Culture Magazine Thursday  04/06/2009 G Issue 286
فضاءات
الخميس 11 ,جمادى الآخر 1430   العدد  286
مداخلات لغوية
أجامعة تريدونها أم كُتّابًا
أبوأوس إبراهيم الشمسان

 

يصاحب الحديث عن الجودة في تعليم الجامعة أن يجري النقاش حول ذلك التعليم وأخص بهذا قسم اللغة العربية؛ إذ يركز على أنّ هذا التعليم لا يلائم السوق فهو لا يخرّج طلابًا يحسنون الأعمال في القطاع الخاص، وهم يشيرون أيضًا إلى أنّ هذا القسم لا يفلح في تعليم طلابه المهارات اللغوية. والذين يذهبون إلى هذا ينسون مسألة مهمة وهي أنّ لغة السوق ليست اللغة العربية، فليس ينفع هذا السوق أن تخرج طالبًا أنحى من سيبويه ولا أجمل ترسلا من عبد الحميد، وما يفعل بطالب يجيد تحليل النص؟ والذين يحسون ضعف مهارات الطلاب يرون أن على القسم أن يركز اهتمامه على إذكاء تلك المهارات، وهم يغفلون عن أنّ تلك المهارات هي موضوع اثني عشر عامًا يسلخها الطالب من عمره قبل الدخول في الجامعة، أما قسم اللغة العربية فليس معهدًا لتعليم المهارات اللغوية الأولية بل هو قسم مهمته الأولى تعليم علوم اللغة العربية وآدابها، وهي علوم لا ينبغي أن يتعلمها من الطلاب سوى من اكتملت مهاراته وأضحى مستعدًّا لتلقي هذه العلوم ليعرف مصطلحاتها وطرائق التفكير فيها وتاريخها ورجالاتها وأمّات الكتب التي فصلتها، وهو بحاجة إلى معرفة عميقة بأدب العربية في أحقابها المختلفة ليقف على نفائس النثر والأشعار فيها وألوان تطور أساليبها، وهو إلى ذلك محتاج إلى تعرف جوانب البلاغة فيها والتدرب على الكشف عن مواطن الجمال في هذه اللغة الشريفة. وللنقد تاريخ قديم ليس يسهل الوقوف عليه وله امتداد وتنوع حاضر، ومن العلوم اللغوية ما هي مجتلبة من ثقافات أخرى كالعلوم اللسانية الحديثة والمذاهب النقدية الجديدة وهي من الثراء والعمق بمكان لا يُقارب إلا بمشقة وعنت وكد ونصب.

قد تكون هذه العلوم اليوم مرغوبًا عنها في عرف السوق، ولكن الخطر في أن يكون السوق هو المخطط لكيفيات تحصيل العلوم، ولست أنكر على السوق أن يطلب ما أراد ولست أمنع أن يجاب إلى ما أراد، ولكن الحل ليس في ترك تعليم العلوم المتخصصة، بل تهيئة المعاهد التي ترعاها الجامعة إن شاءت لتعلم وفاق حاجة السوق وعلى السوق أن يساهم في التدريب والتعليم التطبيقي. وأما القسم الذي يعلم علوم العربية وآدابها فهو قسم ينبغي أن يخصص لمن أراد تعلم هذه العلوم من غير التفات إلى حاجة السوق أو هوى العمل. ولم يفسد التعليم في رأيي شيء أكثر من كونه سلّمًا للتوظف وكسب العيش.

قد لا يكون لعلوم العربية وآدابها وظيفتها الظاهرة في حياة الناس ظهورَ العلوم الطبية والهندسية وأمثالها؛ ولكنها عميقة الأثر في الحياة من حيث صلتها باللغة نفسها الممثلة لهوية الأمة المكتنزة تاريخها المصورة طبائعها الكاشفة عن سماتها المميزة لها من غيرها، وهي عميقة الأثر من حيث صلتها بالفكر نفسه فهي ترجمانه بل آلته التي لا يكون إلا بها، وللعربية خصوصية تتعدى حاجة العرب إلى المسلمين بعامة فهي لغة القرآن التي بها يفهم وبها يتعبد، ومهما ترجمت معانية ترتد الأعين حسيرة عن تلك الترجمات فلا تجد بغيتها إلا باللسان العربي المبين، وأنى يدرك هذا البيان إلا بتحصيل علومه التحصيل القويم. وإن تكن كيفية تعليم علوم العربية مرتفعة عن مستوى التعليم المهاري فهي التي تقف وراء ذلك التعليم تغذوه بحسن التفسير وجميل التيسير، وما التخلي عن تعليم أصول العلوم العربية والاكتفاء بيسير المهارات إلا رجعة بالجامعة التي تزوي العلوم إلى ما قد يوازي الكُتّاب.

****

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«7987» ثم أرسلها إلى الكود 82244

الرياض

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة