Culture Magazine Monday  12/05/2008 G Issue 247
فضاءات
الأثنين 7 ,جمادى الاولى 1429   العدد  247
 
نزار قباني: الشذوذ والاستثناء!
سهام القحطاني

 

 

(الشذوذ والاستثناء وجهان لدائرة واحدة.. تتجاوز استواء الطبيعة)

قد ظن الجميع وما يزال أن نزار قباني تبنى قضية المرأة عبر قصائده، ولا أدري الذين ظنوا ذلك وروجوا له على أي اعتبارات أقاموا حكمهم، والبعض قد يشطح أبعد من ذلك فيجعلوه رائد الدفاع عن حقوق المرأة.

لكن الحقيقة أننا لو تأملنا قصائد نزار حول المرأة فسنجد أن ليس هناك شاعر في التاريخ العربي منذ أمرؤ القيس وحتى يومنا الحالي أضر بكرامة المرأة وتاجر بجسدها مثل نزار قباني، الذي حولها عبر قصائده إلى فاجرة وعاهرة وبائعة هوى، ليجني مجدا وشهرة من فضح عورات جسدها، ولولا المرأة لعاش ومات نزار قباني دون مجد ودون شهرة ولظل شاعرا من الدرجة الثانية فنيا، ولم يكتفِ بذلك بل أوهم نساء العرب أن الحرية والتمرد والثورة لا تتم إلا عبر تعرية الجسد وتجريب الخطيئة وممارسة الإباحية واتخاذ الأخلة وكسر أخلاقيات المجتمع العربي، (أردت أن أنقل الثورة إلى مرتفعات نهديك..ففشلت) كما في نصه (امرأة مستريحة).

إن مفهوم الحرية في زيها الوجودي الذي حاول نزار أن يسقيه للمرأة العربية، أعتقد أنها إحدى الإشكاليات الكبرى في التجربة النزارية، التي تحتاج إلى تركيز وإعادة تحليل تلك التجربة في ضوئها، وحينها سنكتشف الجوانب الخفية من تجربة نزار الإبداعية، على الأقل ستمنح تجربته ثقل فكري تفتقده حتى الآن.

كما أن نصوص نزار تسعى إلى ترويج معيار إباحي للمساواة بين الرجل والمرأة، وكأن المرأة العربية تساوم على المساواة مع الرجل للازدحام على المواخير والجنس والخمر، أليست هذه هي معايير المساواة التي يقدمها نزار قباني للمرأة لتصبح مثل الرجل؟.

فبطلة قصائد نزار هي المرأة الإباحية، العاشقة المتمردة و(الآثمة، وهما نموذجان ارتبطتا بالجسد وبالمتعة عنده، فقد راهن على المرأة الجسد وليس المرأة العقل وهذا أساس أزمة التجربة الأدبية النزارية، لأنه لم يستطع أن يتخلص من عباءة المرأة، وظلت لعنتها تطارده حتى موته وما بعد موته، وسيظل التاريخ لا يتذكر نزار قباني إلا بشاعر الجسد والمتعة والمرأة).

وإن كان البعض يرى أن نزار عبر قصائده التي تحدثت عن المرأة يوضح وجهة نظر الرجل في المرأة من خلال تمثله لذلك الرجل، وليست وجهة نظره الخاصة، و(هو رأي أعتقد أنه غير منطقي، لأمرين، أولهما أن في كل ما يقدمه المبدع جزء من شخصيته وفكره الخاص ومعاناته الشخصية، وتستطيع أن تعرف ذلك الجزء من خلال تتبعك للمكرر عنده، فنزار مثله مثل جيله الذي تربى في بيئة محافظة، أبوية تُعلي من شأن الذكورة وتمجدها، مقابل استحقار الأنوثة لارتباطها بالضعف والعار والخطيئة، فالأنوثة عند نزار وجيله بلا شك كانت منطقة اكتشاف للرغبات المخبوءة، وليست منطقة تحدي لإنقاذ المرأة، لأن من ينقذ يحمي ولا يشوه.

ومن يقرأ نصه في ابنه (توفيق) سيستنتج أن نزاراً رغم كل شيء لم يتخلص من نرجسية الذكورة العربية وقيمتها ولا من السلطة الأبوية، وهي أمور تنعكس في وصفه لمفهوم الأنثى، المفهوم الذي لا يخرج عن محوّرة المرأة داخل قفص الأنوثة بما تعنيه من تمجيد لصفاتها الشكلانية) أريدكِ أنثى، بزينتكِ المدرسيه، وشعرٍ طويلٍ وراءك يجري كذيلِ الحصانْ، وحُمرةِ ثغرٍ خفيفهْ، ورشةِ عطرٍ حفيفهْ، ولمسةِ كحلٍ خفيفهْ، وأنثى بصوتكِ.. أنثى بصمتكِ، أنثى بضعفكِ.. أنثى بخوفكِ (وتمجيد لسذاجتها وتصديقها لوهم الحلم والحب الذي يقدمه الرجل لها، فالمرأة دائما هي الجزء الأضعف الذي يقدمه نزار عبر قصيدته، أو الجانب الساذج، أو الجانب الآثم أو المقهور) وأنا.. كالطفلةِ في يدهِ، كالريشة تحملها النسمات، يخبرني.. أني تحفتهُ وأساوي آلاف النجمات، وبأني أجمل ما شاهد من لوحات، كلماتٍ تقلبُ تاريخي، وتجعلني امرأة في لحظات، يبني لي قصرا من وهم، لا أسكن فيه سوى لحظات،..لا شيء معي إلا كلمات). (علميني طريقة، أحبسك بها في التاء المربوطة، وأمنعك من الخروج، علميني طريقة أعتقلك بها كالنقطة آخر السطر).. أحبسك واعتقلك لغة تدعمّ نرجسية ذكورية نزار قباني واضطهاده للمرأة.

ومن يعتقد أن حادثة انتحار أخته أسهمت في تبنيه لقضايا المرأة، اعتقاد أحسبه خاطئا، بل دفعته إلى الانتقام من المرأة، وكأن كل امرأة مسؤولة عن موت أخته، لذا فهي تستحق نفس المصير، إنه يحمّل المرأة سلبية أخته التي دفعتها إلى الانتحار، فعندما نمرّ بتجارب غير سارة فنحن نعوض ألم الذات بالانتقام ممن يشبه ويتشابه مع أسباب تجاربنا غير السارة، و(خاصية التحطيم خاصية أصيلة عند نزار يقول عن طفولته) (امتازت طفولتي بحب عجيب للاكتشاف وتفكيك الأشياء وردها إلى أجزائها ومطاردة الأشكال النادرة وتحطيم الجميل من الألعاب بحثا عن المجهول الأجمل). والكبار لا يتخلصون من العادات السيئة التي ميّزت طفولتهم، وبلقيس لم تكن بالنسبة له سوى من الأشياء الجميلة والنادرة، الذي قد يكون فكّر في اكتشافها بطريقته الخاصة، وقد يكون هذا هو السبب وراء زواجه من بلقيس، ولا أعتقد أنه أحبها.

إن المرأة عند نزار هي جزء من الرجل ولذلك هو دائم الدفع لتصطدم به، وهو بذلك يثبت في وعيها رسالة هي أن حريتها مرتهنة بقرار الرجل، وهي من خاصيات التفكير الأبوي عند نزار، والأمر غير ذلك فحريتها مرتهنة بقدرتها وإرادتها وفكرها وإنجازها، يقول في نصه(أيتها المثقفة) (أيتها المثقفة إلى درجة التجلّد، الأكاديمية إلى درجة القشعريرة،..أيتها الضائعة في غبار النصوص، إن دمي أتقى من حبر مخطوطاتك، وقراءة فمي أهم من جميع قراءاتك، فلماذا لا تتثقفين على يدي، فأنا الثقافة، أنا الثقافة، أنا الثقافة، أنا الذي أستطيع أن أحول كفيك إلى حمامة، وفمك إلى عش للعصافير، أنا الذي أستطيع أن أجعلك، ملكة أو جارية، سمكة أو غزالة، أو قمرا في بادية).

فثقافة المرأة ضد أنوثتها، وفكر الرجل أعمق من فكرها، والرجل يظل المرجع الوحيد لتتعلم منه المرأة، فهو القادر على قيادة تحولها أو تدميرها، هل هناك نرجسية لذكورية تفوق هذه النرجسية؟.

إن نزار لم يحب سوى أخته حبا استغنى به عن حب جميع النساء، وهو ما جعل علاقته بزوجته الأولى تفشل، وهذا ملمح خاص نجده من خلال قصائد نزار، فبطله دائما سادي، خائن، يهرب من الحب بل هو عاجز عن الحب، ويحاول تعويض عجزه بالتركيز على جسد المرأة واندفاعها نحو المتعة، وكأنه يعوض ممارسة المتعة بمشاهدتها.

والأمر الثاني يتعلق بمفهوم تطوير وتطور التجربة الإبداعية عند نزار قباني، سواء على مستوى التقنيات الفنية التي لم تتجاوز المستوى المتوسط فنيا، أوعلى مستوى المضمون الذي لم يستطع أن يجدده، وإن رأى البعض أن المرأة في نصوص نزار تطورت من المستوى الحسي إلى المستوى الرمزي، وقد يحسب له هذا كنوع من التطور بشروط، لا أظنها توفرت في التجربة النزارية.

عملية تطور التجربة الأدبية لا تعني التحويل، بل الارتفاع، لأن قياس الجودة الفنية للتجربة الأدبية تقاس بالارتفاع وليس بالتحويل، وما حدث للتجربة النزارية هو تحويل تحكمت فيه الظروف السياسية للعالم العربي، وكان على نزار أن يثبت هويته القومية ويشارك في هذا المجال، ويثبت جدية انتمائه القومي ومصداقية شعره، وتمرده على لقب شاعر المراهقين، وأن يخرج من عباءة المرأة إلى عباءة القومية العربية، وهذا كان تحديا في حدّ ذاته لشعرية وشاعرية نزار قباني، لكن هل استطاع أن ينجح في مخططه الشعري التطويري؟.

المشكلة التي واجهت نزار قباني أثناء هذا التحوّل هي خصائص أسلوبه وطريقة تفكيره التي لا تتناسب مع التجربة النوعية التي سيخوضها، ولذا كان عليه أن يجدد تلك الخصائص وطريقة التفكير، لكن أعتقد أنه أخفق في ذلك، فبدت قصائده القومية تشبه أسلوبا وطريقة قصائده عن المرأة، بل وحاول في مرحلة لاحقة أن يدمج بين المرأة والوطن العربي، وهو ما اعتبره النقاد تطوراً في صورة المرأة في قصائد نزار، لكنه لم يفعل سوى استغلال المرأة لإنجاح قصيدته القومية، وإن كانت قصيدته (وفاة العرب) نالت شهرة لزخمها العاطفي والانفعالي مع أن مستواها الفني جيد أو أقل منه بقليل، وأعتقد لو أن نزار قباني من شعراء الربع الأخير من القرن العشرين لما حظي بكل هذا المجد، ولكان لكل عصر فرسانه، وعصر نزار قباني انتهى قبل وفاته بربع قرن، فهل يستحق ما جناه من مجد وشهرة وهل كانت لديه قضية ومبدأ جادان؟

*****

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتبة«7333» ثم أرسلها إلى الكود 82244

- جدة Seham_h_a@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة