Culture Magazine Monday  07/04/2008 G Issue 242
فضاءات
الأثنين 1 ,ربيع الاول 1429   العدد  242
 

الشرق والفنون الدرامية
الكتابة والإنتاج«3- 4»

 

 

قاسم حول

مع تراجع النص السينمائي يتقدم نص تلفزيوني قابل للإنتاج أكثر بكثير من النص السينمائي؛ ذلك بسبب كثرة الفضائيات في منطقة الشرق الأوسط. ولكن هذا النص الذي بدأ بزخم كبير كان يعرض على كافة القنوات الفضائية بدأ هو الآخر يتراجع، ويعود ليحقق للمنتج خسارة مادية جعلته يعزف عن الإنتاج. وصارت بعض القنوات تطلب من المنتج مسلسلاً يطلق عليه تعبير (حصري) للمحطة. ويعود السبب إلى رغبة القنوات باستقطاب المشاهدين لقناتها فحسب؛ وبالتالي استقطاع الإعلان التجاري.

إن منتج الدراما التلفزيونية الذي يبيع الحلقة الواحدة بسعر ألف وخمسمائة إلى ألفي دولار للحلقة الواحدة بمعنى أن ثلاثين حلقة تلفزيونية تحقق مردوداً قيمته ستون ألف دولار، هي لا تغطي كلفة إنتاج المسلسل التلفزيوني إلا إذا بيعت لعدد من المحطات فتغطي كلفة الإنتاج وتحقق أرباحاً. ولأن بعض المحطات تريد الانفراد بعرض المسلسل فقد باتت هي الجهة المنتجة وأصبح المنتج هو منتج منفذ؛ وبذلك انحسر عدد الشركات المنتجة واقتصر على بعض المنتجين وتوقفت الكثير من شركات الإنتاج التلفزيونية عن العمل.

ويعود السبب في الإنتاج الحصري إلى اللغة العربية ولهجاتها حيث إن المحطة الواحدة التي تعرض المسلسل يشاهدها كافة المشاهدين العرب بعكس المسلسل التلفزيوني في الغرب الذي تشتريه كل البلدان وتدبلجه للغتها؛ وبذلك فإن منتج الدراما في الغرب يبيع بضرورة تعدد اللغات فيما منتج الدراما العربية لا يستطيع ذلك ويسمح لقناة واحدة بعرض المسلسل ليشاهده جمهور عربي واسع؛ وبذلك تستقطب المشاهدين وتستقطب الإعلان بالضرورة. إن مؤسسات التلفزة في الغرب تعرض المسلسل بلغتها وكذلك الفيلم السينمائي باستثناء هولندا التي تعتمد الترجمة المكتوبة بدلا من الدبلجة المسموعة، هذا إضافة إلى أن سعر عرض المسلسل التلفزيوني يتم التعامل معه على أساس الدقيقة الواحدة مأخوذاً بنظر الاعتبار حجم المسلسل في أحداثه وعدد ومستوى النجوم فيه. وقد يصل سعر الدقيقة الواحدة إلى ألف يورو أي ما يقرب من ألف وخمسمائة دولار للدقيقة الواحدة، وهو نفس سعر المسلسل العربي للساعة التلفزيونية. كما أن اقتصاد المسلسل التلفزيوني في الغرب هو غير اقتصاد المسلسل التلفزيوني في الشرق؛ فعرض المسلسل الذي يستقطب الإعلان التجاري بسعر مرتفع يحقق مردوداً اقتصادياً للقناة هو الآخر؛ فهو ضمن هذه الشروط يعتبر مشروعاً تجارياً ناجحاً، فيما تراجع المسلسل التلفزيوني في الشرق على كافة المستويات التجارية والفنية، وصارت القنوات تعتمد الإنتاج وفي نفس الوقت تخسر التوزيع حيث لا توجد ضرورة لبث المسلسل الدرامي في أكثر من قناة طالما أن هذا المسلسل يشاهد باللغة العربية، وبالإمكان مشاهدته على قناة واحدة، وهو منطق طبيعي كان لا يعمل به بحكم ما يطلق عليه (المافيات التلفزيونية) التي كانت تبيع المسلسل لكل القنوات العربية فيما هو يعرض باللهجة العربية وبالإمكان مشاهدته على قناة واحدة.

هذا سيؤدي بالضرورة إلى كساد في كتابة النص وإلى كساد في حجم العمل بالنسبة إلى الممثلين والمخرجين والتقنيين. وسيأتي وقت ليس ببعيد يعاني فيه الفنانون من البطالة وانعدام فرص العمل في وقت تتخرج فيه دفعات كل عام من الممثلين والفنانين والفنيين الجدد من معاهد السينما والتمثيل. وسوف تتدنى أجورهم في حال توفرت لهم فرص العمل. كما أن هذه الموجة من القنوات الفضائية سوف تستنزف هدفها وطاقتها ويصبح من الصعب تغذيتها بالسيولة النقدية الكفيلة بديمومتها ولن تكون طاقات الإعلانات التجارية قادرة على الدفع لهذا العدد الكبير من القنوات. كما أن البرامج الجاهزة عن الطبيعة والعلم والبيئة والتأريخ نراها في كل القنوات وبنفس اللغة العربية صوتيا، كما أن الأغاني والمطربين هم أنفسهم في كل المحطات، والأغاني هي نفسها في كل المحطات، وهذا سيؤدي إلى التخمة في المشاهدة. وهذه البرامج لا تعرض فقط في كل المحطات بل إنها تعاد أكثر من مرة، وكذا الحال بالنسبة للمسلسلات.

لو تطلعنا إلى أنواع البرامج الدرامية في القنوات الغربية فإننا نرى نوعين من هذه الأعمال الدرامية، الأول هي الدراما المعاصرة التي تتناول الواقع الاجتماعي بكل حرية وبدون حدود رقابية وشرطية للمعالجة ما يستهوي المشاهد الغربي وأيضا العربي والشرق أوسطي المقيم في الغرب وهو عدد أصبح منافساً لسكان البلدان الأصليين. والجانب الثاني من الدراما هي الدراما التأريخية التي تتناول سير الملوك والممالك التي حكمت الغرب. هذا النوع من الدراما التأريخية يتم تناوله أيضاً بحرية ودون حواجز في كشف الأسرار العاطفية العائلات الحاكمة وكشف أسرار التآمر يلعب الخيال دوراً فيها ولكنه خيال مستند إلى واقع. وضوح وصراحة وقدرة الكتابة والبناء الدرامي لتلك المسلسلات يجعل منها مسلسلات مشوقة للمشاهدة والمتابعة وأيضا مشهية لشركات الإعلان. أما قصصنا التأريخية فهي تقدم شخصيات وملوكاً وخلفاء وقادة عسكريين نموذجيين لا تشوبهم شائبة ولا ينقص قدرهم زلة، ملتزمين بفرائض الدين عادلين ولم يرتكبوا إثما بحق مواطن ولا غدروا قبيلة ولم يبخسوا حق شاعر ولم يضعوا مواطنا في حبس، وكل حفلات السهر والليالي الملاح ليست سوى حكايات كاتب خيالي صاغ مشروع ألف ليلة وليلة ولا علاقة لها بواقعهم. أولئك القادة والحكام يلبسون (الجبة) ويعتمرون العمامة ويلبسون الجلابية التأريخية ويشدون بطونهم بأحزمة من حرير بحيث أن الممثل الذي يلعب دور الخليفة والقائد العربي لا أعرف كيف يستطيع أن يحرك يده وهو يعطي الأوامر للجيوش حيث لا دراسة تأريخية للأزياء ولا دراسة فنية وجمالية لها. إن معركة فنية حصلت يوما بين مخرج ومصممة أزياء في بلاتو للتصوير عندما لبس مارلون براندو قمصلة جلدية كانت ضيقة قليلا أعاقت حركة يده وانسيابيتها، فيما يصرف المسلسل التأريخي العربي آلاف الأمتار من الأقمشة لخياطة الجبة والعمامة نراها عند هارون الرشيد ونفسها عند الحجاج بن يوسف الثقفي ونفسها عند خالد بن الوليد. هذه الأعمال لم تحقق النجاح الفني إضافة إلى زيف التاريخ. وأنا شخصياً - وأؤكد على كلمة (شخصياً) - لا أطيق مشاهدة مسلسل عربي تأريخي وأنا أعرف مثلا شكل السرير الذي ينام عليه الخليفة أو الأريكة التي يجلس عليها فيما يعرض لي المسلسل أسرة وكراسي من سوق الحميدية بزخرفات الخشب الدمشقي وأرى على منضدة الخليفة هارون الرشيد صحنا مليئا بالموز فيما لم يكن الموز معروفا في العراق في تلك الحقبة، ناهيك عن الخطب الحماسية والنصح والخطط العسكرية النموذجية التي أبهرت الأعداء قبل الأصدقاء ونسمع الشعر الذي يقول (ملأنا البر حتى ضاق منا.. وماء البحر نملؤه سفينا، إذا بلغ الفطام لنا رضيع.. تخر له الجبابر ساجدينا)، فيما ننظر إلى فلسطين ضائعة. أما تسريحات الممثلات الحديثة فإن الممثلة ترفض أن لا تظهر فيها حتى وإن كانت تؤدي دور زبيدة زوجة الخليفة هارون الرشيد التي لم يكن للكوافير دور في حياتها. كل هذه الأسباب، إضافة إلى فقر الإمكانات الإنتاجية في دراسة التأريخ وتصميم الكتابة نصا أدبيا وفنيا، يجعل المسلسل التأريخي لا يستهوي سوى بعض من العامة الذين تبهرهم الخيول واللحى والتكبير.

وتبرز من بين الكتابة الدرامية للواقع الاجتماعي والواقع التأريخي في الغرب مسلسلات وحلقات متخصصة في تناول العلم، مسلسلات الخيال العلمي، مثل ما حصل في منتصف القرن العشرين عندما برزت أفلام الخيال العلمي التي كانت تستند إلى حقائق وكان يسهم في كتابتها العلماء، والتي لم تكن مجرد خيالات وتصورات بل أثبت الزمن أنها لم تكن مجرد خيال سينمائي.. نعم كانت كذلك، ولكنها حقائق علمية ظهرت للعيان لاحقاً مثل المركبة الفضائية وشكلها والصحون الطائرة ومهامها التجسسية. يأتي الآن مسلسل الخيال العلمي على شكل أعمال درامية مشوقة. هذا النوع من الأعمال العلمية لا يستطيع الشرق كتابتها ولا إنتاجها؛ لأن غياب العلم والإبداع في منطقة الشرق الأوسط هو حقيقة واضحة وغيابها يغيب مسلسل الخيال العلمي في الدراما. نحن بحاجة إلى واقع علمي وإلى علماء واكتشافات حتى تنعكس على الشاشة التلفزيونية بأعمال درامية، وهذه الحقيقة سوف تبقى غائبة عن شاشة التلفزة في الشرق الأوسط. وتلك الأعمال ذات الخيال العلمي يساهم العلماء في كتابة المادة العلمية والدرامية لها؛ فهي ليست مجرد خيال ذي طبيعة درامية بل هي مادة علمية حقيقية.

مع كل هذه الأسباب يأتي دور الأمن والاستقرار في المنطقة الذي وحده يساعد على قراءة أكثر دقة لواقع الثقافة والكتابة الدرامية ووضع الأسس والمؤسسات وتنظيم الشركات للإنتاج ووضع القوانين المدنية المتحضرة للإعلام والثقافة وفق أسس علمية مدروسة لا تقبل المغامرة ولا تقبل العبث بالقيم الجمالية ومكانة المتلقي للثقافة المرئية.

*****

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«7591»ثم أرسلها إلى الكود 82244

-هولندا sununu@wanadoo.nl


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة