Culture Magazine Thursday  04/06/2009 G Issue 286
الملف
الخميس 11 ,جمادى الآخر 1430   العدد  286
هكذا عرفت الهدلق
د. سعاد المانع

 

كان كل ما كنت أعرفه عن الأستاذ الدكتورمحمد الهدلق في الثمانينات (الميلادية) هو أنه أستاذ تخصصه يتصل بمجال النقد العربي القديم،وأنه رئيس للقسم (قسم اللغة العربية) القسم الذي انتمي إليه. كنت آنذاك مبتعثة من جامعة الملك سعود (جامعة الرياض) للدراسات العليا في مرحلة الدكتوراة في الولايات المتحدة، ومن الطبيعي لأي طالب مبتعث أو طالبة أن يعرف اسم رئيس القسم الذي ينتمي إليه. لكن لم يحدث أثناء ابتعاثي أية مشكلة خاصة تتصل بالابتعاث , وتتطلب مني أن اتصل برئيس القسم لحلها، لذا لم يحدث أن اتصلت (برئيس القسم) لمشكلة تتصل بالبعثة.

لكن بعد مضي مرحلة من الدراسة، والبدء بالبحث في موضوع الرسالة، كانت ثمة مسائل في البحث تتصل ببعض قضايا النقد القديم تثير قلقي. لم تسعفني القراءة الكثيرة على الوصول إلى إجابة أطمئن إليها. مع شدة حرصي على تتبع القراءة في كل ما يصل إلى علمي أنه متصل بهذه القضايا، وعلى وفرة المصادر العربية (وغير العربية بطبيعة الحال) في مكتبة الجامعة التي كنت أدرس فيها (1). مع هذا ظل عدد من المسائل التي تقلقني في البحث لا يجد إجابة تبعث الاطمئان في النفس. من هنا كان لا بد من سؤال المهتمين بهذا المجال - كما يحدث مع أي باحث أو باحثة- سواء أكانوا من الباحثين العرب أم من غيرهم. وحين حدث أن سألت أ.د عبد العزيز بن ناصر المانع الذي كان يعمل آنذاك ملحقا ثقافيا في الولايات المتحدة (في كاليفورنيا) إن كان يعرف من يمكن أن استفسر منه في بعض هذه النواحي ذكر لي اسمين: أحدهما بونيباكر Bonibakker S.A. (محقق كتاب قدامة بن جعفر نقد الشعر) وكان أستاذا معروفا في مجال النقد العربي القديم يُدَرِِِّس في جامعة كاليفورنيا (لوس انجيلوس)؛ والآخر هو الدكتورمحمد الهدلق (وأثنى على علمه ثناء كثيرا). بدأت أعرف منذ ذلك الوقت - بغض النظر عن الأسئلة المقلقة المتصلة ببحثي - أن د. محمد الهدلق ينظر إليه زملاؤه على أنه عالم متميز في حقل اختصاصه.

بعد انتهاء الدراسة وعودتي للتدريس في القسم في الجامعة نفسها(جامعة الملك سعود)، أتيح لي أن أعرف الدكتور الهدلق من خلال جوانب أخرى. كان بعض هذه الجوانب يتصل بالناحية العلمية، وبعضها يتصل بالناحية العملية. لقد وجدت نفسي أكون رأي الخاص عن الدكتور الهدلق عبر حقبة غير قصيرة من الزمن أتاحت لي أن أعمل في قسم هو من أعضائه البارزين. وفي مجال العمل العلمي (الأكاديمي) يصعب إفراد الناحية العلمية عن الناحية العملية.

تتسم بحوث أ.د الهدلق العلمية التي أتيح لي أن أطلع عليها بالدقة البالغة (وهذه بطبيعة الحال إحدى الخصائص الأساسية المتصلة بالبحث العلمي) يبدو واضحا في هذه البحوث صرامة علمية غايتها تحري الحقيقة. كما تتسم هذه البحوث بكون جانب منها يتناول نواحي خفية في تراثنا النقدي أونواحي نادرا ما يلقى عليها الضوء مع أن لها أهميتها في تاريخ النقد العربي واللغة العربية. واذكر مثالا على ذلك بحثه القيم (موقف موسى ابن عزرا من البيان العربي) (مجلة جذورالتراث ج21 ,مج 9.1426هـ - 2005م). يتناول في هذا البحث مدى تأثير البيان العربي على عالم من يهود الأندلس عاش بين القرنين الخامس والسادس الهجريين هو ابن عزرا، كما يظهر من كتابه (كتاب المحاضرة والمذاكرة), حيث يعرض في هذا الكتاب تأثير البيان العربي على كتابات اليهود في النواحي المتصلة بالبلاغة. والكتاب ألف بالعربية لكنه مكتوب (بحروف عبرية).

وبقدر تعمق الدكتور محمد الهدلق في جوانب النقد العربي القديم يبدو من ناحية أخرى - من خلال تعليقاته ومناقشاته مطلعا واسع الاطلاع على نظريات النقد الأدبي الحديث -. فلم يكن ممن يحصر اطلاعه في جانب ضيق من التخصص لا يتجاوزه.

وقد أتاحت لي بعض مجالات العمل المشترك مثل المشاركة في لجان مختلفة تتعلق بدراسة الطالبات أو حضور نقاش الرسائل الجامعية المتصلة بالطالبات، أو المشاركة في ندوات علمية يشارك فيها أعضاء هيئة التدريس (من أقسام النساء) بطريقة أو أخرى أن أعرفه في نواح تتصل بالعمل الجامعي. كانت آراؤه تتسم بالرصانة، وتنم عن تفكير متأن ونظرٍ في الأمر موضع النقاش من جوانب متعددة، كما تنم عن سعة اطلاع في المجال الذي يتحدث فيه. ومن الطبيعي أن تكون هناك اختلافات في الرأي في القسم أو في اللجان-كما يحدث في أي قسم وفي أية لجنة في أية جامعة من جامعات العالم. لكن مع صلابة الدكتور الهدلق في آرائه وكونه يصدع برأيه حتى وإن كان مخالفا لرأي الجميع، لا يقترن هذا الصدع بالرأي بنوع من الجفاء, أوتشوبه شائبة من استخفاف بآراء الآخرين. كان يبدو يحترم الزملاء جميعا ويلتزم الموضوعية في إبداء رأيه في أعمالهم العلمية حين يتطلب الأمر إبداء مثل هذا الرأي سواء أكانوا صغارا أم كبارا، رجالا كانوا أم نساء. وهو يبدو مثال الباحث الحق الذي لا يجد أدنى غضاضة أن يذكر في بحث له أنه استفاد من رأي علمي أورده دارس مبتديء أو دارسة.. لقد هيأت التطورات الأخيرة في جامعة الملك سعود أن يشارك الأستاذات في جلسات القسم، وفي حضور ندوات مشتركة عن طريق الشبكة المغلقة. وقد أتاح لي هذا معرفة أفضل بالدكتور في مجال الحوار والنقاش. كما أتاح لي -من قبل - عملي في التدريس، وعملي (سابقا) وكيلة للقسم مدة تزيد على أربع سنوات، أن أعرف كثيرا مما يقوم به الأساتذة أو الأستاذات في مجال التدريس، وأن يصل إلى سمعي بعض ما يتداوله الطالبات عن أساتذتهن أو أستاذاتهن. وقد وصل إلى علمي ما يقوله الطالبات عنه مثل كونه شديدا في التدريس، وأنه يطالب الطلاب والطالبات بأقصى ما عندهم من جهد, وأنه لا يتساهل في قبول الأعذار. لكن لم يصل إلى سمعي قط أنه قاس أو مجحف بحق طالب أو طالبة. ومن الطبيعي أن تكون شدة الأستاذ في صالح الطالب علميا.

وبقدر هذه الشدة في مجال التدريس والصلابة في إبداء الرأي يبدو الدكتور دمثا رحب الصدر، رب أسرة حانياً. وقد أسعدني أن عرفت قبل سنوات ليست بالقليلة السيدة زوجته وبناته السيدة منى والدكتورة نوال (طبيبة أسنان) وأروى (طالبة جامعية توشك أن تتخرج). تبدو الأسرة تحفها البهجة والتفاؤل إلى جانب اتسامها بالجد.

(1) كانت المكتبة كبيرة جدا ومتميزة في هذه الجامعة (جامعة ميشيجان آن آربر) واتصالها وطيد بتتبع المؤلفات في مختلف اللغات والحصول عليها منذ بداية صدورها، فالكتاب المطبوع بالعربية في مكة مثلا يوجد في هذه المكتبة قبل أن يصل إلى الرياض.

مجالات ذات صلة بالجانب النظري في النقد الأدبي القديم عند العرب مثل بحثه (موقف حازم القرطاجني من قضية الغموض في الشعر مقارنة بمواقف النقاد السابقين) (مجلة جامعة الملك سعود،ع4الآداب (2) 1412هـ1992م).


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة