Culture Magazine Monday  07/04/2008 G Issue 242
أوراق
الأثنين 1 ,ربيع الاول 1429   العدد  242
 
ما كلّ بيضاء شحمة
أميرة القحطاني

 

 

حدثتني صديقتي وهي من أقرب الصديقات إليَّ حديثاً مُرَّاً.. قالت: (عندما تعرَّفت إلى ذلك الكاتب المبهر صاحب الاسم الذي يلمع كالذهب عشت سعادة لم يعشها غيري لأنني تخيلت للحظة بأنني أصبحت (مميزة) بهذه المعرفة، وكنت سعيدة بصوته وبقراءة أفكاره عن قرب.. ومع الأيام كان هناك شيء ما في ذلك الإنسان يخفت، وكنت أتصور بأنني أنا السبب في ذلك التراجع، فالاسم هو الاسم والقلم الذي يكتب به هو ذاته ذلك القلم.. إذاً أين الخلل؟ كنت أطرح هذا السؤال على نفسي وأجيب عليه: (أنا الخلل). كنت أُحمِّل نفسي تبعات ذلك الانطفاء بالرغم من الإشارات التي كانت تصلني منه تقول لي (أنت لست السبب)، ولكنني كنت أرفض استقبالها لأنه بالنسبة لي (نجم) معلق بين السماء والأرض والنجم لا يخطئ ولا يبعث إلا الضوء!.. إلى أن جاء ذلك المساء وكان قد فتح معي موضوعاً كنت أغلقه دائماً بسبب الألم الذي يتركه في داخلي كلما فُتح.. كان يناقشني في أمر يتعلق بوضعي الاجتماعي المحافظ وبالقيود التي تحيط بي كأي فتاة من بيت خليجي عادي، وبعد أن طرح سؤاله المعتاد (لِمَ لا تفعلين هكذا؟)، أجبته: (أنا أعيش في سجن)، وكنت أشرح له أسباب ذلك السجن من الجهتين العائلية والذاتية، فرد بشيء من اللامبالاة: (اخرجي منه!)، قلت له وكنت صادقة: (أنا لا أملك المفتاح). فقال بكل سخرية: (كلي تبن إذاً)!!! هكذا بكل بساطة خرجت تلك الكلمة المنحطة التي لا تقال إلا لحيوان من فم ذلك الكبير.. خرجت وكأنها قنبلة ذرية أهلكت شعباً من الأفكار النقية التي كانت تعيش في داخلي.. حاولت التأكد من أن أُذني لم تصب بخلل وبأن هذه القنبلة خرجت بالفعل من ذلك الاتجاه إلى هذا الاتجاه، وكنت أتمنى أن أكون مخطئة، سألته بتعجب: (ماذا قلت؟) ولم يجب! كررت سؤالي (من الذي يأكل التبن؟)، ولم يجب (ناديته باسمه) ولم يجب! وقبل أن أقطع وسيلة الاتصال التي كانت بيني وبينه أخبرته بأن هذا التواصل سينتهي إلى الأبد، فقال لي بكل برود الدنيا: (ستعودين قريباً)!!

صمتت صديقتي لبرهة وكأنها تستعيد الحياة ثم أكملت: هل تتخيلين هذا؟ أن تصدر هذه الكلمة السوقية القبيحة من هذا الكاتب الكبير من هذا (العلم)؟! قلت لها: (لا)، فواصلت همها: كيف يستطيع أن يهينني بهذه الطريقة؟ ثم وقبل أن يفكر في الاعتذار يلطمني بكلمة أخرى لا تقل وقاحة عن سابقتها (ستعودين)! يقول لي ستعودين وكأنني إنسانة متسولة خلقت بلا كرامة!!.. عن أي عودة كان يتحدث هذا الرجل؟! ومن الذي أقنعه بأن الآخرين لا يملكون كرامة تحميهم وتذود دونهم؟ من الذي قال له إن الإنسان صاحب الاسم الصغير لا يملك كرامة كبيرة؟!.. من؟!!

وأنهت صديقتي بوحها بهذه الكلمات: يا له من موقف ويا له من درس.

قلت لها بعد أن هدأت: من الذي أوهمك أن الكتَّاب والمثقفين (خلقوا من ذهب)؟! ومن قال لك أن الإنسان عندما يكتب الفضيلة يكون فاضلاً؟! قالت بتعجب: أنت قلت لي ذلك! قلت لها متى؟ قالت قبل سنين! قلت لها هذا خطئي واعتذر فأنا عندما أخبرتك ذلك كنت أنظر إليهم من موقعك هذا.. أنظر إليهم من تحت إلى فوق.. أما في هذه المرحلة فالوضع اختلف تماماً، لقد تغير الموقع الذي كنت أضع قدمي عليه وتغيرت الزاوية التي كنت أنظر إليهم من خلالها.. تغيرت بفعل عوامل الخبرة والمحاكاة لأكتشفت بعدها بأنني كنت أعيش خطأً هندسياً مريعاً بوقوفي في هذه المنطقة، وأجزم لك يا صديقتي بأن الذهب ليس إلا (معدن) وميزته الوحيدة أنه لا يصدأ ولا يتغير مع الزمن، أما الإنسان فهو مخلوق من طين ولا يمكن إلا أن يكون تراباً متغيراً تسفوه رياح رغباته وأطماعه الشخصية كيفما اتفق معها ومع نفسيته.

amerahj@yahoo.com - دبي


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة