Culture Magazine Thursday  01/12/2011 G Issue 354
فضاءات
الخميس 6 ,محرم 1433   العدد  354
 
ملهاةُ الانتخابات الأدبيّة
قراءةٌ في الوقائع والمراجع
ياسر حجازي

أيلولةُ اللائحة الفادحة أنَّها بارحةٌ، أنّ أهلها ليسُوا بغافلين عن ثغراتِها، هفواتِهَا، هزالة متونِهَا؛ أمّا العلّةُ في قبولها لدى طائفة هو الظنُّ بغاياتهَا ومعانيها في اختلاقِ ما يُشبه الديمقراطيّة (المفصّلة).

دأبُ أيّ تجربةٍ في باكُورتِها أنّها تتقلّب في مَخْدعٍ واحدٍ بين مُناصرةٍ ومُنافرةٍ؛ خصمان يحتكمان إلى موازين مختلفة من جدلٍ، إنْ كانَ بصيراً مُخْلصاً لأفضى إلى إبصار وازدهارٍ، فما التوافقُ إلاّ من سماتِ الصراع الثنائيِّ الداخلي الإنساني، وإنْ كانَ جدلاً مبعثه العماء (الأنَاويّ) لأَوْدَى بطروحات كلا الطرفين إلى التهلُكةِ، ثمّ إلى زوال. واليوم، وقد أتمّت وكالة الثقافة طوافها على الأندية الأدبيّة كلّها في ستّة أشهر حسوماً، وعلى رأسها (عمامة التصويت الإلكترونيّ)، مُلزمة به الأنديّة الأدبيّة بعد شرط تعجيزي (بتصويت ثلثي الجمعيّة على إلغائه، والحق أنّ تصوّت الجمعيّة على إجازته، وليس على إجازة الأصيل/التصويت الورقي)، هكذا تمّ اعتماده، كأنّه (مُنزَّه وهو النقيصة الكُبرى) فأوجست خيفة وريبة -ولا تزال- صدور الخاسرين والمراقبين.

(نصف سنة إذَنْ)، لم تكن هيّنة على الوزارة والوكالة، مُرشّحي المجالس الإداريّة، المثقّفين المنشغلين بالشأن الثقافي، وإذْ بنا جميعاً ننهلُ من معين التجربة بين مُناصرةٍ ومُنافرةٍ، بين تقويمٍ وتسليمٍ، في حراكٍ جدَليٍّ (لا يُعرف بعد إن كانَ ثنائياً خلّاقيّاً أو أَناويّاً عقيماً)، بيدَ أنّه دُرَّةُ هذه التجربة في عصرتها الأولى؛ إذْ اتَّسعَتْ مفاهيم الرأيين المتضادّين والتقويم والنقد بين المسؤول والمثقّف، سعتذاك ازداد هامش الحريّة على صُعد الوزارة والكُتّاب والصحافة.

أَفَلَتِ الانتخاباتُ إِذَنْ، بعد إطالةٍ، وعطالة في العمل الثقافيّ الأدبي الذي نذرت الأندية نفسها له فشحّت برامجها، ودار سؤالٌ: (أكانت بروبوغندا تضليليّة أم محض صدفة؟!)، ولعلّنا نأخذ من الإطالة مدخلا لقراءة موجزة لبعض وقائع ما حدث.

واقعة الإطالة-الفترة الزمنية للانتخابات: غفلت اللائحة عن تحديد موعد انتخابات موحّدة في جميع الأندية، فانتخاباتنا -على ضآلة عديد منسوبيها- غدت الأطول في تاريخ الديمقراطيات، (لعلّها تُدرج في موسوعة جنيس للأرقام القياسيّة).

حسناً، من المستفيد من هذه الإطالة؟ وأيّة حجّة قد تساق الآن بشأن محدوديّة الإشراف! كأنّ البلاد لم يعد فيها من العباد ما يؤهّلهم من إجراء انتخابات بسيطة في كافّة الأندية الأدبية في فترة واحدة، فنقصّر علينا الوقت، ثمّ نلتفت إلى ما ينفع الثقافة والمثقّفين، بدلاً من إضاعة نصف سنةٍ فيما يمكن فعله بأيّام معدودات.

هل أثّرت الإطالة في استيعاب أسئلة الوجود الملقاة في ميادين المدن العربيّة المضطربة؟

هل ثمّة مصادفة تاريخيّة بين (الخريف/الربيع العربي) وبين (ملهاة) الانتخابات الأدبيّة؟ سؤال نلقيه إشعاراً منّا بحجم المخاطر التي تحيط بنا، إن لم نلتفت مثقّفون، مفكّرون، أدباء أكاديميون، لقراءة المرحلة العربيّة الراهنة وما هي السيناريوهات التي يرسمها الغرب.

**

واقعة الإقصاء والعزوف/ شُحّ الالتحاق بالجمعيّات العموميّة: عِلَلُ هذه الواقعةِ تتوزّع بين: (1) مُعترض على اللائحة، وبين (2) مَنْ لا يعترف بالثقافة المؤسّساتية كراعٍ مؤهّل، وبين (3) الإقصاء الذي مهَّدَتْ لهُ هزالة المادة الثالثة/العضويّة: (مؤهّل علمي يُحدّد مستواه مجلس الإدارة/أو مؤلّف أدبي)، فتُرِكَ للمجالس أن تُحجّم الجمعيات/تُدخل من تُريد وتقصي من تُريد، فتمّ إقصاء المثقّفين، وفق التأويلات الفردانية للمادة الثالثة الهزيلة.

إن تعديل هذه المادة اشتراط أساس لمن شاء أن يطوّر العملية الانتخابيّة، فإقصاء المثقّفين يشلّ كل مواد اللائحة التي تحدّثت عن الثقافة، فكيف أقصوا كتّاب الرأي، أعمدة الصحف، المفكّرين، الباحثين، وغيرهم؟ وهل يجبُّ المؤلف الأدبي المؤلفّات كلّها: الفكريّة، الفلسفيّة، السياسيّة، نقد الخطاب الديني، الإصلاحيّة، حتّى يُكتفى به؟

ألقت هذه الواقعة بثقلها على المنشغلين بالشأن الثقافي ما لا يمكن تجاوزه، فإنّ من معانيها (دلالة الرفض) أو (دلالة الاستفتاء المضاد) لمشروعيّة الأندية كحاضنة لمشروع ثقافي؛ وهي دلالات تعني وزارة الثقافة، أكثر ممّا تعني المثقّفين (المستقلّين)، الذي لم يلتحقوا بالجمعيّات؛ وأوحى امتناعهم باستفتاء يميل إلى كفّة (المعتزلة الجُدُد)، معتزلو رسمنة الثقافة ذات الأجندة المغايرة كليّاً لتطلّعاتهم وآمالهم، في بلدٍ ما زالت مسألة التعدّد –الذي هو نعمة وجوده- تكاد لا تبين في الأثر الثقافي، والمشاريع الإصلاحيّة. والعزلةُ -ههنا- ليست فعل يأسٍ من ثقافة مستقلّة، بل فعل يأس من ثقافة تابعة، محروسة بأمر أولى النهى والوصاية، هكذا يكون الاعتزال موقفاً من مَأْسَسَةِ الثقافة ورسْم َنَتِهَا وتعليبها، هكذا يكون الاعتزال استفتاءً لأهليّة الثقافة التعدّديّة الباحثة عن قنوات أهليّة أخرى غير الثقافة المؤسّساتية، التي لم تفلح بعد أربعين سنة (في أدبي جدّة مثلاً) أن تجمع ما يزيد عن مئتي عضواً في جمعيته، يعترفون بنجاعة التجربة وضروريتها.

**

واقعة التصويت الإلكتروني: لعلّها الطامَّة الكبرى، فتدخّل الوكالة بتعديل المادة 13 لإلزام التصويت الإلكتروني أضرّ بالانتخابات وجرح فرصة وصفها بالنزيهة، فهو تعديل يخالف مواد عديدة، تتعلّق: (بالسريّة، والفرز والعد، وشخصيّة الناخب: المواد 4، 14، 15)، إذ إنّ مهندسي التقنية مطّلعون على أسماء المقترعين, ولديهم (القدرة) على التدخّل بالنتائج. وهذا التعارض يُفْضِي ببطلان التعديل الذي طرأ لإقحام بدعة التصويت الإلكتروني، فلا يمكن الاستغناء عن السرية أو شهادة الفرز والعد، أو المادة 14 وهي في غاية الأهمية، وبقاؤها وتفعيلها يدعم مبدأ النزاهة، وبما أنّ التقنية الإلكترونية لا تحقّق السريّة فإنّها لا تصلح للعملية الانتخابية. كما أنّ نهاية المادة13 التي تقوّض حق العضو بانتخاب أعضاء المجلس جميعهم، وتخوّل جهة الإشراف بشرعنة عدد الأصوات، متخطّية الجمعيّة (التي لا يُعرف لها صلاحية)، بيد أنّ الحجّة من الانتخابات -أساسا- هي انتخاب العضو لجميع أعضاء مجلس ناديه بما فيهم الرئيس، بغض النظر عن عدد الأعضاء, على أن يتقدّم الطامع للرئاسة بترشيح نفسه أمام الجمعيّة، لا أن تكون مفاجأة في اللحظة الأخيرة.

كيف يُعقل أن يُحجب حقّ أعضاء الجمعيّات بانتخاب رئيس ناديهم، ليُتْركُ أمر الرئاسة بيد مجموعة صغيرة داخل المجلس (بين خمسة إلى ستّة). أليس في ذلك تهميشًا لأعضاء الجمعيّة، يجعل حضورهم مسرحيّاً إلى حدّ ما. واقعة القوائم/التكتّلات: المادة/20/4 ..(لا يجوز الاتفاق بين المرشحين على قوائم انتخابيّة موحّدة أو التضامن فيما بينهم..)؛ كيف يُضبط هكذا اشتراط، فعدا عن كونه غير واقعيّ، فإنّه يُناقض العمليّة الانتخابيّة، التي تستند أساساً على وحدة البرنامج/ المشروع بين مجموعة من المثقّفين المتقاربين في وجهات النظر، وإلا فإنّ دخولهم المجلس فرادى يُبقي عمل الوصي عليهم، إذّاك فإن تعديل هذه المادة ضروريّ لإكمال المعنى الانتخابيّ، فالواقع لا يؤهّلك منع (التكتّل)، ممّا يعني أنّ عدم شرعنة التضامن يعطّل (فقط) مَنْ يتوسّمون الانضباط باللائحة وتضعهم في مواجهة تنافسيّة غير متكافئة، وهذا ما طغى على جميع الانتخابات.

ولعلّ وجود مؤتمر للانتخابات لأيام معدودات، يجمع أطراف العملية الانتخابيّة، وتتوالى فيه المناظرات والمشاريع، بحيث يطّلع العضو على مشروع المرشح وأسباب ترشّحه، سوف يزيد العملية الانتخابيّة قيمة بين مشاريع ثقافيّة متنافسة، وبين تيارات وتحالفات علنية.

**

واقعة الجمعيّات العموميّة: بقراءة اللائحة كلّها تجد أنّ الجمعيّة العموميّة مسلوبة من صلاحياتها التي هي علّة وجودها، وبالكاد تستشفّ لها صلاحيات محدودة، هي أقرب للمهام، ولم تشر اللائحة إلى آليّة تنفيذها، وهي مهام لا تناسب استقلاليّة النادي المزعومة (مادته الثانية)، فأمُّ الاستقلال صلاحيّة التشريع، إذّاك نتساءل: أين المواد التي تؤسّس لإنشاء هيئة إشرافيّة داخل الجمعيّات، وكيف تكوّن لجان المراقبة والمتابعة؟!

إنّ المادة37: (تعد هذه اللائحة نافذة المفعول من تاريخ إقرارها من الوزير، (وله) صلاحية تفسيرها وتعديلها) تسلب علّة وجود الجمعيّة واستقلاليّة النادي، فالمقترح أن الصلاحيات هي من اختصاصات الجمعيّة، وعليه تعدّل المادة، وكذا حال المادة 38، وأي مادة تتعارض مع استقلاليّة النادي، أو الإنقاص من صلاحيات ومرجعية الجمعيّة العموميّة.

فليس في اللائحة الحالية ما يدعم مفهوم الاستقلال، أو قوّة صلاحيات الجمعيّة، ورئاسة الجمعية، وهيئة الإشراف، ولجان المحاسبة والرقابة، أين حقّ الجمعية في انتخاب رئيس ناديها ونائبه؟ وما هي آلية اعتماد النتائج وقبول الأعضاء..إلخ.

**

واقعة تهميش المرأة كشفت لنا الانتخابات ضرورة اللجوء لمفهوم النسبيّة والمحاصصة بين المناصب القيادية الأربعة داخل المجلس، وما يمكن أن نضيفه ههنا، لم نشِر له في مقالنا المنشور في الثقافيّة عدد (353)، هو فكرة تدوير مناصب النيابة والماليّة والإداريّة، مع بقاء منصب الرئيس لانتهاء مدّته، إذّاك تبقى الفرصة متاحة لمنح المرأة استحقاقها في القيام بالدور المكمّل والمتمّم والذي يُضفي قيمة على الأندية الأدبية، وما أحوجها لهكذا قيمة بعد أن اهتزّت بسبب إفرازات الانتخابات.

**

ختاماً: إن الاحتفاء بالتجربة فقط من باب كونها ظاهرياً إحدى أدوات الفكر الديمقراطي، لهو احتفاءٌ طوباويٌّ عجولٌ، إذْ إنّ قراءة لائحة الأندية الأدبيّة تكشف عن تناقضاتٍ في بعض موادها لا تُحلّ بمجرّد التعديل، وكنتُ على الظنّ أحسب أنّ اللائحة تحتاج إلى تعديل في موادها، حتّى تبيّن بعد المراجعة الدقيقة، ثمّ الوقوف على علل المواد، خلو بعضها من الدلالة، واتساع آفاق تأويل بعضها الآخر، وغياب مواد تأسيسيّة إلزاميّة، جعلني أعدل عن فكرة التعديل لصالح فكرة المطالبة بإنشاء لائحة جديدة على أنقاض القائمة، لائحة تبيّن في موادها: صلاحيات الجمعيّات العموميّة، وكيفية إنشاء هيئتها الإشرافية، اللجان، صلاحيات مجلس الإدارة، مواعيد الانتخاب؛ ولعلّ القادم من الأيّام يأذن لنا بتقديم قراءة لبنود اللائحة لتبيان عدم نجاعة التعديل، مقابل المطالبة بتأليف لائحة جديدة.

Yaser.hejazi@gmail.com جدة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة