Culture Magazine Monday  18/06/2007 G Issue 203
الملف
الأثنين 3 ,جمادى الثانية 1428   العدد  203
 
على ضفاف .. ثقافة السلوك
سعيد علي صالح العنقري

 

 

أكرم ما ينبغي علينا فعله تجاه رجل بقامته أن نعيد ولأكثر من مرة قراءة ما دوّنه يراع الأديب الأستاذ علي بن صالح السلوك عن ملهمته الباحة. حينها سنكتشف كم هي رائعة منظومة الأحلام الدفيئة في قلب هذا الإنسان النبيل الذي رتّب حياته بصرامة شديدة شاحذاً همّته وطاقته الذهنية لصياغة إرث فكري وتراثي وثقافي عن الباحة وأهلها وربوعها ولسانها ومأثوراتها وأسرارها.

وكل كتاب من هذه المنظومة يمثل بذاته حداً لا نهائياً من التضحية والترحال المتواصل على أجنحة المعاناة والحرمان من مباهج ومُتع الحياة ليغرس في النهاية نبتته الخضراء على سفوح ذاكرتنا.

تذكرت قولاً للأديب الطيّب صالح أن الكتابة عذاب في عذاب، فأيقنت أن تكون الكتابة هي التي التهمت عافيته وصحته وطرحته عنوة إلى سرير المرض لأكثر من عام مضى.. فهل كان يدرك هذا الكاتب النبيل أنه سيدفع ثمناً غالياً من أجلنا يتعدّى ما هو أقسى من العذاب وأقسى من معاناته الذهنية والفكرية والجسدية؟!

على الأرجح أن الباحة أدماها وأعياها كل هذا الفراق الطويل والقسري لابنها الذي حمل على عاتقه عبء جيل بأكمله ليتولى بالنيابة عنه سرد جغرافية بلاد غامد وزهران في معجم جغرافي وتاريخي قام بإعداده منفرداً وهو ما لا نصدّقه في الوهلة الأولى، وهلة الاندفاع إلى ثنايا الصفحات والسير خلف هذا الإبداع والتألق الذي يقف وراءه قلم واحد لا غير. فالمعجم جذوة من الحماس التي كان يمكن أن تنطفئ في لحظة ما لوعورة المسالك ومشقة التحقق والانتقال من مكان لآخر لرصد المعالم وتأريخ الدلالات والمقاصد، إلا أنه لم يؤثر السلامة ولم ينج بنفسه ومضى في مشواره الطويل ليأتي بهذا الينبوع الثقافي الرصين. وإن كان يكفيه هذا الكتاب وحده الذي فيه من الإبهار ما يجعله متجدداً بذات الإحساس الذي صدر عليه في عام 1391هـ، إلا أنه شعر وأحس بأن هناك أدواراً أدبية أخرى تنتظره لا ليقول قولته فحسب وإنما لمساعدة الموروث الثقافي والحضاري لأبناء غامد وزهران على الجلوس في مقعدها الشاغر. وهذا دلف السلوك مرة ثانية لمناطق أشد خطورة من التعب والمعاناة والحس المرهف بالموروث أينما كان خبيئاً في أعطاف الماضي والحاضر.

وعندها كانت تتأمله الباحة مزهوّة بابنها الذي يحمل ثقافته على كتفيه دون اهتمام بإبراز صورته الشخصية قدر اهتمامه بإبراز صورتها هي، فأتى عمله البديع من خمسة أجزاء بعنوان (الموروثات الشعبية لغامد وزهران) الذي يعد في ظني كنزاً إبداعياً بأكثر مما توقعه الكاتب نفسه.

إن إبداعات علي السلوك عافاه الله وشفاه وخفّف عنه وطأة المرض، هي قدرات خارقة للعادة في ممارسة فن الكتابة الرفيعة، الكتابة التي تريد أن تعكس فكراً وثقافة وتبقى رصيداً معرفياً للأجيال وتعكس في ذات الوقت حالة من المسؤولية والجدية والالتزام، وستظل الباحة بانتظار عودة هذا الفارس إلى ميدانه سالماً معافىً بإذن الله، وسيحفظ أحفاد ابن جبران والزرقوي وغيرهم من شعراء وأدباء المنطقة هذا الجميل الذي لن ينساه التاريخ.

- جدة


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة