوالمه معاناة الإنسان، حيث تتقاطع تجربة الصحراء في جل قصائد الديوان مع من فيها من مخلوقات، فترة نراها أماً رؤوماً، وأخرى شيخاً مسناً يعيد حكايات التاريخ بلا ملل، وثانية نراها وقد أضحت طفلاً يبحث عن براءاته، لا بل أدهى من ذلك وأمر حينما تصبح الصحراء (أمارة بالسوء) كما في قصيدة (ذاكرة ولد صغير)، بل تذهب حالة الرمل إلى أبعد من ذلك حينما يعدد الشاعر دخيل الخليفة نثار الحكايات عن هذه العوالم شبه الخيالية لعالم لم يعد معنياً بما تتركه الصحراء من إجابات عن الكثير من أسئلة الدهشة.

يكثر الشاعر من وصف المفازة، وتتبع منعراجات خصومة الرمل مع الكائنات.. تلك المشكسات المألوفة بين البدوي ومؤيديه ومناوئيه على نحو (الجدي والذئب)، و(النقيضان الغادران) و(العطش والغرق)، (حية تروم فريستها)، (ضيف يبحث عن قهوة معتقة)، (طيور القطا)، و(خبز الصبح للجياع).. صور عدة للحياة المعاندة في الرمل يستعرضها الشاعر على هيئة رسائل قصيرة وشيقة تنبئ عن ملكة مدهشة للشاعر في استقصاء تفاصيل حكايات المفازات منذ الأجداد في قصيدة (رغم أن أعصابها من حديد) وحتى قصيدة (يكتب أيامه) حينما ترحل حياة الصحراء ويبقى حزن ابن الرمل على تخوم المدن التي تعلم التلاميذ حالات الفرار من البراءات، إذ لا نأبه بأي وعد جميل.

دخيل الخليفة يسكن قصيدته (برج الحكاية)، إذ يكشف القارئ ولع الشاعر بقول مقتضب يفضي دائماً إلى حقيقة الفراسة في حُرٍ يلمح الإشارة على نحو ما تضمنته قصيدة (غروب) حينما صور البدو ببقايا هيئاتهم وسحنهم:

(رحلوا عن بقايا الضباب

إلى عشب أرواحهم حين ضاق الزمان

حينما لم يجدوا في المكان - مكان

كلما عبروا جرحهم

وجدروا وطناً من دخنان..)

(الديوان ص 52)

إذن هي الغربة والرحيل لأهل الرمل الذين هجروا كل الأشياء في حياتهم، فلم يعودوا إلى الصحراء ولم يذوبوا بعد في حياة (مدن التيه).. تلك التي باتت تزيد من جراحات البدو وتستحق الكثير من براءاتهم إلا أنها تحافظ على سحناتهم أحياناً، لتعرف أن البدوي معذب دائماً حينما يهجر تلك التخوم الموغلة في نأيها وعتقها وصمت مفوازها في تضاعيف الكثبان، وسرمديات سهول السراب والظمأ.

الديوان كما أسلفنا يعد رسائل، أو وصايا حكيم لزمانه، حيث يأخذ الشاعر الخليفة على عاتقه مهمة تدوين صور الفاجعة والفرح على حد سواء لنراه قوياً مؤثراً في قصيدة (حينما تعثر البحر..!!) ليجمع النقائض في صور متناغمة تعكس قدرة الشاعر على تصوير هذا العالم الذي بات مؤذياً وشاقاً وصعب الاحتمال..

فالديوان يأخذ شكل التداخل والامتزاج بين تيارين للشعر هما التفعيلة والنثر، فكلما برزت هذه الصور بشكل متناغم حققت فكرة القصيدة بعدها التأثيري في ذات المتلقي، لأن الشاعر الخليفة ظل مسيطراً على توجهات النص وأبعاده فأصبح السياق العام للديوان مكتملاً في بنائه ومحققاً لمعادلة المتعة والفائدة.

****

لإبداء الرأي حول هذه المطالعة، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5217»ثم أرسلها إلى الكود 82244

إشارة:

* صحراء تخرج من فضاء القميص (شعر)

* دخيل الخليفة

* دار المدى - دمشق - 2007م

* يقع الديوان في نحو (140 صفحة) من القطع المتوسط

hrbda2000@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة