Culture Magazine Thursday  23/12/2010 G Issue 326
فضاءات
الخميس 17 ,محرم 1432   العدد  326
 
الرواية العربية وحصار المستحيل
د. شهلا العجيلي

لاشكّ في أنّ الاحتفاء بالإبداع الروائيّ صار تقليداً راسخاً في الحياة الثقافيّة العربيّة، وصارت بعض المحافل والملتقيات نقاط علاّم لبحث التقاليد الأصيلة لهذا الفنّ، ومستجدّاته، وظواهره، وآفاقه المستقبليّة. ومن هنا انطلق سؤال ملتقى القاهرة الخامس للإبداع الروائيّ العربيّ، الذي حمل سؤال: الرواية العربيّة، إلى أين؟

أعتقد أنّ مشروعيّة هذا السؤال تأتي من هذا التطوّر المذهل الذي بلغته الرواية العربيّة اليوم، والتي تعيش أزهى أيّامها، فالذي يقرأ النصوص الأخيرة لمجموعة من الروائيين العرب، ومن أجيال مختلفة، سيدهش لمستوى البلاغة الذي وصلته الرواية العربيّة، ولعلّ مصدر هذه البلاغة هو استواء أصول هذا الفنّ، وتمكّن الروائيين من التمثّل التاريخيّ لنتاجاته، إلى أن وصلوا إلى هذه البساطة في الأداء الفنيّ، المصاقبة لعمق معنى الحياة الذي يقاربونه في نصوصهم، والذين وصلوا إليه نتيجة وعيهم الفرديّ، المكوّن من الذهنيّة الليبراليّة التي امتلكوها نتيجة التعليم والمعرفة والخبرة الاجتماعيّة الجماليّة من جهة، والتي تناقض واقعهم الاجتماعيّ- السياسيّ الموسوم بالقهر والتخلّف والفقر والديكتاتوريّة من جهة أخرى.

لعلّ سؤال الملتقى: الرواية العربيّة إلى أين، لن يجد إجابة حاسمة، إذ ليس لكلّ سؤال جواب، لكنّه يحمل في ثناياه توجّساً من النهاية، ويمكن صياغته بطريقة أكثر علميّة على الشكل الآتي: هل استنفدت الرواية العربيّة إمكاناتها الثقافيّة؟ تلك كانت ورقتي التي شاركت بها في هذا الملتقى، والتي رأت أنّ إمكانات الرواية العربيّة للاستمرار مازالت قائمة، لأسباب عديدة منها مثلاً تحوّلها اليوم إلى وجهات نظر فحسب، ووجهات النظر هذه لا تهمّ الآخرين إلاّ بقدر ما يهتمّون بتصفّح بروفايلك على الفيسبوك، فإن لاقى معنى الحياة في بروفايلك أو نصّك بوصفك روائيّاً، معنى الحياة لديهم، اهتمّوا بك، وقرؤوك، وربّما تحوّلوا إلى مريدين لتكون مرشدهم الروحيّ. ولعلّ وجهات النظر تجاه الموضوعات التي حلّت اليوم محلّ القضايا كثيرة جدّاً جدّاً، ومصدر كثرتها هو موضوعات الحياة التي لا حصر لها، ووجهات النظر حولها، والتي لا حصر لها أيضاً، لذا تمسي محاولة الإمساك بها ضرباً من حصار المستحيل.

بعد أيّام ستبدأ فعاليّات الدورة السادسة من مهرجان الدكتور عبد السلام العجيلي للرواية العربيّة، في مدينة الرقّة السوريّة، هذا المهرجان الذي أضحى نقطة علاّم أخرى في حياة الإبداع الروائيّ، صارت معها الرقّة عاصمة من عواصم الرواية العربيّة، إذ شارك فيه على مدى السنوات السابقة، أهمّ الروائيين ونقّاد الرواية العرب، وقدّموا آخر منجزهم في نظريّة الرواية وتحوّلات الرواية العربيّة. وفي هذه الدورة ستناقش أربعون شخصيّة عربيّة موضوع «المحظورات في الكتابة الروائيّة العربيّة»، ولعلّ طرح مثل هذا العنوان يحمل جزءاً من الإجابة عن سؤال ملتقى القاهرة، إذ يشير إلى أنّ الرواية العربيّة ما تزال تمتلك مكامن، ولاشكّ في أنّ هذه المكامن خياليّة أو محتملة، وهي لا توجد إلاّ بقدرة الفنّ الروائيّ على تبديل المواقع بين المتن والهامش، فالمحظورات قائمة منذ قيام السلطة النسقيّة الأولى، لكنّ سطوتها ليست واحدة في المجتمعات العربيّة، وذلك وفاقاً للتكوين الثقافيّ التاريخيّ لتلك المجتمعات، ولما انضاف إليها من مفاهيم وممارسات أملتها القوى الاستعماريّة، وما تبعها من مسارات مختلفة لحركات التحرّر الوطنيّة، لذا تضيق دائرة المحظور في بعض المجتمعات العربيّة، وتتسع في مجتمعات أخرى لتشمل كلّ ما يتعلّق بالأعراف شديدة الخصوصيّة للملل والنحل التي تتكوّن منها هذه المجتمعات، كما أنّ المحظورات المحيطة بكتابة المرأة، تختلف في درجتها، وتصنيف أولوياتها عن مثيلاتها في كتابة الرجل.

نرحّب بالمشاركين في مهرجان العجيليّ، ونرجو أن تكون هذه الدورة إضافة نوعيّة، للكتابة الروائيّة العربيّة ولنقدها، كما كانت الدورات السابقة، ولعلّ التحديات تكبر كلّما تمكّنت تظاهرة ثقافيّة من الاستمرار والصمود أمام تهافت الإيمان بقدرة الثقافة على صياغة حياة أكثر حريّة، فالشكر كلّه لجميع الأيادي البيضاء التي تسهم في استمرار هذه الحالات المشرقة.

1523

حلب
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة