Culture Magazine Thursday  01/04/2010 G Issue 304
فضاءات
الخميس 16 ,ربيع الثاني 1431   العدد  304
 
النسوية في الخطاب النقدي في المملكة العربية السعودية
دراسة في تجربة الدكتورة سعاد المانع
د. إبراهيم بن محمد الشتوي

عند الحديث عن النقد النسوي لا يمكن الفصل بينه وبين الحركة النسوية التي كانت منذ البدء معنيّة بالأدب خاصة فيما يتصل بالإهمال الذي كانت تلقاه كتابة المرأة. وتُعد إعادة كتابة تاريخ المرأة من أهم قضايا النسوية التي قامت كتابة المرأة بدور مهم فيها، وذلك من خلال طرح عدد من الأسئلة الجديدة حول الأدب بوجه عام والكلاسيكي بوجه خاص وعن المرأة وعلاقتها بالأدب الأمر الذي آذن بظهور النقد النسوي.

هذا الترابط بين الحركة النسوية والنقد النسوي جعل الأخير يتمركز حول المرأة، وقراءة صورتها في الأدب ثم قراءة أدب المرأة، كما مكن الحركة النسوية من الاستفادة من معطيات النقد الأدبي: (الماركسية، البنيوية، ونظرية الخطاب) في دراسة قضايا المرأة. وهو ما بدا واضحاً في استثمار الحركة النسوية لطروحات فوكو Foucault حول أثر الخطاب في تشكيل الهوية الجنسوية. الأمر الذي عزّز الدراسات في هذا الحقل كما ألهم مفهوم السلطة لديه النسويات في استعمال مفهوم السلطة لدعم الحركة النسوية.

وفي العالم العربي بدأت الحركة النسوية في وقت مبكر تعيدها زينب العسال إلى منتصف القرن التاسع عشر، حيث جهود عائشة التيمورية في طرح قضايا المرأة، في حين تربط نشأة النقد النسوي بكتابات مي زيادة حول عائشة التيمورية وباحثة البادية، وإن كانت تُعد جهود سهير القلماوي خاصة فيما كتبته حول المرأة في ألف ليلة وليلة من الانعطافات في الحركة النسوية العربية، بوصفها قد ربطت بين الخطاب الثقافي وحالة المرأة في المجتمع. هذه الحركة التي نضجت في أواخر القرن العشرين على يد بعض الدارسات اللاتي سعين إلى البحث عن صورة المرأة في السرد النسائي وإلى طرح عدد من الأسئلة ذات الاتصال المباشر بالنقد النسوي.

وحين ننتقل إلى المملكة العربية السعودية نجد أن الكتابة حول المرأة في الأدب السعودي قد تأخرت عن مثيلاتها، مقارنة بالتقدم النسبي لظهور كتابات المرأة، فبالرغم من أن أول مجموعة شعرية لشاعرة سعودية صدرت سنة 1383/1963، وهي مجموعة ثريا قابل «الأوزان الباكية»، فإنّ الكتابة عن أدب المرأة لم تظهر إلا في وقت متأخر، إذ إن معظم الدراسات الرائدة للأدب السعودي لم تجعل من نصوص المرأة مجالاً للدراسة.

ولعل أول دراسة ظهرت لأدب المرأة السعودية كانت في سنة 1981م لنسيم الصمادي بعنوان «دراسة في أدب المرأة السعودية القصصي»، الذي «اجتهد في الوقوف على جانبي الموضوع والفن في قصص الكاتبات السعوديات، دون توسع في ذلك» ثم أفرد د. الشنطي في كتابه «القصة القصيرة المعاصرة في المملكة العربية السعودية» (1987) باباً خاصاً بنتاج المرأة، وهو ما يمثل تطوراً في النظرة إلى أدب المرأة السعودية حيث جاءت إليها مستقلة عن أدب الرجل، وبدا فيه الوعي بالقضية الأهم في أدب المرأة، حيث الكشف عن «خصوصية الرؤية من هذا الأدب والإنجاز التكتيكي الذي تجسّدت عبره الرؤية».

وفي مطلع التسعينات الميلادية حظي الأدب النسوي في المملكة بعناية كبيرة من قِبل الدارسين سواء على مستوى دراسة نصوص المرأة أو من خلال رصد صورة المرأة في الخطاب الثقافي مما يعني تداخل النقد النسوي في المملكة مع النقد النسوي العالمي. وتُعد الدكتورة سعاد المانع من أبرز الأصوات التي عملت في هذا الحقل المعرفي في المملكة، إذ تتميز تجربتها بقدمها، فقد نشرت أول عمل لها في جريدة الرياض سنة 1399هـ بعنوان: «المرأة والمسئولية في التراث الإسلامي»، تحدثت فيها عن صورة المرأة المثالية في شعر الغزل، وعن أمنية العرب القدماء الموت لبناتهم، وهي قضايا طرحتها فيما بعد في عدد من كتاباتها، ثم وازنتها بما في القرآن الكريم. وعلى الرغم من أنّ المقالة اتسمت بالعرض، لكنه كشف عن وعي مبكر بأثر التراث الأدبي في تشكيل صورة المرأة وبتكوين الواقع وذلك في مثل قولها:

«وربما بدا أن مثل هذا الحديث نوع من الترف الفكري لا حاجة لنا به ونحن أشد حاجة إلى واقعنا، وتلمس ما فيه من أخطاء وعيوب، حتى يمكننا إصلاحها. ولكن للمسألة وجها آخر. نحن بحاجة إلى أن نلتفت إلى الخلف قليلاً، حتى نعرف أين كنا، وكيف كان اتجاهنا حتى نتبيّن بوضوح تام الطريق السليم الذي يجب أن نسير فيه، ونحن بحاجة أن نتأمل بين الفينة والفينة الجذور التي تشدنا في الأعماق، فما نحن إلاّ نبات تلك الجذور».

ومن هنا فهي تصلح أن تعد بداية لهذا الاتجاه الذي سارت فيه الباحثة فيما بعد أو تأريخا لبداية النقد النسوي في المملكة. وفي حين يُعد هذا العمل نواة وبداية للنقد النسوي في المملكة، فإنّ دراسات الباحثة التي ظهرت فيما بعد كانت تطويراً لهذا الاتجاه، فنجد الباحثة تعاود العمل في هذا الحقل، فتأتي دراستها الأولى بعد انقطاع سنة 1994 حول صورة الأنثى في لزوميات أبي العلاء، ثم تتالت دراساتها في هذا المضمار، حتى جاءت بعد ذلك مقالتها النقدية التي بعنوان: «النقد الأدبي النسوي في الغرب وانعكاساته في النقد العربي المعاصر» (1997/1998) تتناول فيها قضايا النقد النسوي في الفكر الغربي، والأسئلة المهمة المطروحة فيه. وقد مثلت هذه الدراسة أساساً وخلفية مهمة في اللغة العربية تمهد الطريق لرؤية منهجية تقوم عليها الدراسات اللاحقة المنتمية إلى النقد النسوي خاصة مع قلّة الدراسات في هذا الجانب، وهو ما يمثل الميزة الثانية لتجربة الدكتورة سعاد، ويأتي ثالثاً المميز الأخير والذي يتمثل بثراء المنتج النقدي حيث بلغ 20 عملاً ما بين دراسة ومقالة. وقد جاءت كتابات الدكتورة سعاد في هذا الحقل لتصب في اتجاهين اثنين: الأول الكتابة عن صورة المرأة في الخطاب الثقافي، والاتجاه الثاني نقد الكتابات الأدبية للمرأة، وهي بهذا تتحد مع القضية الكبرى للنقد النسوي كما هو في تعريف الناقدة الأمريكية شوالتر Showalter.

الرياض
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة