Culture Magazine Thursday  04/11/2010 G Issue 322
فضاءات
الخميس 27 ,ذو القعدة 1431   العدد  322
 
محطات استذكارية: مع الراحل د. محمد عابد الجابري (1)
الدهاء في قول الحقيقة التي يتغيّاها
د. عبدالرزاق عيد

مع رحيل المفكر الجزائري د. محمد أركون نودع معلما بارزا آخر من معالم أولئك الذين أرادوا أن يدخلوا التراث الإسلامي في قارة التاريخ عبر التعرف عليه (انثربولوجيا) من خلال ما كان يسميه الراحل أركون حضور الناس الفاعلين في إعادة بناء النص التراثي، بعد أن كان أسير نصيته التي تتوالد ذاتياً وتتناسخ نصوصاً مغلقة على نسقها فتكبر وتكبر كميا بدون أن تتفتح عن أي أفق نوعي جديد.

كان من الممكن للكويت أن تستقبل محمد أركون في ندوة حوارية فكرية وثقافية.. بينما أصوليوها رفضوا قبول الراحل المصري د. نصر حامد أبو زيد الذي لم يكن أكثر اصطداماً مع أفق «انتظار القارئ العربي» والمسلم -على حد اصطلاحات البرتو أيكو- من أركون وقبله الجابري.

فأبو زيد ابن مدرسة المشيخة الأصولية المصرية ذات الجذور الإخوانية لم يكن خطابه (تغريبياً أو مغرباً منهجياً) أكثر من أركون أو الجابري، لكن يبدو أنه كان عليه أن يدفع ضريبة انشقاقه عن بيئته الفكرية الأصولية الأصلية مع الحضور الاقتحامي للإخوان المسلمين في مصر.. لهذا تمكن الإسلام السياسي من اصطياده سياسيا، إذ إن نصر لم يتجرأ على الحوار مع (المقدس) أكثر من أركون الذي لم يتردد أن يتحدث على الفضائيات عن نظرية أحد المفكرين الفرنسيين عن (الجهل المقدس) ليضعه بالتوازي عربياً وإسلامياً مع يصطلح عليه ب(الجهل الممأسس).

لكن د. محمد عابد الجابري سيكون الأكثر دهاء في قول الحقيقة التي يبحث عنها دون اصطدام برأي الجمهور.. حيث كان لا يتردد من ترداد القول الأصولي (الإسلام صالح لكل زمان ومكان)، لكن مشروعه الفكري أقامه على فكرة الصلاحية هذه ليس بوصفها (الصلاحية النصوصية) المغلقة، بل هي (الصلاحية التأويلية) التي يمكن أن تنفتح على كل نظريات العصر وتتداول كل الأدوات المفاهيمية والأجهزة المعرفية لمعاورة معنى ومغزى ودلالة هذه الصلاحية التأويلية.. ولعل في ذلك سر الحضور الشاهق والمميز لمشروعه عن «نقد العقل العربي» في أجزائه الأربعة، عن باقي مشاريع القراءات الحداثية للتراث التي شغلت الربع الأخير من القرن الماضي العشرين.. ونحن في هذه الزاوية سنقوم بنوع من رحلة المقابسات مع هذه المشاريع الريادية التي شكلت فاصلاً فكرياً وثقافياً في تاريخ العرب الحديث والمعاصر بادئين بأول الراحلين د. محمد عابد الجابري.

لقد كتبنا أثر الحوار الذي رعته مجلة (اليوم السابع) الصادرة في باريس تحت عنوان (حوار المشرق والمغرب)، حيث مثل المشرق الدكتور حسن حنفي (مصر) ومثل المغرب الدكتور محمد عابد الجابري (المغرب)، وقد استمر الحوار على مدى عشرة أسابيع سنة 1989.. إذ تحدثنا حينها أن الدكتور الجابري منذ أطل على ساحتنا الفكرية في بداية الثمانينات، ونحن مندهشون إعجاباً بهذا الخراب الجميل الذي يشيعه في فضاء العقل العربي، حتى بتنا نعتقد أن مرحلة نهضوية من طراز نوعي جديد راحت تشق طريقها إلى الفضاء الثقافي والفكري العربي، باعثة ومجددة لأرقى ما توصل له المشروع النهضوي الأول في القرن الرابع الهجري متوجا بالتوحيدي ومسكويه فيما أطلق عليه الراحل أركون بعصر «الإنسية الإسلامية»، بل حتى ما وصل المشروع النهضوي الثاني الذي ختمه طه حسين، لتبدأ بعده مرحلة الارتداد من فضاءات العقل إلى غابات الأهواء والمشاعر الغريزية وعنفوانية الشعارات وثقافة الأناشيد والهتافات.. أو بمصطلحات فقيدنا الراحل أركون: من فضاءات (اللوغوس) إلى سديم (الميثوث) أو الجهل المقدس الذي سيبدأ مع قيام الحركة الإخوانية سنة 1928.. وسنواصل،،،،

باريس
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة