Culture Magazine Thursday  13/05/2010 G Issue 310
مراجعات
الخميس 29 ,جمادى الاولى 1431   العدد  310
 
استراحة داخل صومعة الفكر
شيء من الروح
سعد البواردي

بعض الشيء أفضل من لا شيء.. هكذا اختار شاعرنا أن يهبنا بعضا من فيض روحه محتفظا لنفسه بشيء آخر من بوحه.. من حقه أن يعرفنا على البعض.. وهذا يكفي.. إذ الكثير من كثيرين أرواحهم مغلقة.. وتباريحهم منغلقة..حسنا نبدأ سوياً مع شاعرنا في أول محطات الرحلة معه..

جميل أن يأخذنا معه بداية إلى الفجر نستشرف سوياً ضوء الصبح بعد انكفاء مصباح الليل..

مع الفجر حدث ها هو الروض يكتسي

جمانا على الأفنان تشدو بلابله

يكاد لفرط الحسن يختال ضاحكا

تحيد أنسام فتزهو أوائله

حسنا لو قال: (تحييه) لضبط إيقاع الجرس الموسيقي للشطر، يسترسل شاعرنا في وصفه لربيع الأرض مع إطلالة الفجر..

مع الفجر غنى الجدول الحر شاعرا

يسلسل ماء يسفح الطهر سائله

يغازل وجدان الطبيعة عاشقا

لما هاله فيها شعور يساؤله

كأن السنا في الأرض جيش عروم

تكاد لفرط النور تشقي جحافله

ويخلص من توصيفه الموفق وتوظيفه للمفرادات بهذا البيت:

هو الخير تجتاح الوجود فلوله

بروح ويغدو بين كفيه زاحله

ليت شاعرنا أبدل فلوله جيوشه.. إنها أنسب للمعنى..

ومن ميلاد الفجر إلى مملكة المجد:

موطني موطن الرسالة في الأرض

ومهوى العباد في كل واد

موطني قبلة الأنام ومأوى

كل طير وملتجأ كل بادي

مهوى العباد صحيحة.. والأصح (مهوى النفوس.. وأيضا كل بادٍ أحسب أن كل غادٍ أفضل.. ومن المؤكد إلى مؤكد المؤكد:

موطني موطني ومغنى حياتي

وسروري وغبطتي وعنادي

وعبيري وعبرتي واعتباري

وشرابي وشربتي ومزادي

أوصاف تحمل الأنصاف.. لولا (عنادي فهي غير مناسبة، ليكن فؤادي.. وأيضا مزادي الموطن ليس للبيع وشربتي أيضا يعتريها بعض الخلل حسنا لو جاء الشطر كما يلي:

وشرابي.. وما اقتنت وزادي

اختتم مقطوعة مملكة المجد بهذا البيت المليء بالثقة والانتماء.

كلما زعزعت فؤادي الليالي

ضحك الموطن الجميل ينادي.

شاعرنا في تطوافه تغمر روحه الفرجة والتفاؤل.. من الفجر إلى مملكة المجد.. إلى فرحة العيد:

كانبثاق الصباح في الارجاء

كالشذى كالنسيم في الخضراء

كالهناء العميم يقتحم الروح

ويلقي السرور في الأحشاء

كالربيع البديع يختصر العمر

ويذري الربيع في البيداء

الربيع يا شاعرنا لا يختصر العمر.. وإنما يختزنه ويطيل بهجته.. ويمضي بنا طرحاً لآفاقه ومظاهره..

اللباس الجديد تجديد فكر

وشعور وهمة ووفاء

قل ما شئت عن اللباس الجديد إن لا يكون فكرا.. إنه تجديد ذكر بقدومه..

فرحة العيد فرحة للبرايا

حين تقتات من شذى الأنبياء

الصحيح يا شاعرنا أن العيد فرحة للموسرين.. غصة في حلق المعدمين الذين لا يجدون حساء يشبع.. ولا كساء يستر.. ولا داراً تؤوي.. أقترح على شاعرنا إعادة صياغة البيت على النحو التالي:

فرحة العيد فرحة للبرايا

حين تقتات من وفى الأغنياء

أو سخى، أو من عطى الأغنياء.. لا فرق..

شاعرنا على أوتار حزن على غير المعتاد عزف لنا مفزوفة يأسه:

اليأس فتت مهجتي وفؤادي

وطغى على الأمل القريب بوادي

لم ألق في دربي سواي. ولم تزل

خلف المجرة همتي.. ومرادي؟؟

بهذه النقلة السريعة والمريعة تجاوز مساحة أمله إلى ساحة ألمه:

أرنو إلى الأفق البعيد وفي دمي

بحر من الألم الأليم ينادي

«الألم الأليم».. أشبه بمن يفسر الماء بالماء.. الألم لا يعرف على الأليم ، إن ذلك تحصيل حاصل.. يمكن القول «الألم المرير»

غارت على مرأى العيون جداولي

وبلقعت رغم الخصيب وهادي

شحنة من الوجع سكنت أبياته.. واستوطنت بياته رغم الربيع.. كانت أشبه بالغبار الذي حجب أفق الخصب عن عينيه..

لم يبق في روحي الحياة تقودها

أمسي. وأصبح في رماد رمادي

الأمس مذكر لا مؤنث.. الصحة أن تقول: يقودها أمس.. حتى رماد رمادي يستحسن أن يكون في حصاد رمادي.

عودة مع شاعرنا إلى شيء من روحه حتى لا يتملكنا الملل. ويستغرقنا القنوط.

بين عينيه أمان مشرئبه

جامح يعتصر البغي ودربه

يصلب الخطو على جمر الغضا

يسفح الروح دواهيها المخبة

الروح.. والدواهي جمع داهية مؤنثة.. إذا تسفح الروح...

طائر الصيت يغني وحده

يسلب الأيام إجلالا ودربه

مفردة دربة استعصت على فهمي.. إذا كانت جمع درب وهو ما أخاله.. مضافة إلى الأيام فهذا يعني دربها.. وللخلاص من هذه الإشكالية وكي تأتي القفلة متناسبة مع ما قبلها يحسن استبدال الكلمة ب هيبة المتفقة مع الإجلال.

الطائر في احتدام مع الليالي السود ينتهي بهزيمتها.. ومع الشر قضاء عليه.

حسبه في الناس والدينا إذا

جأرت أنفاسه في الناس حسبه..

جميل هذا الطائر الذي كسب المعركة مبددا سجوف الظلام.. وغيوم الشر.. إنه طائر حياة يعانق وهج الشمس..

فارسنا سالم بن رزيق بن عوض ما إن يأخذنا معه من شفق حتى يسلمنا إلى نفق.. إنه يتعمل مع صوره الشعرية وفق إحساسه المتغير بتغير الظروف التي لا قرار لها ولا استقرار.. فمن طائره الأسطوري إلى عتمة الليل ووحشته.. هكذا هو كغيره يعيش عالماً متغيراً بين الفرح والترح.. بين النشوة والجفوة.. أذكره بمقولة شاعرنا الولي القديم.

هي الأمور كما شاهدتها دول

من سره زمن ساءته أزمان

أنا.. والليل.. والشعر..

لفني حزن وغشاني دموعا

وطفى في خاطري يطفي الشموعا

ويرى الدرب الذي لا ينتهي

تارة يمحو عن الدرب الرجوعا

يبصر الأوهام في أحلامه

ويرى في مهجتي السودا النزوعا

مفرط الأهواء يلوي روحه

ينثني في روحه يحدو الخنوعا

صور جميلة في مفرداتها وتوظيفها للفكرة أحسب أنها من أجمل ما قاله شاعرنا عبر تجربته الشعورية.. إنه يغرق في السوداوية إلى درجة الموت..

لا يرى الدرب الذي يسلكه

ويرى الكون توابيتا وجوعا

في هذا ما يكفي.. وما يفي بالغرض..

ننتقل من الليل وجهامه وظلامه إلى غرائز العصر.. كيف عبَّر عنها.. وعَبَر جادتها المتعرجة؟!

غرائز هذا العصر قلب منور

وروح لها في النفس درب ومنبر

تنافح عن معنى الفضيلة في الورى

وتلوي ذراع البغي تسمو وتزأر

وتقتات من فيض المعاني وترتوي

على عينها في عظيم مسطر..

ملاحظة عابرة «قلب منور» لو قلت قلب مطهر لكان أفضل.. ولو قلت «عقل مفكر» لكان أفضل من الأفضل.. ولك الخيار..

ألا قاتل الله الليالي وحيفها

من الدهر نشكو؟ أم من الدهر نجأر؟

الشكوى والجأر من الدهر يا عزيزي يعنيان معنى واحدا.. ربما الأنسب التالي: على الدهر نشكو. أم ن الدهر نجأر؟

نعود إلى الطير وتغريده وقد شدنا الحنين إليه:

عجباً لذاك الطير. كيف يغرد

يهدي الحياة فؤاده ويردد

هو جذوة الدنيا وسر بيانها

في كل رابية يقوم ويقعد

يروي الزمان قصيدة لا تنتهي

ويذوب في عرش البيان ويسهر

روح معطرة. وقلب مفعم

يهدي الوجود وجوده ويسدد

الطير لا يهدي الوجود.. ولا الفؤاد.. بل يهدي النشيد الذي يصدح به ويغرد به..

شاعرنا يطرح سؤاله.. عن شاعر بلا جمهور!

لمن يغني ويصدح؟

يذوب شجواً. ويسفح!

حسناً لو أن شطره الثاني جاء وفق الآتي.. يذوب شعراً ويطرح

يلوي عنان القوافي

يستوطن الحزن مطرح

يروي شفاف القوافي

يتيه شوقاً ويمرح

إلى هذا الحد والمشهد دون إثارة..

يسقي الدواهي الدواهي

يلتاع يرمي ويذبح

ما هكذا يا شاعرنا تورد الإبل..الكثير مما قلت فيه الكثير من التهم الشاعرية.. فلا هو بالدواهي.. ولا هو بالجزار.. أنه حامل رسالة حتى ولو جاء متمرداً ومتفردا بخصومته..

لمن يغني ويهجو؟

كل الغباوات تمدح

ما عاد للشعر معنى

ما عاد للفن مسرح

كل التعميم مسألة فيها نظر.. يوجد شعراء لشعرهم.. وفقراء بشعرهم.. للفكر وجهان.. إيجابي، وآخر سلبي.. والبقاء للأصلح.. الأماني بدأت تتعرى على هبات الخريف.. هكذا عنوان:

إلى أين أمضي يا زمان العجائب

غريب.. وأغراب.. وحولي غرائبي؟

سألت صدى الأيام عني فأومأت

وقالت. وقالت حسب نفسي فرائبي

أسير على مرأى الزمان وهمتي

تكاد تغني والليالي صواحبي

وألوي تباريح الزمان وألتوي

سر محب فوق كل المصائب..

أهد وأبني في النفوس معالماً

وما زال شأن الناس شأن المحاسب

لا عليك أن تبني.. حذار من الهدم.. أما الناس يا عزيزهم فرضاهم لن يدرك.. أتركهم لحالهم.. تحرك وجدان شاعرنا أمام أحلى معشوقة..

يا منى النفس في بقايا الحقيقة

أنت دنيا من المعاني الرقيقة

غادة زفها الوجود إليه

من دهور مغربات عتيقة

ملأ النور وجهها. ويديها

وتهادى على البقاع الوريعة

شدوه في الغصون آيات حسن

في فنون الأيام شمس سميقة؟؟؟

خطاب العشق يستحق أكثر من هذا توصيفاً وتوظيفاً.. أخيراً مع شاعرنا في رحلة سفر وردها أكثر من شوكها.. وإذا كان للكبر قدرته المحدودة على اجتياز الوعر وقد خط الشيب شعره.. فمن حق شاعرنا أن نتلمس معه بعضاً من شعيراته البيضاء في حب ومداعبة..

أعلى الشباب الغض أبصر شعره

بيضا تنافح عن جديب غثائي؟

تشقى لأشقى في الزمان ونبره

في راحتي يأوي إليه جفائي

ويتذكر زمن الصبوة.. والصفاء

ما زال في قلبي الصفاء كطفلة

سكبت لها الأيام فيض صفاء

ما زلت في عبث الصغار يقودني

صوب العثار على طريق غبائي

أبكي وأضحك في غريب مشاعري

ويظن بي رغم المرور بكائي

وأرى وأسمع كل معنى شارد

بيدي ملكت سعادتي وهنائي

لقد طمأنتنا أيها الصديق على نفسك، إنك رغم الشعيرات البيضاء ما زلت شاباً.. كذلك الشاعر الحكيم الذي قال عن نفسه

أبكي وأضحك لا حزناً ولا فرحا

كعاشق خطه سطراً للهوى ومحا..

كلنا ذلك الذي يفرح، ويترح.. انتهى

***

101 صفحة من القطع المتوسط

الرياض ص. ب 231185 - الرمز 11321 فاكس 2053338
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة