Culture Magazine Thursday  10/06/2010 G Issue 314
فضاءات
الخميس 27 ,جمادى الآخر 1431   العدد  314
 
من سيُرشّدْ المليون
لمياء باعشن

من أهم العقبات التي تعيق النشاط الثقافي، كما يردد مسؤولو الثقافة دائماً، ضعف الموارد المالية، فضيق ذات اليد يبطئ الحراك، ويجعل الفعاليات متواضعة، ويحد من طموحات الأندية الأدبية التي تُمنح سنوياً مبلغ مليون ريال، وهي ميزانية لا تكاد تفي بمتطلبات تلك الأندية. يتذمر رؤساء الأندية وأعضاؤها كثيراً من التمويل الضعيف، ويميل البعض منهم إلى تغيير مسمى الميزانية إلى «إعانة»، وإعانة شحيحة جداً. لكن تصريح سعادة وكيل وزير الثقافة المكلف الدكتور عبد الله الجاسر الذي جاء فيه أن «الإعانات المالية السنوية المخصصة لهذه المؤسسات الثقافية والإعلامية فيها الخير الكثير إن هي أديرت بطريقة سليمة» (الرياض، الأربعاء 14 أبريل 2010)، يتناقض مع كل هذه الأصوات التي تطالب بزيادة المخصصات. وكنت أتوقع أن يتفضل سعادة الوكيل بتوضيح طرق الإدارة السليمة للمليون إياه حتى يسترشد بها أعضاء مجالس الأندية الأدبية ويبدأون في تطبيقها في الفترات التجديدية والتمديدية المقبلة.

والواضح أن الوزارة لا تملك حتى الآن توجهاً محدداً ولا رؤية لما تريده من هذه الأندية المنتشرة والمتنامية في جميع مناطق المملكة.

كان من الأجدى أن تجمع الوزارة أعضاء المجالس وتبين لهم خطتها، وتوزع عليهم مهامها، وترشدهم لطرق الترشيد الصحيح للمال الشحيح. لكن الوزارة تبارك كل الأنشطة التي تقوم بها الأندية، وحين يحضر معالي الوزير لافتتاح ملتقى أدبي كبير على مستوى المملكة فحضوره موافقة على هذا النشاط، رغم أن تكلفة إقامة مثل هذا الملتقى سوف تبتلع نصف الميزانية دفعة واحدة، فهناك تذاكر سفر المشاركين من أنحاء المملكة، وأحياناً من خارجها، ثم غرف إقامتهم ومآدب الغداء والعشاء لهم وللمصاحبين لهم من أهل البلد، وأكبر صالة بالفندق لإقامة الاحتفالية، وتجهيزات تقنية وورقية وتلفزيونية لنقل الفعالية لموقع النساء الخلفي. لكن يبدو أن البحث عن منافذ أخرى لرعاية المناشط الثقافية في الأندية أصبح نشاطاً في حد ذاته، والرئيس البارع لأي نادٍ أدبي هو ذلك الشخص الذي يتمكن باتصالاته الشخصية من جلب موارد خارجية تعين الإعانة.

وما دمنا قد جئنا على ذكر الملتقيات الكبيرة باهظة التكاليف، فلنطرح تساؤلنا عن قيمتها وضرورتها، خاصة في ظل التكلفة العالية التي تستنزف إعانتها. هل هذه الملتقيات فرض كفاية على كل نادٍ أدبي؟ من اللحظة التي يُفتتح فيها نادٍ جديد، يعلن القائمون عليه خطتهم القادمة، وهي خطة تكرارية لما تقدمه كل الأندية، على رأسها ذلك الملتقى. هل ستعترض الوزارة إن أعلن النادي الجديد أنه سينفق ميزانيته هذا العام على إيجاد مقر لائق له وتجهيزه ليليق بمرتاديه؟ لماذا لا ترشد الوزارة مجالس الأندية إلى أن ثلاثة ملتقيات، فقط ، كافية جداً على مدار العام، وأن الأندية ستتناوب في إقامتها كل عام؟ ما المانع من أن تراوح الأندية ملتقياتها، مثلما يفعل نادي الرياض الذي يقيم ملتقاه النقدي كل عامين، وتوجه مواردها لأمور أكثر إلحاحاً؟

ولنقل إن الأندية لا تتكلف شيئاً في إقامة هذه الملتقيات، وأنها رمت حملها على التمويل الخاص فتحمّل وتكفّل، فماذا عن المطبوعات؟ لكل نادٍ أيضاً دورية أو اثنتين، وهذا فرض آخر لا فكاك منه. إليكم هذه القائمة بالدوريات والمجلات التي تُطبع في الأندية على مدار العام:

*دورية (بروق)، ومجلة (المنتدى) – نادي الباحة *دورية (سيسرا) ومجلة (الجوية) - نادي الجوف *دورية (رؤى الثقافية) - نادي حائل *دورية (قوافل) ومجلة (حقول) - نادي الرياض *دورية ( دارين) - نادي المنطقة الشرقية *دورية ( الآطام)، ومجلة (العقيق) نادي المدينة المنورة *دورية ( مجاز)، ومجلة (وِجّ) - نادي الطائف *دورية (دوحة المذنب)، ومجلة (أبعاد) - نادي القصيم *دورية (ضفاف)، ودورية (أفنان) ومجلة (حسمى) – نادي تبوك *مجلة ( مكة الثقافية) - نادي مكة *دورية (بيادر) - نادي أبها *مجلة (مرافئ)، ومجلة (أصوات) - نادي جازان *مجلة (جواثا)، ومجلة (المشقر) - نادي الأحساء *دورية (علامات) و(الراوي)، و(نوافذ)، و(عبقر)، و(جذور) – نادي جدة.

ثماني وعشرون مجلة ودورية حالية سيضيف إليها قريبا نادي الجوف، ونادي الحدود الشمالية إصدارين فتكتمل الثلاثين. يطبع كل نادٍ مالا يقل عن ألف نسخة من كل مجلة ودورية تصدر على الأقل مرتان كل عام، يعني ستين ألف مطبوعة. هل أنتم مندهشون، أم أنكم ترغبون في الصراخ مثلي بأعلى صوت: كفى هدراً!! بل إن هذا العدد الهائل قد تعدى حدود الهدر المعقول ليصل إلى الهذر اللامعقول ويغرق في عبثيته. وقد يتساءل القارئ عن مدى الاستفادة من كل هذا الورق الذي يؤذي إنتاجه البيئة، وسأجيب متفائلة، ربما عشرة بالمائة. أكثر هذه المطبوعات لا تصل ليد المثقفين في كل مناطق المملكة بشكل منتظم أو غير منتظم، وحين تصل كم منهم يا ترى يقرأها فعلاً ويستفيد منها؟

حاول أن تبحث عن عدد من هذه المطبوعات في مكتبة ناديك المحلي، وستفاجأ أن الأندية نفسها لا تتبادل دورياتها، ربما لأنها مثقلة بكراتين من مطبوعاتها الخاصة تتكدس في كل أركانها حتى لا تترك شاغراً لمطبوعات غيرها. كل هذه الأعداد الهائلة من المطبوعات، ولا يوجد لدينا دورية أو مجلة واحدة في مستوى أو جودة أو تداول أو انتشار مجلة الأدب المصرية، أو دبي الثقافية، أو المعرفة أو نزوى العمانية، وغيرها من الدوريات والمجلات المرموقة والتي تمثل مرجعية معتمدة. كل هذه الأعداد من المجلات والدوريات لا تمثل إضافة ثقافية ملموسة، فهي تستكتب (وتستجدي) كل من يمكنه الكتابة داخل وخارج المملكة، بلا تحكيم، ولا تمحيص، ولا تدقيق، ثم تمنحه ذات المكافأة الزهيدة التي لا تفرق بين غث وسمين.

توجهات الوزارة إذاً تدفع إلى الصرف خارج حدود الميزانية الممنوحة للأندية بصمتها ومشاركتها ومباركتها، فلا اعتراض ولا محاسبة ولا إرشاد ولا ترشيد. ومن الأمور التي تدعم بها الوزارة الصرف في غير محله هذا الإصرار مثلاً على تعيين عدد عشرة من الأعضاء؟ أنا لا أعرف المنطلق الأولي لتكوين المجالس من هذا العدد بالتحديد، وربما كان ذلك المنطلق وجيهاً في حينه، لكن الآن وبعد تجربة هذه السنوات اتضح لنا أن العدد لا يضيف شيئاً ولا يُنقص. أكبر دليل على ذلك أن أعضاء كثر قد استقالوا ولم يتم التعويض عنهم بأعضاء آخرين، وأكملت المجالس مسيرتها بعدد ناقص، أضف إلى ذلك غياب كثير من الأعضاء إما بالانسحاب الصامت، أو بالسفر خارج البلاد، بل إن منهم من رحل للدراسة بعد تعيينه مباشرة ولم يساهم في نشاطات الأندية ولا بهمسة.

من واجب الوزارة أن تعيد النظر في هذا العدد العشَري، فهو غير ملزم البتة، وحتى في أحسن الأحوال التي التزم بها النادي بهذا العدد، لم تظهر له فائدة ولا قيمة، فكثير من الأعضاء يتعاملون مع العضوية على أنها شرفية، وهم لا يحضرون أنشطة النادي ولا يشجعون غيرهم على الحضور، ولا تراهم إلا في أمسية تُلبس فيها المشالح، ولا تسمع لهم صوت إلا حين تصغي إليهم شخصية لها ثقلها الرسمي حاضرة مع حشد من الكاميرات. في معظم الأندية يدير العمل دينامو واحد له نشاط منقطع النظير، وحين يظهر هذا الشخص يبتعد الآخرون، إما لأنهم اتكاليون أو لأنه ديكتاتور. في الحالتين أنت لست بحاجة إلى عشرة أشخاص ليبصموا على أنه هذا أو ذاك، ومن أجل أن يفعلوا ذلك تدفع لهم مخصصات شهرية ومكافآت لحضور اجتماعات المجالس، قلّت تلك المبالغ أم كثرت.

لماذا لا تعتمد الوزارة تعيين أربعة أشخاص فقط وهم الذين حددت لهم مهام عملهم، أي الرئيس ونائبه ومدير المالية ومدير الإدارة؟ أرجو ألا يعترض أحد قائلاً إن العمل كثير ويحتاج إلى أعضاء، فجوابي جاهز: كلنا يعرف جيداً أن كل نادياً يوظف عدداً من العاملين، من ثلاثة إلى ستة، يقومون بالتشغيل الداخلي، ويستلمون رواتباً على عملهم. أما بقية الأعضاء الستة فهم كمالة عدد ولا يساهمون إلا بأقل القليل من وقتهم، وأضعف الضعيف من جهدهم. في حالة التصويت، الأربعة يكفون، إذ إن للرئيس صوتين، فتلك خمسة حاسمة.

وتمتد آفة العشرة إلى اللجان النسائية، وعلى الرغم من أن العبء المالي لا يشمل مكافآت ولا مخصصات رسمية للعضوات الرديفات، إلا أن بعض الأندية تتعاطف معهن وتنفحهن بضعاً من الريالات تقديراً لجهودهن الظلالية، وهذه تكلفة أيضاً ستُرشّد لو كان عدد العضوات اثنتين فقط (وواحدة في الحقيقة تكفي، والثانية لن نحتاجها إلا لو غابت الأولى)، ولا حاجة بي إلى تقليل أهمية العدد النسائي العشري، ليس فقط من ناحية نقصان العدد الحاصل بالاستقالة الضاجة، أو الانسحاب الصامت، أو الحضور الغائب، بل من ناحية نقصان المشاركة الفعّالة في التنظيم وصنع القرار. والوزارة لو تتخلى عن فكرة اللجان النسائية برمتها لكان أفضل وأكرم، فهي تتخلى عن المثقفات في الأندية من لحظة عدم الاعتراف بهن كعضوات كاملات، وحتى حين تأبى تقديرهن بقرارات تعيين في تلك اللجان الصورية.

لو كان للوزارة خطة شاملة وأهداف محددة لعرفنا معنى العمل المتكامل وقيمة التبادل الثقافي في الداخل. المنافسة بين أداء الأندية على مستوى الترشيد المالي وقياس الصرف بنسبة الاستفادة لا يمكن أن تحدث من تلقاء نفسها؛ لا بد للوزارة من التدخل لشرح رؤيتها ومنطلقاتها وطموحاتها من أجل تشكيل ملامح مشروع ثقافي سعودي واحد. لن يكون هذا المشروع ضخماً ومثمراً إلا لو اتحدت القوى العاملة فيه، إلا لو صُرف المال في خدمة الأهداف المشتركة حتى يعود بفائدة قيمية لا عددية. كفانا شتاتاً وبعثرة للميزانية وللجهود البحثية التي تنهكها كثرة الملتقيات، وتضعفها كثرة المطبوعات، ويبلّدها التكرار وكثرة الطلب.

تملك الوزارة وحدها القدرة على ترشيد المليون، وذلك لن يكون إلا بتبنيها إستراتيجية شاملة تنظم جهود الأندية الأدبية وتحميها من فوضى التشرذم وفيروس المحاكاة، إستراتيجية توزع الأدوار وتجمع الأجزاء في كلٍ متناغم ومتسق يحمل ملامح الثقافة السعودية بشكل لائق ومشرف.

جدة lamiabaeshen@gmail.com
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة