Culture Magazine Monday  17/09/2007 G Issue 216
نصوص
الأثنين 5 ,رمضان 1428   العدد  216
 
قصة قصيرة
قلب من نار
حصة العتيبي

 

 

عندما تسري العاطفة داخل الجسد.. تتلون جميع الأوردة بلون واحد، حالم

* لا ينتسب إلى أي شيء آخر سوى اللون نفسه!

* في ذلك اليوم.. وداخل قمرة طائرته الضخمة تحولت أنامله وهو يتفرس لون

* الحروف في تلك المجلة المحلية ليقرأ باهتمام بالغ محتوى تلك المقالة

* الجميلة إلى ما يشبه المفرزة.. تفرز الأسطر بحثاً عن شيء يريد أن يجده..

* ثم تنهّد فجأة وتمتم بأمنية غريبة.. لم يخطر له على بال أنها من الممكن

* أن تتحقق.. ولو في خياله.. وحتى لو كانت للحظة خاطفة.. تمتم بينه وبين

* نفسه بكلمات مبتورة لا يسمعها سوى قلبه: (ليتني ألتقيها)!

* كان من ضمن العبارات التي شهدت مولد خفقان قلبه: (أحبك.. حتى لو كان

* خيالي مترعاً بالحزن.. وأجدك بلسماً.. حتى وإن اغتالك في قلبي غيابك

* المستمر). من هنا بدأت العبارة تتوسل الاستقرار داخل جوفه؛ فسمح

* لها.. وأناخ ركابه.. وربما في تلك اللحظة قد هدّأ من سرعة طائرته فشعر

* المسافرون بذلك.. ولم يستفق سوى على تنبيهات مساعده..

* هل حقاً يعشق الإنسان من مجرد قراءة بسيطة لبعض سطور منهكة، وأحرف

* متعبه، وعنوان حزين.. وأحلام عمر باهتة.. واسم ربما كان وهمياً.. أو

* حتى مستعاراً؟

* نعم.. فالعشق لا يعرف مكاناً.. ولا زماناً.. ولا حتى عناوين لأشخاص محددة

* .. إنه يأتي كالمطر العطش لمعانقة الأرض الجائعة؛ فيلبسها اخضراراً..

* وابتسامات حالمة..

* في المطار كان ازدحام الناس شديداً بالرغم من أحلام العيون الحائرة

* ومع ذلك كان البحث مستمراً عن شبح كاتبة تلك السطور.. في تلك المجلة

* المحلية.. هل هي مع هؤلاء البشر الذين يتماوجون فيما بينهم، كلاً

* يحاول أن يسرع لقضاء احتياجات دنياهم المختلفة..؟ لا أعتقد.. فمن تكتب تلك

* الكلمات لا تستسيغ زحمة البشر ولا ضوضاءهم، من ترسم حزن البشر بين

* السطور.. لا يليق بها سوى الهدوء والجمال الذي تحتضنه روحها الشفافة

* يا الله.. ما أجمل أن يعشق الإنسان روحاً.. لا صورة لها

* .. ولا ملامح.. ما أجمل الأحلام وهي تزف الخيال مترعاً في نهر الشوق

* .. يكاد يغرق وهو يتلون خجلاً من ملاقاة من عشقه..

* في غرفته الكبيرة كان يشاهد طيفاً عائماً بين الحقيقة والخيال

* فقفز خائفاً يحاول أن يطرد أشباح باتت تؤرقه، وحاول أن يخرج

* نفسه من هذا الحصار؛ فاستدار برأسه نحو الشرفة لعله يجد ما يشغله، لكن

* الشرفة كانت هي الأخرى مليئة بالصور التي لا تزيده سوى هم وتفكير

* في الصباح.. حضر للمطار وهو نصف نائم، سأله مساعده: ألم تنم جيداً..

* أشار بيده.. أن دعني في حالي.. واستمرا نحو الطائرة يحمل كل منهما

* حقيبته.. وأسراره.. وجزءاً من بقية صبر كادا يفقدانها

* تتحول الخطوات إلى عناوين لبعض الممرات التي تفتقد الدليل لأصحابها

* بل تتعمد أحياناً أن تكون مبهمة؛ ليصبح معها أحدنا جاهلاً لما

* ينتظره..

* تقترب من صاحبنا خطوة ناعمة، تسأله باسمه: حضرة الكابتن، إلى أين

* أتجه بأوراقي؛ فهذه أول مرة أسافر فيها وحدي، ولا أعرف كيف أتصرف، ثم

* تبتسم خجله وتسكت عن الكلام؟

* يلتفت صاحبنا ومساعده نحو الصوت الناعم والهادئ والبريء: نعم (هكذا

* يجيبها).. هنا تتجهين.. أين أوراقك؟.. يأخذها برفق.. يقرأها بدهشة.. يتعجب

* .. يتراجع قليلاً عنها.. يرفع يده اليمنى عالياً.. كأنه يريد أن يمسح

* ضباباً كاد يسرق الرؤية من عينيه.. ثم يتلعثم.. ثم يخرج حرفاً ويئد

* الآخر داخل فيه.. ثم يسكت.. لكنه يتماسك.. ثم يوجه إليها سؤالاً

* غريباً.. لم تستطع الإجابة عنه: لماذا .. لماذا أنتِ بالذات تسألينني

* أنا بالذات..؟!

* في لحظاتنا المتعبة، والتي تتحقق فيها الأحلام، تتقهقر أفراحنا دهشة

* .. ويصبح لون الأيام غائماً.. ونحتار كيف نفرح..!

* في ذلك الممر الطويل.. المؤدي إلى الطائرة كان الوجوم مطبقاً على معظم

* الشفاه؛ فلا تسمع سوى صوت أقدام المسافرين وهم يجرّون مع حقائبهم

* .. أحلامهم.. وآمالهم.. وربما.. بعضاً من أحزانهم..

* في قمرة الطيار، كان السكوت رفيقاً للجميع.. الطائرة تهتز.. المدرج

* لا يتسع لكل هذا الكم الهائل من تمايل الطائرة.. حتى سارع المساعد، وأمسك

* بدفة القيادة .. وطلب أن يكون هو القائد.. فارتاح صاحبنا من تحمل

* المسؤولية في هذه الرحلة.. واتجه بكل استغرابه نحو مقاعد المسافرين

* .. كأنه يبحث عن شيء يفتقده.. كأنه يحاول أن يقنع نفسه بأنه لم يكن

* يحلم.. كأنه يريد أن يثبت لنفسه شيئاً.. تفحّص الوجوه بنهم.. بحث بين

* العيون بوجل.. كان يقدم قدماً ويؤخر أخرى.. لكنه لم يجد ما يبحث

* عنه.. فاستدار بعصبية: ربما هي هناك.. سأصعد بنفسي إلى هناك.. وأتمنى

* ألا تشاهدني تلك العيون التي طالما بحثت عنها.. لكنها تشاهده الآن..

* يقف أمامها مباشرة.. عيناها في عينيه.. تحتل الكرسي الأيمن.. في السطر

* الأول من مقاعد المسافرين.. يدها ممسكة بالعدد القديم من مجلتها

* القديمة.. قلمها يرتجف وهو ينزف الحبر الحزين على قارعة الأوراق

* الحيرى.. ويرسل التساؤلات تترى.. والتي تحمل بداخلها ألف معنى.. فيأتي

* جواب عينيه وهو يحمل ألف ألف مغزى.. وصوت الريح وهو يحملهما فوق السحاب

* كان له عنوان لا يتجزأ.. قد خط بالنار.. تعترف به جوانب قمرته.. ويعترف به

* قلبه الأسير لها.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة