Culture Magazine Monday  18/02/2008 G Issue 234
فضاءات
الأثنين 11 ,صفر 1429   العدد  234
 
صورة العرب في السينما الأمريكية بعد عصر الاستشراق «2»
الهدف الديني
د.سلطان سعد القحطاني

 

 

قامت المدارس الاستشراقية في روما منذ منتصف القرن السادس عشر الميلادي، باعتبارها مركز الديانات المسيحية المتعصبة، والتي تنظر إلى الشرق بمنظار ديني، على أنه مهد الرسالات السماوية، ومنه تشع الهداية الروحية، فقامت الهيئات الدينية بتأسيس كراسي الدراسات الاستشراقية في كل من: باريس، ونابولي، وسالونيكا......وغيرها (5)، ولم يغب عن رجال الدين المسيحيين ذلك البرهان الذي لا يقبل الجدل فيما يخص الثقافة العامة لأي أمة من الأمم، تلك هي اللغة ودلالاتها المنطقية، ومفرداتها الدالة على معانيها، مستلهمين في ذلك مقولة أوردها أبو حيان التوحيدي في كتابه (الإمتاع والمؤانسة) وهي عبارة عن مناظرة جرت بين أبي سعيد السيرافي اللغوي المعروف، ومتي بن يونس القنائي حول المنطق اليوناني، وقد شاعت تلك المناظرة في القرن الرابع الهجري العاشر الميلادي، وقول السيرافي أثناءها: (إذا كان المنطق وضعه رجل من يونان على لغة أهلها واصطلاحهم عليها، وما يتعارفونه بها من رسومها وصفاتها، من أين يلزم الترك والهند والفرس والعرب أن ينظروا فيه ويتخذوه قاضياً وحكماً لهم وعليهم، ما شهد لهم قبلوه، وما أنكره رفضوه (6)، لذلك أدرك المستشرقون قيمة العامل الثقافي وأهميته، ومخاطبة الناس من ثقافتهم، الدينية واللغوية للوصول إلى الهدف المرسوم، مع أن بعضهم فاته الكثير من معاني النص البلاغية، فيما يسمى (باطن النص) ففسره على الظاهر.

فالمدارس اللاهوتية التي أقيمت بجهود اتحاد الكنائس العالمية بحاجة إلى نقل فكرها ومعتقداتها خارج أوروبا، إلى عالم لا يجيد لغتها ولا ثقافتها المحكية، ومن ثم وجب تعلم تلك اللغات لتقوم المخاطبة عليها، لتكن قاضياً وحكماً، كما يقول السيرافي؛ ولم تأت هذه الفكرة من فراغ، بل كانت فكرة مدروسة على أعلى مستوى، فاختاروا نوابغ الفكر الأوروبي، من الطلاب، لدراسة الإسلام بلغته، ومخاطبة أهله من داخل ثقافته الخاصة بلا وسيط، وكان من أعلامها (كاتيباني)، صاحب (حوليات الإسلام) في مجلداتها الضخمة، بالتعاون مع العرب المارونيين، وأنفق على البعثات العلمية، وزار الشرق الأدنى و الأقصى مراراً، وألقى العديد من المحاضرات.

ونذكر في هذه العجالة دور المستشرق الإيطالي المعروف (كارلو ناللينو) الذي اعترف له طه حسين، بأنه علمه كيف يقرأ النص من الداخل، عندما كان يدرس في جامعة فاروق الأول (القاهرة حالياً)، (7)، ويشهد له كتابه المعروف (تاريخ الأدب العربي) الذي نشرته ابنته بعد وفته. ومنهم، المستشرق المعروف في القانون (ديفيد ساتيلا)، المولود في تونس، وبعد تخرجه في الجامعة في إيطاليا قام بوضع القانون التونسي بشقيه (المدني والتجاري) على ضوء الشريعة الإسلامية، درس في الجامعات العربية في تونس والقاهرة وغيرها (8)، ولم يكن الهدف الرئيس الدعوة المباشرة للدخول في الدين المسيحي، بل كانت عن طريق الخدمات التي يقدمونها للمواطن العربي الذي يعيش حالة رديئة جداً، من الناحية الصحية والفكرية والعلمية، فكانت الدعوة في بدايتها إظهار بعض ما يجدونه من انحراف عند المسلمين يعزونه إلى نقص عند الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وصحابته، وعلماء المسلمين، من منظور فكري غربي، كما هي الحال في كتاب المستشرق الهولندي، جاك دار دنبرج (الإسلام في مرآة الغرب)؛ على أن الدعوة والتضحية التي تقدم تكون عادة في البوادي والأرياف وسكان المناطق التي تكثر فيها الأمراض والجهل، ولعل جهود القس صموئيل (زويمر) في منطقة الخليج وصعيد مصر أكبر دليل على ما نتحدث عنه، فقد كانت البعثة ومقرها البحرين تبذل جهودها في علاج المرضى، ومن ثم قراءة نصوص الإنجيل، وبيعه بأسعار تشجيعية، إلا أنه يعترف بفشل جهوده على مدى عقدين من الزمن، فلم يترك في البحرين إلا أسرة واحدة دخلت المسيحية، بالرغم من أنه يصدر مجلة باسم الإسلام، وبالرغم من تفاؤله في البداية، عندما درس أحوال المسلمين عن تقارير الرحالة المستشرقين قبله، حيث يقول: ( حل مشاكل المسلمين في تنصيرهم، ثم يرى أن العالم اليوم أحوج ما يكون إلى رسالة المسيح، ويرى أيضاً أن تنصير المسلمين مستحيل، ويوصي بعدم اليأس، وعلى المبشرين معرفة دقائق القرآن وتفسيره) (9)، ومن ثم انصب الاهتمام على تفسير القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، ولا نشك في نوايا بعضهم، خاصة المتأخرين منهم، الذين كانت أهدافهم علمية ليست لاهوتية متعصبة، لكن بعضهم أخطأ في تفسير النص، وأخذ بظاهره، جهلا منه بالبلاغة العربية، وهي المعجزة، فهناك بعض النصوص فسرت على الظاهر، فقد ذكر أحدهم أن (الزيتون) جمع مذكر سالم، من (زيت) فأعربها في حالة النصب والجر (زيتين)، وهذا يدل على ضعف تأهيله (10)، وآخر فسر الآية الكريمة:{وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} (75) سورة الزمر على أن (حافين) تعني غير منتعلين، وهناك الكثير، مما لا يتسع المجال لذكرهم هنا.

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5703» ثم أرسلها إلى الكود 82244

الرياض


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة