Culture Magazine Monday  18/02/2008 G Issue 234
فضاءات
الأثنين 11 ,صفر 1429   العدد  234
 

عاتبون على دمشق
د. شهلا العجيلي

 

 

زارتني صديقة لي من إحدى الدول العربيّة، فرافقتني إلى دور بعض الأقارب والأصدقاء، وارتادت الجلسات السوريّة النسائيّة، كما تجوّلت في الأسواق والحارات، ثمّ قالت لي: أتدرين، أشعر وكأنّني في مسلسل سوريّ!.

تشير تلك اللقطة إلى مدى تأثير المرئيّ والمسموع في تشكيل المعرفة، وتكوين الصورة الأنثروبولوجيّة- الثقافيّة عن بعض البنى الاجتماعيّة لبعضها الآخر، ولعلّ الأعمال الدراميّة السوريّة مثل: (أيّام شاميّة)، و(حمّام القيشاني)، و(باب الحارة)، قد عرّفت الناس بدمشق أكثر ممّا عرفتهم بها كتب التاريخ، والأدب والسياسة.

ومع ذلك يبقى لنتاج الثقافة العالمة، ولاسيّما الشعر، جلال لا تضاهيه جماليّات الثقافة غير العالمة، ولعلّ ما قيل في دمشق من شعر في العصر الحديث، يتفوّق على ما سبقه ممّا قيل فيها من منظوم ومنثور، فقصائد سعيد عقل، ونزار قبّاني، والجواهري في الشام تتجاوز شعريّتها شعريّة اللغة، لترتقي إلى شعريّة المرجعيّة الثقافيّة- التاريخيّة، والانتماء، والقضيّة العربيّة المشتركة.

لا أريد أن يخطف جلال الشعر ذائقتي، فأنسى كتاباً من الكتب التي شكّلت إحساسي بدمشق أو بالشام، قبل أن أعايش المدينة بوصفها عاصمة لبلدي، إنّه كتاب الأديبة الدكتورة سهام ترجمان، وهو بعنوان (يا مال الشام)، يتكلّم على الحارة الدمشقيّة والحياة فيها، ويخرج منها إلى مفهوم المدينة الحديثة، بلغة بسيطة جميلة، تحمل عادات الدمشقيين وثقافتهم الشعبيّة، وتنقل تقاليد النساء خاصّة في الزواج والولادات وغيرها من تفاصيل الحياة اليوميّة.

وتجدر في هذا الإطار الإشارة إلى كتاب (الروضة الغناء في دمشق الفيحاء)، الذي وضعه نعمان قساطلي عام 1879، ونشرت دار البعث مختارات منه بتقديم الروائي خيري الذهبي، وهو كتاب يتكلّم على دمشق وأحوالها وما طرأ عليها من تغيّرات ديموغرافيّة، واجتماعيّة، وثقافيّة منذ القدم حتّى مرحلة وضع الكتاب.

تخلخل تلك التجليات الفنيّة ما يضفيه نسق ثقافيّ ما، على حضور دمشق، بوصفها معقلاً للسلطة، والدوائر الحكوميّة، والروتين، وبوصفها محميّة للاستثمارات الكبيرة التي يتنازع عليها أقطاب المال والسياسة، في حين يعيش ملايين الشعب السوريّ في جيوب الفقر، وبيوت الأحلام. ولن نكون في مقاربتنا هذه أقرب من نزار في عتابه، وأحنّ، حين يقول:

فرشتُ فوق ثراكِ الطاهر الهدبا فيا دمشق، لماذا نبدأ العتبا!

حبيبتي أنت، فاستلقي كأغنية على ذراعي ولا تستوضحي السببا

اليوم، دمشق عاصمة للثقافة العربيّة، ودمشق ليست المدينة المحدودة بحدودها الإداريّة، دمشق هي سورية، بلا تطييف، ولا ترييف، ولا مركزيّة، ولا إقصاء أو تهميش! وهي بلاد الشام، وهي الوطن العربيّ، فلماذا يصرّ بعضهم على أن تكون مدينة محدودة، ورقعة مفصّلة على قدّ هذا أو ذاك؟!.

اليوم، دمشق عاصمة للثقافة العربيّة، ويعني ذلك أنّ سورية عاصمة للثقافة العربيّة، بل يعني أنّ الوطن العربي ثقافة رفيعة، يدخل منها إلى أفق الحضارة، التي لم تطمسها حتى سنابك خيل تيمورلنك!.

اليوم، دمشق عاصمة للثقافة العربيّة، تعود معها فيروز إليها، ومن المهم أن تعود فيروز إلى دمشق... لكنّ الأهمّ أن تعود دمشق إلى دمشق!.

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتبة«7875» ثم أرسلها إلى الكود 82244

- حلب


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة