Culture Magazine Monday  03/11/2008 G Issue 259
فضاءات
الأثنين 5 ,ذو القعدة 1429   العدد  259
 

أعراف
سقوطُ حضارةٍ ونجاةُ حضارات
محمد جبر الحربي

 

 

لا يشك عارفٌ أبداً في أثر الأزمة العالمية المالية الحالية الكبير على كل شيء، وعلى كل بقعة في هذا العالم الذي انتكست عولمته بصيغتها الأمريكية.

وإذا ما تمثل الأثر السلبي في خراب اقتصاد دول لا حصر لها، وإفلاس دول، وجهات مالية، وشركات، وبنوك، ورجال أعمال، وأفراد، وتعطيل مشاريع وبرامج لدول ناهضة، وفقيرة، فإن هنالك جوانب معرفية وثقافية وسياسية إيجابية، خصوصاً للدول العربية والإسلامية، والعديد من دول آسيا، وإفريقيا، وأمريكا الجنوبية، وغيرها من الدول التي كانت ولا زالت ضحية للظلم والابتزاز السياسي والعسكري والاقتصادي الأمريكي، وهدفاَ لسياسات غسل الأدمغة، والتضليل الإعلامي والدعائي عبر منظومات هائلة ومتشعبة من الإعلام الموجه الجليّ والخفيّ، ومنتجات تصب في خانته كمعظم الأفلام الهوليودية، والمسلسلات والبرامج التليفزيونية.

فمن الثقافة أن تعيَ الشعوب مصالحها، وقبل ذلك أن يعيَ المثقفون، وقادة الرأي العام والمؤثرين فيه من مفكرين وكتاب وإعلاميين ومبدعبن في شتى المجالات، ما أصاب النموذج الأمريكي الامبريالي من أمراض وبائية فتاكة، هو وما يمثله من عولمة، واستعمار، وحروب عسكرية واقتصادية وإعلامية وثقافية.

ولم يعد للمبهورين به، والتابعين له، والمروجين له من إعلاميين ومثقفين أية ذريعة في التشبث بقشه، وقد ثبت سقمه وعقمه، وخطره التدميري، وعلت صيحات الثبور من أصحابه الأصليين في أمريكا خاصة، والغرب عامة، منظرين وسياسيين واقتصاديين.

وعلى غرار ما حدث للاتحاد السوفييتي في عهد جورباتشوف، فإننا نرى على أرض الواقع، وعبر تأكيد من قيادات ألمانية وفرنسية وغيرها، أن زمن القطب الواحد قد ولى، وأن التفرد بالعالم قد انتهى، وأن الليبرالية بصيغها القديمة والجديدة عكس ما تصوره، فهي مجرد نظريات استهلاكية براقة مليئة بالفقاعات كالكوكاكولا تماماً.

ومن النتائج الإيجابية لهذا السقوط دفع الدول للتحرك بعيداً عن التيارات البراقة الجارفة، وقريباً من أحلام شعوبها إن هي أوقفت أو قلصت استثمار المال في المال، أو في الاقتصاد الوهمي، واستخدمته في المشاريع التنموية التي توظف ملايين الأيدي العاطلة عن العمل، وفي المشاريع التعليمية والتربوية والتدريبية، وفي المشاريع الزراعية، وتوفير المياه التي تكاد تطلق حروباً جديدة في المنطقة، وفي المشاريع الثقافية التي تهيء شعوباً ذات هوية مميزة، محصنة بالثقافة ضد الاستلاب بكافة أوجهه.

ولو صرفت أمريكا واحداً في المائة من التريليونات التي أنفقتها على حربيها الأخيرتين على تثقيف شعبها وتعليمه الجغرافيا، وحضارات الشعوب الأخرى، وثقافاتها، لكان تفاعل مع العالم بشكل متحضر، لا بشكل منغلق متعال، ولما كان في نهاية المطاف، كما يراه العالم اليوم، مواطناً ساذجاً جاهلاً بما يحدث حوله في بلدان العالم، أو محارباً بربرياً أهوجاً يدمر بحقد كل ما تقع عليه عيناه، لأنه لا يفهمه، ولأنه لا ينسجم مع فوضاه.

وإذا آمنا بأنها لن تفعل، فإن ما سيحدث في الأقل هو أن طاقتها على ابتكار وخوض حروب جديدة ستخفت مع استمرار سقوطها ونزيفها الاقتصادي والعسكري، وستنجو حضارات وثقافات وشعوب من الدمار والتشويه والمسخ.

****

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5182» ثم أرسلها إلى الكود 82244

mjharbi@hotmail.com الرياض


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة