Culture Magazine Monday  17/09/2007 G Issue 216
فضاءات
الأثنين 5 ,رمضان 1428   العدد  216
 
ملتقى المثقفين ..
والخروج من مأزق الازدواجية
أمل زاهد

 

 

يأتي على رأس المكاسب التي سيجنيها مشهدنا الثقافي السعودي من ملتقى المثقفين الذي عقدته وزارة الثقافة لمناقشة الإستراتجية الوطنية للتنمية الثقافية

الأسبوع الماضي، ذلك التأكيد على دور المرأة في تنمية المجتمع ونهضته وفي مسيرة الثقافة وحركتها. وهذا الاعتراف الرسمي بالمثقفة السعودية ككيان فاعل وقادر على دفع عجلة الثقافة قدماً بالمشاركة مع المثقف السعودي، فكلاهما يمثل أحد دعامات وعلامات المسيرة الثقافية التي لا يمكن أن تندفع وترتقي وهي عرجاء الخطى ناقصة الأطراف.

ولعل جذوة الانطلاق وشرارته اشتعلت بداية في الملتقى من مشاركة المرأة المنبرية المباشرة لأول مرة في المحافل الثقافية على أرض الوطن، والتي دشنتها الدكتورة فاطمة إلياس رئيسة اللجنة الثقافية النسائية بنادي جدة الأدبي.

وقد كانت لحظة تاريخية بكل المقاييس تلك اللحظة التي شهدت فيها أنا وزميلاتي المشاركات ظهور الدكتورة فاطمة على المسرح، مسجلة بذلك أول تواجد منبري ثقافي للمرأة السعودية داخل الوطن خارج أطر الدائرة التلفزيونية التي حبست المرأة طويلاً داخل حدودها. وقد كانت مشاركة المرأة المنبرية في السابق مقبولة ومرحباً بها خارج البلاد ولكنها مرفوضة داخله، وتحاط دوماً بسياجات من الممانعة والرفض التام! كما أدارت الأستاذة فوزية العيوني باقتدار ورش العمل الخاصة بمناقشة أوضاع المرأة وثقافة الطفل لتؤكد حضور المرأة القوي والفاعل في هذه التظاهرة الثقافية الوطنية.

وكأني بوزارة الثقافة تؤكد على دورها المهم والفعّال في تغيير الصورة النمطية التي تحيط بالمرأة السعودية وتؤدي لتحجيم ممارساتها ومشاركتها، وكأني بها أيضاً تعزز دور الثقافة في قيادة عملية التغيير الاجتماعي الذي تمنع طويلاً على المرأة خاصة، وجعل مكانتها الاجتماعية تراوح مكانها رغم أنف كل الانجازات التي حققتها المرأة السعودية، ورغم أن كثيراً من السيدات والشابات السعوديات هن اليوم المعيلات لأسرهن والآخذات بزمام شؤونها الاقتصادي.

والآمال معقودة اليوم أكثر من أي يوم مضى على تجديد الخطاب الثقافي كي يقود عملية التغيير خاصة فيما يتعلق بقضية المرأة وإشكالاتها المعقدة التي وقفت دوماً كحائط صد في سبيل أي تغيير يطال أوضاعها. فمن نافل القول أن الثقافة بما تمثله من قوة دافعة تشكل القلب النابض الدافق بالحيوية في جسد الوطن، والقادر أبداً على ضخ فيتينامات التغيير في بنية المجتمع. ولذا يجب أن تكون قادرة على تهشيم حواجز الممانعة الاجتماعية المتدثرة بعباءة دينية بينما هي تنطلق من تقاليد وممارسات تعارف عليها الناس.

في تقديري أيضاً أن إحدى مهام التنمية الثقافية تتبلور في تهشيم دوائر الازدواجية التي تتحكم في منظومتنا الاجتماعية ممارسة وسلوكاً! وأعتقد أنه لا ريب في وجود هذه الحوائط العتيدة البناء من الازدواجية الملتفة بإحكام على مشهدنا السسيوثقافي، فلا نكاد ننحت كوة في تلك الحوائط المنيعة إلا لنواجه بسدود أخرى هي أكثر منعة وأقوى تمترساً.. فنمارس الدوران حول ذواتنا في محاولة يائسة لنعود إلى ذات المكان الذي بدأنا منه! فحلقات الازدواجية تطبق بخناقها علينا، فيتشظى الفرد السعودي على ذاته فتنقسم ممارساته وسلوكياته إلى داخلية وخارجية، فملامحه وقسماته في داخل بلاده تختلف تماماً عنها في الخارج، وقد جرت العادة على أن ما هو حرام وممنوع في الداخل، حلال ومسموح في الخارج!! وكأن للإنسان السعودي وجهان أحدهما خارجي يتجاوز فيه كل الممنوعات والمحظورات في بلاده، والآخر داخلي يسارع فيه إلى ارتداء القناع الذي يمزقه بمجرد تخطيه حدود بلاده! ولا شك أن إشكالية قضية المرأة تنمذج بجلاء ووضوح لهذه الازدواجيات التي باتت صفة وملمحاً من ملامح ممارسات الإنسان السعودي، ومن هنا تأتي أهمية الخطوة الرائدة التي تبنتها وزارة الثقافة فيما يتعلق بقضية المرأة ومشاركتها، فالحسم والحزم والقرار الملزم هو القادر على تفتيت سدود الممانعة، وعلى تفكيك هشاشة الازدواجيات وإثبات هزالة مكوناتها.

توالت مكتسبات المثقفة السعودية المحصودة من هذه الاحتفالية الجميلة بالثقافة والمثقفين - والتي لا شك أنها ستؤتي أكلها لصالح المشهد الثقافي برمته - فجاءت التوصية بالإجماع على مشاركة المرأة في كافة اللجان المنبثقة من وزارة الثقافة والإعلام، كما أكدت على دورها القادم في عضوية مجالس إدارة الأندية الأدبية الذي سيكون دون شك عاملاً مساعداً يساهم في القضاء على ثقافة العزل والنفي التي مورست كثيراً ضدها.

أكدت أيضاً توصيات الملتقى على تغيير الصورة النمطية للمرأة السعودية عبر وسائل الإعلام، وفي تقديري أن لهذه التوصية أهميتها البالغة في المساهمة في تغيير أوضاع المرأة السعودية.

رفض مناقشو ومناقشات التوصيات في الجلسة الختامية التوصية التي تقترح إنشاء لجنة نسائية لشؤون المرأة في الوزارة، لأن في ذلك تكريس لسياسة عزلها ولأن تلك التوصية تتعارض مع إشراك المرأة في كافة اللجان.

حفلت الإستراتجية بالكثير من الفقرات التي ستساهم دون شك في الارتقاء بالثقافة في بلادنا الغالية، كما جاءت التوصيات لتضيف وتلغي وتحاول معالجة النقص وسد الخلل في الإستراتجية، وإن كان دوماً المأمول والمرجو أكثر بكثير من الملموس والمتحقق على أرض الواقع. ولعل أجمل إنجاز حققه الملتقى هو تلك الروح الجماعية التي ألقت بظلالها على كافة المشتركين على اختلاف أطيافهم، وذلك المناخ الحميمي الدافئ الذي كسا حواراتهم ونقاشاتهم رغم تعدد الرؤى وتباين وجهات النظر.

والمرجو اليوم من وزارة الثقافة وقد أوكلت الإستراتجية والتوصيات لمتخصصين لإعادة صياغتها أن تسارع في تحويل النظري إلى واقع يحصد ثماره أبناء الوطن، وأن لا تترك ما تم إنجازه في هذا الملتقى حبراً على ورق ورؤى في أضابير تظل رهينة لأدراج المكاتب، وفريسة للدوران في أروقة البيروقراطية ودهاليز الروتين.

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتبة«7446» ثم أرسلها إلى الكود 82244

- المدينة المنورة amal_zahid@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة