Culture Magazine Thursday  01/12/2011 G Issue 354
فضاءات
الخميس 6 ,محرم 1433   العدد  354
 
تجربة الانتخابات وفلسفة المساءلة والتقويم
سهام القحطاني

قلت مطلع الانتخابات إن الوقت مبكر لتقويم التجربة، لكن الآن حان الوقت لتقويم هذه التجربة بعد وصولها إلى النهاية بعيدا عن أي وجدانيات ووفق فلسفة المساءلة والتقويم التي نحرر من خلالها التجربة من مُلِزمات الخلاصات والتقارير، ودكتاتورية وجهة نظرنا، ونتيح لها التوسع عبر فضاء غير مجزوم من خلال نظام الأسئلة الذي يحث ولا يجبر ويظن ولا يؤكد ويستنتج ولا يقرر.

ولذلك فضلت وأنا أفكر في الكتابة عن «نهاية الانتخابات» أن أستعين بالأسئلة في عرض معطيات تقويم هذه التجربة؛ لأني لست متأكدة أنني أمثل «الذات العالمة» بالحقيقة، ولست متأكدة من «وضوح الذات المعلومة» بالنسبة لي، ولذلك ستصبح الأسئلة نظام حماية من التقرير المطلق والتأكيد النهائي، فلا أحد يملك «نهائية نقد أي تجربة وثبوتيته وكامليته».

كما أن هذه التجربة ستظل معلقة بأسئلة متعددة قد تتزايد كل يوم وفق ما سيُكشف من الأمور، أو قد تتناقص كل يوم كلما تبخرت الفقاعات الصابونية التي أضيفت بأصل الدائرة وتلاشت الأضواء التي حُسبت من أصلها.

لكن الأسئلة ستظل قائمة في حالتي الكثرة والقلة، أسئلة تتعلق بأصل التجربة وغايتها ومكتسباتها وتأثيرها على الخطاب الثقافي وفلسفة المساءلة بحديها التجديدي والاستحداثي رغم اختلاف ما علينا أن نقوله من الأسئلة وملحقاتها.

فهل علينا أن نقول: هل نجحت الانتخابات الأدبية في غايتها؟ أو نقول: ما الذي استفدناه من الانتخابات الأدبية؟ أو نقول: هل أضرت الانتخابات الأدبية بالثقافة؟ أو نقول: هل استطاعت الانتخابات الأدبية من تحقيق ثورة للثقافة السعودية؟ أو نقول: هل الثقافة ما قبل الانتخابات الأدبية ليست هي الثقافة ما بعد الانتخابات؟ وهذا السؤال يحتمل معياري الأفضل والأدنى.

وهي أسئلة تحمل مضمونات الإضافة والاكتساب والخلق والنشوء والتطور، كما تحمل مكِسرات الحلم ومرارة التناقص وضياع المكتسب المفترض وخيبات خاسر الرهان والحلقة الأضعف.

ومن الطبيعي أن نختلف في عدد سلبيات هذه التجربة أو قيم إيجابياتها نظرا لوساعة فضاء هذه التجربة وتعدد أنماط وجهات النظر المحلِلة لبنيتها وإجراءاتها.

وأسئلة خلقت أسئلة عبر الملفات المعلقة مثل ما هو مستقبل الاستحقاق الثقافي للمثقفة في ظل استمرار ولاية المثقف على صناعة القرار الثقافي؟

وما هو مستقبل النخبة الليبرالية في ظل سيطرة المثقفين المحافظين على مجالس إدارات الأندية الأدبية؟

وأسئلة خلقت أسئلة عبر المفاهيم التي ارتبطت بالتجربة؛ ما هي الديمقراطية الثقافية؟ ما هو الاستحقاق الثقافي؟، ما مفهوم وقيمة ودور التكتلات الثقافية والبرامج الثقافية والنزاهة والطعون في خلق أدبيات ثقافة الرفض والقبول للرأي الجمعي؟

ولا شك تظل صيغ أسئلة تقويم الانتخابات الأدبية متعددة الزوايا والرؤى، ليس لاختلاف وجهة نظر كل من الكاسب والخاسر نحو مصدر النتيجة فقط، بل لاختلاف وجهات نظر المراقبين لحركة تلك التجربة والمعطيات المبنية عليها التي عادة أو غالبا ما تتأثر بوجهات النظر لجهات التحالف المضافة إليها، وفي حالة استقلالية وجهات نظر المراقبين تتأثر رؤيتهم بالمعطى المفترض والغاية المفترضة والإجرائية المفترضة والعلاقة المفترضة بين عناصر الحلقة الفهمية لأصل التجربة وفاعليتها.

وإضافة إلى الأطراف السابقة في الحلقة الانتخابية؛ أي الخاسر والكاسب والمراقِب كل يحضر بمعطياته وأدوات تقويمه هناك «المقوِم للنتائج» الذي قد يمثل طرفا رابعا وهو بدوره يحمل معطيات وأدوات قد تتشابه مع أطراف الحلقة الرئيسيين أو تختلف لكن لا يمكننا «تجاهل تقويمه» للتجربة وخاصة في حالة التشابه؛ لأن الكم هنا لا يعني «تكرار المعطى وناتجه» بل يعني «تأكيد المعطى وناتجه».

وأظن أن أنسب نظام تقويم للتجربة إذا تعددت أعضاء حلقتها هو نظام الأسئلة.

ولذلك وجب علينا -أو هكذا أعتقد- تقويم هذه التجربة وفق سلسلة من الأسئلة تفتح فضاء هذه التجربة ولا تسوره بقرارات جازمة؛ لتظل التجربة قابلة للكشف والاكتشاف والحفر وتنقية الترسبات؛ لأن كلما ابتعدنا عن أغلفة تأثير التجربة علينا زادت موضوعيتنا في تحليل جوهرها، فالأسئلة مفتاح جوهر التجربة.

كما أن نظام التقويم بالأسئلة «قانون الدلائل» يتيح تعدد بناء التصورات الفكرية لفضاء التجربة المعروض، إضافة إلى أن الأسئلة لديها ملكة تمثيل الأشياء بمخصصاتها المختلفة الاسمية والصفة والحالة.

وهكذا سنجد أنفسنا عبر نظام التقويم بالأسئلة أمام عدد من المجموعات الجزئية المنبثقة من خلية البنية الواحدة، وكل مجموعة لها مسماها الوصفي المستقل تصورا والمرتبط بعلاقة مع وحدة بنية التجربة، وهذا النظام يوسع فضاء التجربة بتعدد التصورات ويجعلها قادرة على التمثيل التأريخي للحدث الخاص والمختلف.

وقبل ذلك يعلمنا هذا النظام أن لا أحدا يملك معرفة الإجابة المطلقة لتقويم التجربة وأن تقويم التجارب هي «حق متاح» لأن المصلحة عامة والانتفاع بموجبها «شراكة جمعية».

وأن نتائج ما نملكه كأفراد من معطيات لا تساوي «الحقيقة» بل هي «مراتب» لا تخضع للصواب والخطأ بل «للنسبية المعقّلنة» التي تخضع لقربها أو بعدها عن «المنطق النسقي» الممثل «لسلم تقدير الأمور» التي تحدثت عنه في مقالتي»نسقنة الانتخابات وولاية الأديب».

كما أن تطبيق «تقويم نتائج الانتخابات وفق نظام التقويم بالأسئلة» يبعدنا عن الوقوع في «فخ الثنائيات» وتعليق تقويم التجربة بالفشل أو النجاح، وإن كانت إستراتيجية الثنائية كمعيار «اقتضائي وقضائي» مُلزِم في السجل التاريخي مع تقادم التجربة وتكرارها.

لكن تدوين التجربة «على ذمة التاريخ» بقلم من حضرها وتقويمها النهائي برواية من خضع لها وكسب منها أو خسر، لا يضمن أمانة النقل والعقل وعدالة التقويم والتقرير.

لذلك يجب أن يظل التدوين التاريخي لقيمة هذه التجربة بعيدا عن من حضر التجربة وخضع لها حتى تستقيم التجربة ويقوى عودها ويُشد عضدها لتدافع عن نفسها ضد أي تلفيق أو تزييف؛ لأن التاريخ بلا لسان ولا بينة والحقيقة داخله أحادية وصامتة خرساء والرؤية الممثلة له عمياء لا ترى لا تسمع لا تتكلم.

لكن على مستوى الكائنية الأمر مختلف فالتلفيق جائز والتزييف مباح لأن البينات الكاشفة للتلفيق والتزييف ما تزال حاضرة في الذهنية المتفاعلة وهو ما يعني أن إمكانية الاستعانة بالمرافعات الدفاعية لأطراف الحلقة الانتخابية عن حقوق حقيقة التجربة الآنية وملابساتها وقيمتها في حالتي وقوع «شبهتي أو جنحتي التلفيق والتزييف» وتصحيحهما وفق «النسبية المعقلنة» التي تخضع لقرب أو بعد محيط «المنطق النسقي» المهيمن على أصل التجربة وإجراءاتها.

إن تقويم هذه التجربة وفق «فلسفة المساءلة» يعني أن الاستدلال على القيمة يلزم البحث لا التقرير، وفي الأولى نحن نقف أمام متعددات من الظواهر والمعطيات التي تنتج لنا معادلات متكافئة ليس على مستوى الأحكام أو ثنائية المعايير، بل على مستوى تقدير مقولات الاستدلال.

وفي الثانية نُجبر على الوقوف أمام أحادية الظاهرة والمعطى الذي يقرره لنا فاعل السلطة كخدعة ضوئية وصوتية، لنحوّل التجربة إلى ثنائيات ومنظومة من الأحكام.

والمساءلة هنا ليست نظاما قضائيا يوجب تقويمها حدا للعقاب أو إعلانا بالبراءة، وليست مقررا يوجب تقويمها بداية مفروضة ونهاية ملزمة بالوضوح. وليست معيارا يوجب تقويمها الحكم بالفشل والنجاح.

بل المساءلة نظام «التحقيق في الوقائع الثقافية ومعطيات نشوئها وارتقائها وأثرها على تغير بنيات العقل النسقي» مستعينة بالأسئلة كأدوات إجرائية لكشف ونقد ما يُحسب على «خطاب الحقيقة» أو ما يدعي «الماهية المتعالية لبنية سلطة الفاعل الخادعة» و»اليقين الضروري لِم يُعتبر ميثاق للصحة والتأكيد الضوئي والصوتي».

وأخيرا أشكر وزارة الثقافة برعاية معالي الوزير الدكتورة عبد العزيز خوجة، وكل الذين أسهموا في تفعيل هذه التجربة وتمثيلها. وهو شكر بلا شك لن يمنعني فيما يعد من «نقد نقاط ضعف «هذه التجربة من باب أيضا» فلسفة المساءلة والتقويم».

وكل تجربة ديمقراطية والثقافة السعودية بخير، ولا يزال الحديث عن الانتخابات مستمرا.

جدة * sehama71@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة