Culture Magazine Monday  17/09/2007 G Issue 216
فضاءات
الأثنين 5 ,رمضان 1428   العدد  216
 
رؤية ثقافية
منيرة المبدَّل *

 

 

قد يجد بعض الدارسين في ميدان المقالة، صعوبة في إيجاد منهج محدد لدراسة النصوص المقالية، وطرق تحليلها، وسبر أغوارها؛ في ظل الإقصاء النقدي وغياب عناية النقاد بها.

ومن خلال معاشرتي لفن المقالة كتابة وقراءة ودراسة؛ وجدت أنّ المقالة من الأجناس الأدبية التي لا تنحصر معالجة نصوصها بمنهج بعينه، أو تكتفي بتوجُّه نقدي دون سواه. بل إنّ دراسة المقالة تتطلّب تكافل عدّة مناهج نقدية للكشف عن جمالياتها، ومراحل تطورها ونمائها عند الكاتب. وهو ما يُعرف في النقد الحديث ب(القراءة المفتوحة) التي يسعى من خلالها الناقد أو الدارس توظيف جملة المناهج النقدية في خدمة دراساته المقالية.

ويأتي في مقدمة هذه المناهج: المنهج التاريخي؛ الذي يُسهم بصورة جليّة في معرفة مراحل ظهور المقالة لدى المقالي، وصور التطوُّر والتحوُّل في مسارها الموضوعي والفني، وفترات ازدهار نتاجها وفترات ركودها أو الانقطاع عن الكتابة والعودة مجدداً لمضمارها، أو التوقُّف النهائي عن الإنتاج، والكشف عن أسباب ذلك ودواعيه.

كما يأتي المنهج الفني التحليلي في مقدمة المناهج النقدية التي تتطلّبها الدراسة الفنية للمقالة من حيث تناول الفكرة واللغة بمستوياتها والبناء المقالي. ولعل المقالة هنا تشترك مع سواها من الأجناس الأدبية في هذا المسار.

وهناك المنهج الوصفي؛ الذي يبرز في حال استخدامه لرصد موضوعات المقالة عند الكاتب وأنواعها، على الرغم من أنّ بعض النقاد يرى أنّه من المناهج الرتيبة التي لا تفيد الدراسات كثيراً، ولا تصنع منها مادة نقدية ماتعة!

كما يمكن الاستعانة بالمنهج الاجتماعي والنفساني بالقدر الذي تتطلّبه الدراسة الموضوعية للمقالة دون الإسهاب في ذلك؛ خشية المساس بدائرة الدراسات الاجتماعية والنفسية!

ولا نغفل أهمية الدراسة الأسلوبية الإحصائية في الدرس النقدي المقالي؛ في مجال معرفة الترتيب الكميّ للمقالات، ونوعية الأساليب الفنية المستخدمة في الكتابة المقالية في الجانب اللغوي تحديداً.

ومن النظريات النقدية الحديثة التي ثبتت بالتجربة جدارتها؛ بعض نظريات التلقِّي، فوجود القارئ الافتراضي - الضمني في ذهن الكاتب ومعرفة الشريحة العظمى للمتلقين يساعده على توجيه اختياراته الموضوعية والفنية بحسب نوعية القارئ المخاطب، وما يحمله من ثقافة معرفية ومخزون لغوي. كما يساعد الدارس من جهة أخرى معرفة الخصائص الأسلوبية ومضامين المقالات من منطلق الاختيار الموجّه. إذ إنّ فن المقالة من أوضح الفنون الأدبية في إفادتها من هذه النظرية.

ومن الممكن أيضاً توظيف بعض المفاهيم السيميائية في الدراسات النقدية المقالية؛ خاصة دراسة عنونة المقالات وما تحمله من دلالات تلقي بظلالها على مضمون المقالة عامة.

ويبقى نوع المقالة وموضوعها وسير كاتبها، من الأمور التي تقود الناقد في اختيار منهج دون غيره، وإثبات صلاحية المنهج المختار في الكشف عن الجوانب الجمالية في المقالة. لذلك من الأخطاء الفادحة - في رأيي - أن يتوارث الباحثون والنقّاد بعض طرق الدراسة والتحليل التي سبقها إليهم بعض الأوائل، دون النظر إلى مناسبتها لمقالاتهم المدروسة؟! مما يُفقد خصوصية تلك المقالات وما يمتاز بها كاتبها من أسلوب، ويحول دون إبراز جمالياتها.

على أنّ طبيعة فن المقالة وبنائها، يُعدُّ الخادم الأول لغرض الناقد من خلال الاكتفاء بها أحياناً في الكشف عن هوية الكاتب وانتمائه الديني والسياسي وعرض منهاجه في طرح موضوعية؛ حيث تسهل عملية قراءة أفكاره، ومعرفة خاصيته في جانب اللغة وتراكيبها ومستوياتها، فطبيعة المقالة الواضحة هي ما جعلت القراءة النقدية المفتوحة الخيار الأمثل لدراسة المقالة نقدياً، وبالتالي تطبيقها من المرونة بمكان.

* باحثة مختصة بدراسة فن المقالة - الرياض mon2266@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة