في هذا الأسبوع نجمع قطبين متجانسين لا متنافرين، كما هي أقطاب المغناطيس ومع اختلاف توجه كل منهما وحجم تجربته إلا أن لكل منهم طريقته وأسلوبه وأدواته، ولكل منهم أيضا روحه ورائحة عطر إبداعه. ولكل منهم وسائله وسبل تعبيره عن واقعه، أحدهم وجد في شفافية الألوان المائية مبتغاه وصوته الذي يصل بإحساسه للآخرين، والآخر وجد في الحياة العامة وفي مقدمتها الإنسان منطلقا لاستخراج نصوصه البصرية، الأول وجد في الطبيعة بكل تفاصيلها عناصر تشكل أبطال روايته وقصصه وقصائده والآخر انغمس في مشاعر الإنسان وديناميكية حركته منطلقا لسبر أغواره. من هنا يمكن لنا أن نقول إن ضيفينا لهذا الأسبوع الفنانة التشكيلية سلوى العثمان الحقيل فنانة لا يمكن أن يمر اسمها دون أن نتذكر إبداعاتها المائية التي لا منافس لها فيها بقدر ما أثرت الساحة بتلميذاتها من عاشقات هذه الوسيلة في مجال الفنون التشكيلية، وضيفنا الآخر الفنان فهد خليف شاب يمتلك الجرأة والقدرة على تجاوز النقد وغض الطرف عن (حكي) المجالس إلى ساحة المعارض كاسبا الجوائز وإعجاب زوارها فأصبح له في كل بيت لوحة.

سلوى والعلاقة مع الماء

الفنانة التشكيلية سلوى العثمان الحقيل رائدة الألوان المائية بكل جدارة، أحد الرموز التشكيلية (النسائية)، صفة للمؤدي وليس للوسيلة أو المجال، تقيم لها الآن معرضا في الفرع النسائي لمكتبة الملك عبد العزيز بالمربع، اسم لا يمكن إغفاله على الساحة التشكيلية المحلية لفتت بإبداعاتها أنظار المتابعين والتشكيليين وحظيت بإعجاب النقاد تمتلك قدرات متعددة في صياغة العمل عرفت بميلها للألوان المائية فأجادت فيها وحققت التفرد من بين التشكيليات من خلال حضورها المستمر والمتميز في مختلف المعارض، الفنانة سلوى العثمان رقم يكمل سلسلة الأرقام التي تشكل ريادة البدايات لتأتي بشكل جديد في سلسلة هذا الحضور، لكنه رقما جديدا في مضمار الأسلوب والشخصية التشكيلية، هذه الفنانة كنا ولا زلنا نبحث عن جديدها الذي لم نكن نحصل على صوره إلا من خلال كتلوجات وإصدارات المعارض التي تظهر لنا بشكل سيء لا يعكس الجمال الحقيقي لأعمالها التي الذي نراه في المعارض

سيرة وحضور فاعل

الاسم: سلوى عثمان الحقيل

من مواليد الرياض عام 1956م، بكالوريوس آداب إنجليزي 1980م جامعة الملك سعود. عملت مساعدة مديرة مركز الفنون بجمعية النهضة لمدة 3 سنوات منذ عام 1991م. أخذت العديد من الدورات في مجال الفن التشكيلي منذ عام 1986م. أخذت دروساً خاصة من معلمات متخصصات بالفنون التشكيلية.

تقدم دروسا خاصة بالتلوين المائي والرسم.

شاركت في غالبية المعارض التشكيلية الرسمية أو التي ينظمها القطاع الخاص.

انعكاس الواقع

على صفحة الوجدان

الناظر لأعمال الفنانة التشكيلية السعودية ليلي العثمان يخرج منها برؤية لا ثانيا لها تتمثل في أنها لا تتعامل مع الشكل المباشر بأسلوب التسجيل الفوتوغرافي مهما قاربت ولامست هذا الأمر بالشكل المرئي في العمل بقدر ما تبحث عن ابعد نقطة في أعماق الجمال، ومهما احتوت لوحاتها أشكالا ومصادر الهام واقعية وأثبتت براعتها في نقل تفاصيلها إلا أننا نقف عند قدرتها في التعامل مع أصعب الألوان مراسا وحذر وهي الألوان المائية فالخطأ في الألوان المائية غير وارد وإلا سيضطر الفنان إلى إلغاء اللوحة بكاملها لمجر وجود خطأ في جزء منها خصوصا أن أسلوب الفنانة سلوى يتمتع بالجرأة في تحريك الفرشاة وفي كيفية وضع اللون في مكانه وكيف يمكن إضافة الدرجات المطلوبة عليه إضافة إلى أن فنان الألوان المائية يستعيض عن اللون الأبيض للضوء بلون الورقة الأساسي لهذا جاءت أعمال سلوى العثمان نتيجة تجربته مرت بها على مراحل من البحث استطاعت الخروج منها بتمكن كبير في تطويع هذه الوسيلة لتترجم لغتها التشكيلية وتوظفها لخدمة موضوعاتها الواقعية ذات الدلالة التعبيرية اهتمت فيها بالضوء واللون، وكذلك حاولت أن تنقل إحساس الطبيعة كما هو دون أي إضافات مع ما طرأ بشكل ملحوظ على تجربتها الفنية.

تتعامل الفنانة مع ألوانها بصداقة أزلية لم يعد لها منها فكاك واضعة في اعتبارها دور اللون في عالم وعلم التحليل النفسي وعلم الجمال، فهي تمارس التفاعل مع ألوانها دون النظر إلى علاقة تلك الألوان بقوانين الطبيعة، بل تأخذها إلى ما هو أبعد وهو الاهتمام بالواقع المحسوس الذي يمكننا من الإدراك الجمالي للموضوع فتضع المشاهد للوحاتها في حيرة من أمره ليطرح تساؤله (أي اللوحات هي الأجمل؟) خصوصا أنها تضع اللون في مكانه كشكل ظاهر وتحيله إلى إشارات نحو الوجدان الذي يعيد تفسير العمل بعيدا عن كونه مشهدا اعتاده البعض، الفنانة سلوى تهتم بكيفي ومتى وأين يوضع اللون باعتباره روح العمل الفني لتذكرنا بمقولة للعالم النفساني الألماني فشنر هناك فرق بين أن نرى جمال اللون الأحمر عندما نضعه على وجنة فتاة، وبين أن نراه حينما نضعه على رأس أنفها، من هنا نرى أن الفنانة سلوى ومن خلال تعاملها مع (بالتة) أو (حاملة) ألوانها المائية ذات الشفافية والرقة تبحث عن مضمون جمال أعمالها التشكيلية وأهميته.

فهد خليف.. فضاءات لون

يستمد فهد خليف نصوصه البصرية من إيحاءات شعرية حولها إلى مشهد بالألوان والخطوط عبر اللوحة بشكل مباشر للعين وللوجدان لا تحتاج إلى تفسير أو ترجمة لغوية كما هو بيت القصيد. هذه العلاقة التي أوجد لها فهد حلولاً بصرية للنص، ارتكز فيها على مختزل ثقافي استلهم معانيه وصورة من هذا الشاعر وهذا القاص أو ذاك، فأحالها من خلال تجاربه الشابة الممتلئة جرأة وحماس وقدرة على التقاط ومضات الجمال لينقلها من الواقع وينثرها في زوايا اللوحة بتكوين جديد وصياغة ديناميكية الإيقاع.

الفنان فهد خليف لا يتوقف عند التأثر أو الإعجاب بأعمال من سبقوه بقدر ما يقدم مقترحه وإشاراته التي ينطلق منها في اللوحة بكل تفاصيلها وقيم بنائها على صعيد التقنيات أو التكوين، فأعماله نتاج قلق إبداعي لا يتوقف وبحث عن سيبل تطويع العمل، بدئها بعناصر هندسية، كانت فيها الخطوط حادة وصارمة إلى مرحلة الليونة والحركة والحياة باتجاه رمزية مطلقة يشكل الإنسان أهم محاورها، بتشخيص حذر يبرز فيها تفاصيل ويغيب أخرى في حوار بين الظاهر والباطن.

خليف يستخلص

الرموز والإشارات

لا يمكن أن نتجاهل أهمية التأثير ودور التكاثر لأي فنان فلكل من الفنانين مثال يتكئ على خبراته وسمعته وقدراته في تشكيل شخصيته التي برزت في أعماله ولنا في كثير من الفنانين أمثلة نحتذي بها لكن الأمر يتعلق بكيفية الخروج من التبعية التي قد تعلق بنا دون أن نشعر، من هنا يمكن القول أيختزل الكثير من المشاهد الحية والثابتة في واقعنا مع ما يراه من أنماط أخرى أتت بها رياح الثقافة التي تنتقل من منطقة إلى أخرى عبر أساليب فنية استقاها مبدعوها من محيطهم العام فأحالوها إلى عناصر في لوحاتهم فأخذ منها الفنان فهد ما يناسبه رغم بروز ملامحها بشكل مباشر كما نراه في الزخرفة وتصاميم الملابس، هذه المحلة لم تدم كما هي مرحلة تقسيم اللوحة إلى مربعات وهو تطور يحسب للفنان نحو تحديد شخصيته التي أخذت في التشكل من خلال غالبية أعماله الأخيرة. بساطة التكوين رشاقة الخطوط شفافية الألوان رمزية الأداء والعناصر.