Culture Magazine Monday  18/06/2007 G Issue 203
الملف
الأثنين 3 ,جمادى الثانية 1428   العدد  203
 

قامة سامقة
جمعان الكرت

 

 

ثمة غشاوة تضرب بقتامتها على أعيننا فلا نستطيع رؤية من حولنا رؤية دقيقة ومنصفة، حيث يعيش بين ظهرانينا أشخاص ضحوا بأوقاتهم وصحتهم من أجل خدمة وطنهم.

هؤلاء الأشخاص أنقياء... رائعون ومبدعون... ومع الأسف تظل أعيننا غير قادرة على تفحص الجهود العظيمة التي قدموها... بل أحياناً، ومع الأسف الشديد، ننقص من شأنهم ومن جهودهم، وفي الوقت نفسه لم نقدم شيئاً يذكر... وهكذا تستمر عجلة الحياة.. ما أسوأ هذا التناسي!... وما أتعسه!..

أيها الأحبة حينما كان الكثيرون لا يعرفون محيط منطقتهم برز أحد أبنائها ليقدم عطاءً جغرافياً وتراثياً يستحق الشكر والثناء... هو علي بن صالح السلوك الذي نبتت في ذهنه أزاهير عشق المنطقة.. واشتعلت جذوة الحماس في شرايينه ليدفع إلينا سفراً جغرافياً لبلاد غامد وزهران، وهذا العمل الجغرافي يعطي دلالات عديدة.

أولاً: الوعي المبكر لعلامة منطقة الباحة (علي بن صالح السلوك) شفاه الله وعافاه. إذ إن عملاً كهذا يحتاج إلى تجشم المصاعب وتكبد المشاق وصولاً إلى الأودية والجبال والقرى والهجر، والالتقاء بالناس ليدون ويحقق ويصحح.

ثانياً: المواطنة الحقة هي التي دفعت بالمؤلف لينهض بهذا العمل الذي يحتاج إلى فريق من المتخصصين.

ثالثاً: رفضه للدعة والخمول.. فعمل جغرافي لا ينحصر داخل جدران مكتبه بل يحتاج إلى سلسلة من الأعمال البحثية المضنية والحركة الدؤوبة.

رابعاً: فطنته المبكرة إلى احتياج المكتبات إلى معلومات سواء كانت جغرافية أو تاريخية لجزء هام ومنطقة حيوية من مناطق المملكة... وبالفعل أصدر كتابه عام 1391هـ ليفوز بقصب السبق في التوثيق لمنطقة الباحة... وفوزه أيضا بعبارات التقريظ من رموز أدبية عالية المستوى أمثال ضياء الدين رجب، محمد حسن عواد، أحمد عبد الغفور عطار، علي حافظ، عبد العزيز الرفاعي، عثمان الصالح، د. محمد خفاجي، علوي طه الصافي.

هؤلاء النخبة أجمعوا على أن المعجم الجغرافي لبلاد غامد وزهران إضافة جديدة لتاريخ وجغرافية بلادنا، وأن هذا الجهد يدل على الإحساس المضيء في نفس المؤلف صوب بلاده، الإحساس الذي يمثل حبه العميق لبلاده وافتخاره بأمجادها وتراثها وحرصه على متابعة واستقراء كل أثر من آثارها وضبطه وتدوينه وإلقاء الضوء عليها وقالوا لابد لأي باحث أو مؤرخ أو جغرافي يود دراسة منطقة الباحة أن يعود لهذا المرجع. فيما أشار علامة الجزيرة (حمد الجاسر) إلى بعض مميزات المعجم لمقدرة المؤلف على حصر الأمكنة في المنطقة ليسهل للباحث معرفة المواقع معرفة تامة، وضبط الأسماء ضبطاً صحيحاً، وتحديد المسافات، ولما كانت إحدى مزايا المؤلف التجديد والتحسين رأى من الضرورة إعادة طباعته مرة ثانية بما يتناسب مع روح العصر، ولكي يظهر في حلة قشيبة فعلاً أعاد إصداره مرة ثانية وكسب شيئين:

أولاً: الأبواب والأسماء التي ضمها الكتاب في طبعته الثانية ذات قيمة لدى الدارسين والمهتمين بالنواحي الجغرافية والتاريخية.

ثانياً: توق الكثير من أبناء المنطقة وخارجها الحصول على الطبعة الجديدة بشكلها الأنيق وصورها الملونة خصوصاً الصور التي التقطت من الفضاء.

لقد اعتاد المؤلف شفاه الله أن يغمس قلمه في محبرة الجد، ولم يتوقف نشاطه عند هذ الحد، بل رأى أن هناك موضوعات تحتاج إلى توثيق خصوصاً أن السنين كفيلة بنسيانها أو على الأقل صعوبة الحصول عليها لكونها ثقافة مرتبطة بالأشخاص.

فبدأ بمشروعه الضخم الذي ما أن فرغ منه حتى سمّاه (الموروثات الشعبية لغامد وزهران) وجاء في خمسة أجزاء منها: قصائد الجبل واللبيني، العرضة واللعب والمسحباني، الهرموج، العزاوي، الهزل، والفكاهة، شعر القاف، وكذلك الأمثال الشعبية والحكم.

هذا الإرث الشعبي الجميل يحتاج إلى توثيق وتصنيف وترتيب وتبويب، فانبرى لهذا العمل علي بن صالح السلوك ليخفف عن الكثيرين عناء وتعب التقصي والبحث والجمع، ويقدم هذه الموسوعة الرائعة في أجزائها الخمسة، والحق هذا العمل بكتابين آخرين أحدهما سماه: غامد وزهران السكان والمكان وقسمه إلى أربعة مباحث استعرض فيها فروع غامد وزهران في الماضي والحاضر ومواطنهم في الحاضر إذ انتشر السكان بفضل الأمن والاستقرار الذي تعيشه بلادنا في هذا العصر الزاهر مع تراجم مختصرة لبعض مشاهيرها واعتمد في إيراد عدد السكان على إحصاء أجرته إمارة الباحة عام 1398هـ، وكذلك على الدراسة التخطيطية التي قامت بها إحدى الشركات المتخصصة وأشارت إلى أن نسبة النمو السكاني في المنطقة 3% سنوياً فضلاً عن الوحدات السكنية إذ وصل نموها إلى 200% وأعطى ملخصاً تاريخياً عن المنطقة في عصر توحيد المملكة العربية السعودية. واختتم الكتاب بملاحق عبارة عن وثائق اعتبرها الباحث أهم مصادر الكتاب ونشرت لأول مرة... والكتاب الآخر بعنوان: وثائق من التاريخ... ويهدف المؤلف إلى إعطاء فكرة عن فترة تاريخية طواها النسيان فضلاً عن إبراز دور تلك الوثائق في عملية تنظيم الحياة الاجتماعية سابقاً، وكذلك في المحافظة على الأمن والاستقرار وحل النزاعات ومنع الاعتداءات. وشمل الكتاب العديد من وثائق المعاهدات والاتفاقيات والأخلاق بين القبائل، ونماذج من وثائق الأحكام والصلح لحل المنازعات القبلية والفردية، ونماذج من المبايعات والمراسلات من الحكام إلى المشايخ والأعيان تعكس روح القيادة وعمق الترابط بين مؤسس هذه البلاد وإنسان هذه المنطقة. بقي علينا شيء واحد وهو الاعتراف بأننا نعاني من جور النسيان... نسيان المبدعين والمبرزين الذين سكبت أقلامهم حروفاً كالعصافير الخضراء تدل على حسهم الوطني العميق!!

- الباحة j_karat@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة