Culture Magazine Monday  18/02/2008 G Issue 234
فضاءات
الأثنين 11 ,صفر 1429   العدد  234
 
فَرَوحٌ وَرَيحَانٌ
تغدو خِماصاً.. وتعود بِطاناً..
غادة عبدالله الخضير

 

 

الطمأنينة.. هذه التي تحضر بكامل غراسها عندما نجد ما هو حقيقي وثابت في حياتنا.. عندما نصل إلى هذا التوازن في تعاملات الحياة.. لكن هذا ليس سهلاً وتلقائياً بقدر ما هو سهل وتلقائي.. الطمأنينة هي الشعور الأول الذي يفسر نفسه بنفسه ولا يستعين بقواميس تشرح ما لا يشرح..!!!

منذ زمن كنت أقول ولا زال بي بعض قناعة وإن تغير المعنى والتوجه.. إن الاستغناء هو أعلى مراتب القوة، وإن الزهد في الأمنيات حرية مطلقة، وإن قطع العروق من جذورها فن راقٍ به حمرة الورود، وانهمارات شلال وبعض ضحكات غانية...!!!

لكنني تعلمت من الحياة أشياء لم تكن ضمن حسباني وحساباتي.. هنالك دروس خفية أظنها كجند من جنود الله تفتح لنا آفاقاً واسعة نعيد بها تشكيل عقولنا.. هي دروس ليست حصيلة تجارب أبداً، إنها إلهامات إلهية تسقط علينا نتشربها كما تتشرب بيوت الطين الماء فيغدو لونها: الرطوبة والبلل وبعض برودة.. هكذا تتبادل الطبيعة الأدوار بين اللون والملمس والإحساس، وهكذا نحن نتبادل الأدوار مع كل ما هو ممكن وكائن وسيكون في هذا الكون.

هل جربتِ يوماً أن تلعبي لعبة (البزل) (أحترم هذه اللعبة جداً)، هل جربتِ ملامسة القطع المبعثرة بتهاون شديد كأنك تلعبين للعب فقط، وعندما تتقارب القطع المناسبة من بعضها البعض، وتبدأ الصورة في الوضوح تزدادين توتراً تريدين الاكتمال.. وعندما تضعين القطعة الأخيرة وتكتمل الصورة، تتنفسين بانتصار؛ إنها لعبة الذات ومعركتها.

الطمأنينة هي مثل القطعة الأخيرة التي تجعلك تدركين الصورة كاملة دون توتر..!!!!

الصورة قد تكون: وردة، منزل، بيت قصيد، أو حقيقة خفية....... أو ربما كذبة كبيرة ملونة!!!

وكل يدرك الاكتمال بطريقته..!!!!

إنها اللعبة المرآة لأنها لا تشرح لنا إلا أنفسنا، إذا اعتبرنا أن ما نمر به في حياتنا من مواقف، وشخوص، وحكايات، هي هذه القطع التي نعمد إلى ترتيبها مع الحياة فتارة نفشل وتارة ننجح وتارة نؤجل الحقيقة الصورة وتارة تأتي في وقتها تماماً.. وفي جميع ذلك نتخطى (اللعب)، أيضاً كل بطريقته.

قديماً ولازال بي بعض؛ كنت ألجأ إلى الله بما أريد، الآن ولازال بي بعض بعض؛ ألجأ إلى الله بما هو (حقيقي) الأمر معقد أعلم..!!!! إذ إن معرفة ما هو حقيقي صعب في حد ذاته.. وتحديد ما هو حقيقي وما هو غير حقيقي ليس له محك يتجاوز ضمائرنا..!!! والإنسان كائن تخدعه راحته ورغباته..!!!

إذن ما العمل؟

تأملت كثيراً {بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ، وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ}،آية تلخص الإنسان في وعيه ولا وعيه، آية مكاشفة، آية قراءة حقيقية من الإنسان لنفسه..

نفسه..!! أتساءل كثيراً.. ما مادة هذه النفس.. طين مبلل يجعله بعض الماء يضيء؟ مرايا عاكسة؟ ضوء كاشف؛ كيف يكون الإنسان عليه بصيراً؟ كيف يصبح إلقاء المعاذير هروباً من الإجابات والمكاشفات والاعترافات والقراءات والتفسيرات والتحذيرات والتحليلات والاستنتاجات؟ كيف يكون إلقاء المعاذير استقداماً للكذب بألوانه والمخادعة ومجاملة النفس ببعض آمان كاذب ومكابرة وتزييف؟

أقف بتمعن أمام هذه الآية: مكاشفة أمام النفس قاسية آسية راسية، حقيقية، نتحول بعدها إلى خجل أمام الله الذي تجلت بيده الصورة بكينونة لامعة حقيقية لا فرار منها...!!

البصيرة هي: الحقيقة، وليست بعداً آخر تتدخل به الحواس والغيبيات وبعد النظر وصدق الحدس وووووو!!

إنها نحن عراة من الأقنعة، من تلبس الغموض، من الاستعطاف، من هالة المآسي، من ادعاءات الفرح والسلام الزائف، إنها التخلص من (زواق) يخفي الحقيقية ولا يلغيها..!!!!!!

عندها، عندما نكون حقيقيين أمام أنفسنا وأمام الله (الذي يتجاوز الحقيقة) يدخل اليقين قلوبنا شيئاً فشيئاً..

إلهي أريد هذا.. إنه حقيقي..

إلهي أبعد عني هذا.. عجله.. كثف استهلاكه.. إنه ليس حقيقي..

لكن المسألة ليست بهذا التقسيم في اليقين الدعاء.. إننا هكذا كمن يحتفظ بالصور التي أعجبته في لعبة البزل ويحذف ما لا يعجبه لبهت اللون فيه...!!!!

هناك شيء يحدث اسمه: الكثافة.. هي أمر يأتي بعد الحقيقية.. لكنه في نفس الوقت يقع بين يقينين.. يقين (الحقيقة ) ويقين (المعنى).

الكثافة: هي إحساس بالكل الذي يدخل فيه الحقيقي الذي نريد.. أو هي بمعنى آخر: خلاصة الشيء الذي يحمل كل خصائصه.. أو هي بمعنى أوضح: كمن يطلب الفردوس الأعلى من الجنة.. الفردوس: المكثف الذي يضم كل منازل الجنة.. الخروج من التفاصيل إلى المعنى الكلي.

والمعنى الكلي يضم بداخله: الحقيقي، اليقيني، المكثف.. حالة استشعار كلية، المطمئن من يمنحها هذا الامتداد الزمني بين الدنيا والآخرة..

غير أن أمراً واحداً في رأيي يمهد لكل هذا ويجعله ممكناً... سلامة القلب، نعم سلامة القلب خلوه من الحقد والغضب والعداء والعدوانية.. هذا ما يجعلنا ندرك ما هو حقيقي.

أقرأ (ربنا لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا)، الغل والطمأنينة لا يجتمعان في قلب واحد أبداً.. وعندما يسكن الغل والحقد القلب يصبح كل ما هو حقيقي (سراب يحسبه الضمآن ماء) يصبح كل محاولات عطاء متناهية

(مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون)

الطمأنينة: هي الأنس بالله: الحقيقة المطلق الثابت...................... المعنى.

اللهم إني أسالك الأنس بقربك.

- بريطانيا ghadakhodair@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة