Culture Magazine Thursday  01/04/2010 G Issue 304
سرد
الخميس 16 ,ربيع الثاني 1431   العدد  304
 
مقاربة
أحمد قران في ديوانه «لا تجرح الماء»:
رحلة إنسانية شاعرية تستدعي صور القصيدة النبيلة
عبدالحفيظ الشمري

في إهداء يُلوِّح فيه للغرباء يطل الشاعر أحمد قران الزهراني من شرفات الشعر بديوان لطيف وشفيف يسمه بعنوان هامس»لا تجرح الماء»، فيساوق فيه الشاعر أفكار القصيدة النبيلة عله يبدد هموم الشعر المترامية.. في قصائد تسعى لأن تنير للروح ظلمتها، وترنو للعالم أن يذيب ولو النزر اليسير من ديجوره المدلهم.. فلا شيء لدى الشاعر غير القصيدة حينما يصفها بلحظة تنوير أولى:

«القصيدة

نافذة الروح

قول الحقيقة

في موطن الشك»

فهو في هذا الاستهلال يشخص إلى عمق القصيدة البكر.. تلك التي ظل الشاعر يجاذب القارئ فيها مسامرة الإبداع بغية الوصول إلى عمق الحقيقة لاسيما حينما يكون للقصيدة روح وجدل ومطالب حقيقية، فأحمد قران يؤسس لتجربته الشعرية النابهة بعدا معرفياً لا يخلو من جدل جمالي واضح، لأن القصيدة لديه ليست ترفاً أو مجرد حضور إنما هي حالة إنسانية وتوق وجداني يستحق التأمل والقراءة.

تتوارد في قصائد ديوان «لا تجرح الماء» لغة الشاعر المتمكن من أدواته ولغته وحنينه وأشواقه، بل لكل ما تختزنه الذاكرة من مسافات الود والحنين إلى الأماكن القديمة وما يليها من تخوم أقام فيها من أجل رسالة الحياة بمختلف تنويعاتها الأليمة والسعيدة في الذات البسيطة لدى هذا الشاعر المتسم دائماً بالرقة وعذوبة الوصف، وخصب المفردة الشعرية، ومشهد الشاعرية.

فقصيدة «وشاية الغربة» حالة إنسانية عامة برع الشاعر أحمد قران في التقاطها وتدوينها لا سيما حينما بات يعيش الكثير من تفاصيلها، لتأتي هذه القصيدة محملة على لغة البوح المستفهم عن آخر محطات الغربة التي تسم العابرين للمدن عادة بمهماز الرِّق المتقد لاسيما حينما يعزف الشاعر على وتر وجع القصيدة الذي يتعاظم لفرط ما يلف العالم من حياة مادية لا تقيم للمعاني أي وزن معنوي، أو وجود إنساني.

فالشاعر من خلال ديوانه هذا عني حقيقة بإيجاد المعادل الجمالي والإنساني للعلاقة بينه وبين بيئته رغم اضطرابها وقسوتها في أحايين كثيرة، فربما تكون الغربة طرفاً أليماً في هذه المعادلة، لتتحول إلى حالة ذهنية محفزة؛ تستنطق المفردات الأكثر عمقاً وتأثيراً في الذات على نحو تداعيات إنسان هذا الزمان في قصيدة:»لعل الوقت لا يمضي بعيداً» حينما يصوره الشاعر اضطراب العلاقة بين الإنسان حينما يكون مبدعاً وبين ما حوله من حياة تنشد المادة والقشور.

فالزهراني دائماً ما يقيم جدلاً قرائياً معرفياً حول قصيدته التي لا تود أن تهادن في الغالب، ولا تدخل تركيب الممكن، فلا يلوم الشاعر قصيدته بقدر ما يتأسى على حالها، وضياع هويتها لفرط ما باتت الذائقة مرتهنة لحياة تتلون ومعارف تتغير، وقراءات تتبدل نحو الفراغ والتشظي والغياب:

«لا عليهم كل ما يعنيهم خبز الصباح وكوب الشاي، إن بنعناع وإن لا لست أدري كل ما في الأمر أنثى تعبر الآن القصيدة»

فالتيه وارد في زمن القصيدة التي تتخلق من رحم المعاناة لكنها قاب قوسين أو أدنى من الموت لفرط ما بات يعتريها من تهميش وعدم اكتراث، لأن الذاكرة لم تعد هي تلك المفطورة على حب الجمال والعفوية إنما شاغلتها تحولات مادية كثيرة فبات الشعر على حد قصائد أحمد قران عبئاً استثنائياً يصعب على الشاعر تجشمه في زمن ألا شعر.

كما يسعى الشاعر في هذا الديوان إلى استحضار الكثير من صور الحياة الجميلة على نحو رقة تراسلات المطر، وعذوبة سقسقة الماء، وجمال تماوجات الربيع، ودهشة سحر المساء، وشجن تغريد طائر في البراري القفر وزرقة سماء بعيدة عن الضوضاء والدخان والعوادم، رغبة أكيدة منه أن يبث في القصائد روح الأمل.. لعلى وعسى!!

ففي قصيدة «لا تجرح الماء» التي حملت اسم الديوان يشرع الشاعر مسافة البوح اللاعج حتى تتداخل القصيدة بالروح التائقة للجمال، فهو الذي يقف على حدود الروح هناك ليقول للعالم أن القصيدة ستفقد هويتها إن لم تصرح أو تلمح في وصف أنثى، فهاهو يزاوج بين القصيدة التي ترسم معالم الفجيعة بفقد محتمل للقاء قد لا يحسبه الشاعر عابراً في ردهات الليل المعبأ غالباً بالحزن وحكايات والوعود، لينسج من تفاصيل قصيدته أبعاد الحس الإنساني النبيل.

يبذل الشاعر أقصى ما يمكنه العطاء أن يكون وفياً لأحزانه شأنه شأن أي شاعر عربي يعد خيباته وانكساراته وأحزانه لأنها هي السلم الذي يرتقيه نحو الوعي، فالشاعر مرآة الأمة، يعكس كل ما يجول في واقعها، إلا أنه يسعى في ظل هذه الانكسارات الأليمة أن يكون نبيلاً وصادقاً في نقل حالة الإنسان العربي الذي تردى، وبات يصعب حتى على القصيدة كما في ديوان أحمد قران «لا تجرح الماء».

* * * * *

إشارة:

- لا تجر الماء (شعر)

- أحمد قران الزهراني

- منشورات دار الريس بيروت 2009م

- يقع الديوان في نحو (126صفحة) من القطع المتوسط

- لوحة الغلاف والتصميم للفنان احمد عثمان

/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة