Culture Magazine Monday  18/06/2007 G Issue 203
نصوص
الأثنين 3 ,جمادى الثانية 1428   العدد  203
 

قصة قصيره
محمد عطيف
(ميسون)

 

 

كانت ميسون مختلفة في كل شيء

لكن ربما كان على أحدنا أن يدفع الثمن..!

أتساءل: هل كان علينا أن نمثل أمام القدر

في ذلك الموقف..!؟

لم تستطع (ميسون) أن تترك في حياتي الكثير من البصمات، غير أنها بقيت في داخلي لسبب لم أفهمه إلا مؤخراً، ورغم أنني لا أعتبر ذلك سراً عميقاً إلا أنني بقيت زمناً طويلاً بعد غيابها استشعره متخطياً كبريائي ورغبتي في نسيان الأمر برمته.

قالت (ميسون) في لحظة نادرة: أن علي أن أنسى الكثير مما كان يحدث بيننا. وهو للحق لم يكن يعدو بعض المسامرات في غفلة من الزمن ورفقة من الليل.

وقالت أيضا قبل أن تسحب يدها التي كانت تتحسس صفحة خدي: أنها لم ولن تحب أحداً مثلما أحبتني..

لم نكن نعرف يومهاً أن ذلك الكلام لم تقله هي ولم أقله أنا بقدر ما قالته اللحظة نفسها ومقدار ما آسرتنا وما أحسسنا به حينها.

في صالة الانتظار كنت أشعر أنني أحلق بعيداً.. أشياء كثيرة تتجاذبني.. ومن يخلو من الهموم..!..

- هل تسمح؟

كان صوتاً أنثوياً حالماً.. أصدقكم أنني ظننت أنه يتسلل من بعيد أومن طاولة مجاورة حتى في أحسن الأحوال..!.. طرقات صغيرة لتنبيهي طرقت قلبي قبل أذني..تأملت (ميسون) وقد ظهرت في داخلي.. وتجسدّ سرها الأبدي أمامي.. حملقت غير مصدق في تلك العينين الدافئتين والتي لا يمكن أن أنساها أبداً وهي تجلس على الكرسي المقابل لي.. تمالكت نفسي.. وعيني تستقران على طفل دون الخامسة تقريباً يحتل المقعد الثالث وقد تلطخ طرف قميصه ببقايا اسكريمه الذي يكافح للبقاء دون جدوى.

- عفواً.. هل أخطأت الطاولة؟ .

انثنى جفناها للأسفل فعلمت أنها ابتسمت أو ضحكت.. وقالت:

- تمالك نفسك. أنت تذكرني حتماً.. لا يمكنك نسياني مهما فعلت..!

زفر قلبي وأنا أهتف: (ميسون).. معقول..!

- نعم. وهذا (ياسر) هو ما لدي من الدنيا كلها.. طفل هو بها أو أكثر.

هممت بقول شيء لكنها أكملت وقد شعرتُ بالحزن يداهمها: هل أستطيع أن أقول لك شيئاً..اسأل نفسي أولاً هل ستتقبله؟ أو حتى تتوقعه؟ !!.

صمتنا طويلاً في انتظار ردي..

من النافذة لم يكن يستطع أحد مشاهدتنا لكنني أغلقتها وأنا أتأملها بخبث صبياني.. أعادت ظفيرتها إلى الخلف وقالت: أين اللعبة التي وعدتني..؟ احتضنت كفها في وله وقلت لها في نفس الخبث: هي هناك.. خيمة لشخصين فقط.. بها رسم لقمر مكتمل في سماء تقيم مأتمها اليومي.. جلسنا في الخيمة قليلاً قبل أن تنتفض وتغادر وهي تقول: أنت أخبث من رأيت..

- أنت.. أين ذهبت؟

- هنا.. لا عليك. قولي.. قولي ما تشائين.

كنت أشعر أننا في ليلة مقمرة بصحرائها لوحدنا.. بدا لي أنه لا يوجد في الكون سوانا..

- داعبت شعر طفلها وهي تقول بنفس صوتها المتوغل في غير شفقة: هل تعرف أن زواجي فشل وأن هذا كل ما خرجت به في هذه الدنيا.. خسرت من الفرص الكثير في حياتي.. وكبريائي يقهرني.. يرفعني ويخفضني.. يعزني ويعود ليذلني.. وهم لا يحتملون.. هل قلت لك أنني كنت أحسبهم جميعاً مثل جاري المسكين اللطيف والظريف..كخيمته التي أدفع عمري للعودة إليها !!؟

استرسلت في حديث طويل..أحيت به ماليس يموت..ولكني كنت اهتز رعباً كلما فكرت في ماذا تريد أن تقول في النهاية.. صحيح أنها كما كانت في داخلي.. إلا أنني لم أعد كما كنت في حقيقتي.. تغيرت أشياء أكثيرة.. لا سبيل لتجاهلها..

عندما جاءت اللحظة التي كنت أخشاها أغمضت عيني..وصمتت هي برسالة صارخة وسط مئات الصور الجميلة القادمة من الماضي وصورة واحدة فقط من الحاضر..

ترتفع أصوات عديدة.. وما لضير من ذلك؟ .. هل سأكون الأول أو الأخير..!؟ !

قررت أن أواجه الأمر.. أقنعت نفسي أن (ميسون) لم تعد (ميسون).. ولن يلومني أحد. عندما استجمعت نفسي فتحت عيني.. لكن..هل قالت ميسون أن كبريائها يقتلها..!؟؟

المشهد الأخير: عينا ياسر.. هل رأيتها من قبل !؟..

كان أخر ما شاهدت (ياسراً) ومعصم آسر يقوده وسط حشود من مقاعد الانتظار..

آلمني قلبي بشكل لم أعهده من قبل لكنني احتملت..

احتملت جيداً.. يالي من واهم كبير..!


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة