Culture Magazine Monday  07/04/2008 G Issue 242
نصوص
الأثنين 1 ,ربيع الاول 1429   العدد  242
 
مطالعات
سامي القريني في ديوانه الجديد:
(كأني أرى شيئاً) بعد استنطاقي لمفردة الشعريةعبدالحفيظ الشمري

 

 

يطل الشاعر سامي القريني محملاً بوهج الفكرة الأولى عن الشعر.. تلك التي ترسم ملامح استشراف مرحلة المخاض العصيب للقصيدة الوليدة، حينما يكون الشاعر مفوهاً بخطاب تأصيلي قولي، إلا أنه لا يملك من الفعل ما قد يخرجه إلى الوجد الواقعي.. تماماً كسيرة المتنبي حينما عاند فيها خصومه أعوان سيف الدولة الحمداني.

فالشعر على لسان القريني جاء مذيعاً لمفاتن المفردة الشعرية القوية في ديوانه الجديد (كأني أرى شيئاً) فذلك الشيء الذي لم يتأكد الشاعر من رؤيته هو الشعر بلا شك حينما اقتحم عليه عوالمه وجعله يصرخ بكل ما أوتي من صوت على هؤلاء الذين يتذرعون بأن الشعر مسكون بقبائل الشيطان التي تؤسس مجدها على تلال من الخذلان لهؤلاء البشر الذين لا يرون في الوطن إلا كلاماً داوياً، وحزناً غائراً في أعماق ذات شقية، لكن الوطن يظل فوق الكلام:

(أيها المنفي

من جسر الكلام

تشجرت في راحتيك

فصول همك.. ما الذي

من هذه الدنيا تريد؟!)

فالشاعر يريد أن يقدم للقارئ مصافحة أولى؛ ينتزع فيها رهان السبق لشعريته، حينما يرى أن المطر وطن جديد، سينسيه معاناة الغربة، وجراح ذوي القربى، ومواجع الليل التي تعذب الشاعر وتزيد لوعته على نحو قصيدة (قد جف مائي) فهي القصيدة المثال.. تلك التي تتوارد على لسان الشاعر حزناً خالصاً، لا يقوى على مبارحته وإن حاول الرحيل في المنافي البعيدة.

سامي القريني يصور حزن الأمة في جل قصائد الديوان؛ إلا أنه يتفنن في رسمها في قصيدة (الشعر منفى نفسه)؛ إذ نرى الحزن وقد بات حاضراً لا يفارق محيا القصيدة حتى ذبلت كل الوريقات التي تحمها نبتة الوفاء لم يعد الشعر في أحسن حال:

( الأرض تحملنا إلى ذكرى

الزمان...

الأرض لم تقرأ سوى

أسمائنا، فلذا

علينا أن نُحررها

بهذا الوجد..

هذا السهد..)

فالحزن لشدة ما أثقل على الشاعر وقصيدته نراه وقد صاغ من هذه العلاقة رسالة إنسانية تحرك الضمير، وتوقظ الأمل بقرب البرء من أسقام الذات العربية التي عاشرت الحزن، والقهر، والهوان.

يعمد الشاعر في ديوانه إلى المزاوجة العادلة بين القصائد، إذ يقدم القصيدة العمودية، ويتبعها بقصيدة التفعيلة، لتتناوب القصائد في رحلتها أمام القارئ على نحو جميل.. ففي هذه المزاوجة رغبة من الشاعر أن يدوزن معزوفة الشعر لتحقق حضورها الفاعل في ذاكرة المتلقي.

قصائد الديوان تراوح بين التوسط والقصر، إذ يحاول الشاعر القريني أن يكثف الصور، ويرسم الخطوط العريضة لرحلة الإنسان مع ما حوله من عوالم، لولا أنه عمد إلى استظهار صورة الحزن، والرؤية السوداوية التي تصوغ من الألم مادة متكاملة المعالم فلم يعد القارئ قادراً على استنباط أي فكرة متفائلة، حتى وإن حاول قراءة ما بين السطور فإنه سيكون في مؤازرة عمل شعري يستميل الحزن الجامح، ولا يعبأ بأي ملمح فأل ممكن، لتأتي القصيدة تلو الأخرى شارحة لهذا الخطاب الاستنطاقي للمعاناة التي تسكن عوالم الشاعر فهو الذي يعكس كالمرآة كل ما تجيش به النفس.

البوح الشعر لدى الشاعر سامي القريني مسكون بوعي مفرط، إذ يشخص الداء بمهارة، ويحدد الدواء إلا أنه لا يمتلك إلا سلاح الشعر حينما يرفعه في وجه هذا القبح الذي يستشري بشكل خطير وفادح.

القصيدة التي حملت اسم الديوان جاءت على هيئة رسالة شعرية عمودية مقتضبة جداً، فأبياتها القليلة أغنت عن وصفيات كثيرة، إذ نراه وقد صاغ حيرة الإنسان وتردده في أمور كثيرة حتى بات في سقم الألم غير قادر على مبارحة أحزان الذات:

(ولكن بي خوفاً تشظى بداخلي

يدمرني يأساً ويورثني سُقما

ولكنني سِرٌّ عميق لو أنجلي

لأسمع حتى الصم واستنطق البكما)

(الديوان، ص76)

إشارة:

* كأني أرى شيئا (ديوان)

* سامي القريني

* المؤسسة العربية- بيروت- 2007م

* يقع الديوان في نحو (130صفحة) من القطع المتوسط

*****

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMSتبدأ برقم الكاتبة«5217» ثم أرسلها إلى الكود 82244

hrbda2000@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة