Culture Magazine Thursday  06/10/2011 G Issue 349
مراجعات
الخميس 8 ,ذو القعدة 1432   العدد  349
 
استراحة داخل صومعة الفكر
منطق الطير
سعد البواردي

سالم بن رزيق بن عوض

84 صفحة من القطع المتوسط

الكائنات الحية تنطق ولكن بلغتها التي تفهمها ولا نفهمها.. إنها تُسبح.. عرفها النبي سليمان منذ القدم.. وأدركها من بعد المهتمون بعلم الأحياء بلغة الحيوان إشارة لا عبارة.. حتى النمل ذلك الكائن الصغير.. حتى الجبال تخر خاشعة أمام الخالق جل شأنه:

ماذا قال شاعرنا عن منطقها؟ وماذا أعطى من دلالات جديدة على منطقها ونطقها؟!

بداية بالطير المغني يخاطبه بلغة الأمر أن ينطلق، وأن يشدو بأغنيات الربيع:

انطلق صوب بساتين الطبيعة

أيها الطير الذي غنى ربيعه

وتهادى فوق طهر المنحنى

واسمع الدنيا اغاريد رفيعه

واملأ الأشواق أشواقا وكن

في مدى الأيام انساما مطيعة

بعض ملاحظات أعرضها ولا أفرضها على شاعرنا أحسبها أجدى.. وأقرب للصحة.. الواو في (واسمع) زائدة تربك إيقاع الشطر.. ثم واملأ الأشواق أشواقا.. يحسن أن تأتي على النحو التالي «املأ الأسماع أشواقا» ومفردة «أنسام» غير مناسبة الأجدر «أنغاما»

أيها الطير الذي زف المنى

هذه دنياك ازهار رضيغة

خذ أهازيجي التي أزهو بها

وانطلق صوب بساتين الطبيعة

أبيات مجتزأة من نجواه مع الطير لم يستنطقه.. وإنما رغب إليه أن يغرد.. والطير لغته التغريد لم يتوقف.. ولم نستبطن بعد مفردات تغريده الا أن تكون أدوات تعبير مغلقة على فك شفرتها..

انتهى الطير بمنطقة.. وبنطقه الغامض على فهمنا على الأقل.. ومنه يأخذنا المسار نحو «لبنان» في خطاب اعتذار:

تنأى الصوت.. واحترق الوشاح

وفات الفوت، وانتفض الجراح

«تنأى» تكتب هكذا «تناءى» حتى لا تفهم أنها بمعنى «تترك» و»فات الفوت» الأقرب «وفات الوقت» ثم «وانتفض الجراح» صوابها وانتفضت جراح.

كأنا في جبين الدهر دهر

تدور بنا على قلق رماح

«الدهر دهر» كمن يفسر الماء بالماء، قل «الدهر قوم»

تهدهدنا رياح عاتيات

وتسفحنا على الدنيا رياح

دهانا ما دهى لبنان طرا

وشمر في مرابعنا الكساح

موات جامح يعلو مواتا

وفي لبنان للموت البراح

مسافات تغطيها قبور

وأشلاء وأتراح فساح

أبيات وصفية معبرة تقول إن الهم مشترك.. والجرح الذي عانت منه لبنان الحبيبة هو جرحنا لابد من ضماده:

نبيت نبيت في نفق طويل

ويمطرها من الوغد السلاح

وهذا ما عناه شاعرنا في عنوان قصيدته «لبنان الحبيبة سامحينا» إنه وللبيات في النفق الطويل يطلب المسامحة.. والعذر:

فعذر ثم عذرا ثم عذرا

لنا الدعوى وفي يدك الكفاح

الدعوى يقصد بها الإدعاء الذي لا يبل ظمأ، ولا يروي غليلا.. ولا عليلا..

«خالُ الجمال» ماذا يعني بالخال؟

يكفي بأنك للجمال مثال

وعلى محياه الرفيع الخال

في الشطر الأول خطاب لمعلوم.. وفي الثاني خطاب لمجهول.. وكي يتوحد الخطاب أبدل كلمة «محياه» بـ»محياك» أما الخال هي تلك الحبة السوداء التي تأخذ مكانها في الوجه.. ويطلق عليها «حبة خال».

تبدو على طهر الوجود سحابة

بيضاء تقوم لأجلها الآمال

وتفوح من طيب الحديث عذوبة

تجري بحسنك رقة ودلال

ويستطرد قائلا:

يا أنت يامعنى التناهي في المدى

يا عالما يرنو إليه محال

يا لحن ألحان الجمال.. وصوته

يشدو بحبك في الوجود خيال

شمس على وجه النهار مضيئة

وعلى ترانيم الرياض غزال

المحال يا عزيزي لا يرنو إلى العالم.. اقلب الصورة يستقيم المعنى.. قل مثلا «يا عالما لا يحتويه محال» ثم «لحن الحان» قل.. «يا لحن قيثار الجمال وصوته» أخيرا «غزال» دخيلة على السياق.. أبدلها بكلمة «وصال».

شاعرنا سالم بن عوض شارف على مرحلة الخريف.. له منا الدعاء بعمر سعيد غير مجهد لا مكلف»

أمشي وتنحرني الأيام والعُصُر

ويلتقي في فؤادي الليل والضجر

العُصُر جمع عصر.. يمكن أن يقوم هذا معمر في عمر نوح.. أما نحن فعصر واحد يكفي لطي صفحة العمر.. أبدل «العصر» بالعُمر..

مسافر سفرا يغري مغامرتي

لولا الضياع ولولا التيه والسفر

أعطي القيادة آمالا واتبعها

لكنني في خريف العمر انتحر

لا أحد يريد لأحد أن ينتحر.. قل «اصطبرو» من الصبر، والجلد.. والإيمان بأن لشمس العمر ذبول فأفول.. ويسأل:

بماذا يحدث من جاء يسأله وبين عينيه صور البشر يقدسون القرابين؟ وبماذا يحدث عن لونه وقافيتي حتى وقافلته.. قل لمن سأل.. هذا هو عالمنا المسكون بعجائبه، وغرائبه، وأناسه، ودع السؤال عن اللون فالسواد في البشرة لا يعيبها ولا ينتقص من قدر صاحبها.. السواد في الطباع هو المأخذ على لون أية بشرة.. المسك أسود كلنا نحبة..

فارس الرحلة يرنو إلى الصباح في اشتياق.. وفي عناق يرصده عبر شعره ومشاعره:

ملأ الوجود سعادة وجمالا

وعذوبة، وحلاوة، ودلالا

وسماحة تعلو الوجوه سماحة

وبراءة، وبراعة، وحلالا

وطهارة في نفس انفاس الدنى

ونضارة، وحرارة، وكمالا

بكل هذا التوصيف والتوظيف للمفردات استقبل صبحه.. المباشرة في قصيدته تطفو على سطح أبيات شعره إلى درجة الإرهاق.. ثم ما علاقة الصبح بالدلال.. وبالسماحة التي تعلو بسماحة مثلها.. اقترح إبدال الدلال بالوصال.

وسماحة الثانية ببهجة.. أخشى يا عزيزي عليك وعلينا غضب الصباح حين نفتعل مخاطبته دون أن تمنحه سلامة التعبير والتصوير الانفعالي.. ألست القائل:

تكسو الرياض سعادة لا تنتهي

وتريق في ألق الرياض نوالا

وترى الطيور الحالمات نواعسا

فتصب في نغم الطيور زلالا

كيف هذا؟ نوال يراق: وطيور ناعسة حالمة في الصباح! ثم النغم ليس سائلا يصب إنه صوت ناهيك عن الزلال!

عن سيد الخلق صلاة الله وسلامه عليه قال:

بأبي، وأمي، أحمد المختار

شمس الحقيقة سيفها الخطار

قل «سيفها البتار» لا الخطار.

ومعينها الأسنى يذوب عذوبة

وكريمها، وعظيمها المغوار

إلى أن يقول:

بأبي، وأمي لك تشرفت الدنيا

تأوي إليه، وتزدهي الأعصار

أبدل «الدنيا» بالدنى، و»الأعصار» لا تحقق المفهوم للعصور.. قل مثلا «الأقطار» أو «الأنوار»

يا من أتيت مبشرا، ومخوفا

ضاقت بهديك طغمة فجار

مخوفا جملة ثقيلة الظل لا تصح في موقف كهذا قل «مبشرا، بل منذرا».

يسترجع شاعرنا حال القوم في عصر الجهالة:

عجبا لقوم، والعجول تقودهم

ويسوقهم عبر الضياع خوار

عكفوا على وجه الصليب وأوقدوا

نار الضغينة.. هاجت الأفكار

أبدل «هاجت الأفكار» بـ»ضلت الأفكار» ويختتم مقطوعته بهذا البيت:

فاهنأ حبيب الحق ينبوع الهدى

أنا على صلف الهدى أنصار

لن تكون أبداً يا عزيزي أنصار صلف.. قل على «نهج الهدى» أو درب الهدي..

يعود بنا شاعرنا إلى منطق الطير من جديد.. شاهد بأم عينيه حمامة تبكي فشاركها مأساتها!

يا لتلك الحمامة المسكينة

تتوارى خلف الدموع الحزينة

ترتوي من مشارب اليأس كأسا

ينتشي في عروقها المسنونة

مشارب اليأس لا تبعث على الانتشاء وإنما على البكاء.. ثم للمرة الأولى أعرف أنه يوجد للحمامة عروقا مسنونة!!

شرقت في هدوئها في هدوء

ترقب الفجر والدروب الأمينه

هدها في الرياض صوت هديل

يتهاوى على المروج الحنونه

يعزف الطهر في ثنايا الأماني

ويغني لكل نفس قمينه

شرقت في هدوئها في هدوء، تكرار ممل دعها تشرق في مسائها.. ثم لماذا أوقفت الغناء لكل قمينة.. هل لقبحها تستأثر بغناء الحمامة؟

خلصنا من الحمامة الباكية انتقالا إلى عزف على وتر مهترئ.. عنوان مثير للفضول والانتباه.. ماذا يقول شاعرنا؟

خلف أيامي أعيش العمر وحدي

سافحا نفسي وانفاسي وجهدي

سافرا عن لون الواني عسى

ألتقي رشدي، ويلقي الدرب رشدي

جميلة هذه المقدمة الشعرية.. أعطنا منها المزيد

أسأل الوهم الذي يحتاجني

وأغض الطرف عن قبلي وبعدي

الثواني هوجت من خطوها

تسأل الأنفاس تخفيها وتبدي

لم أكن فيها سرابا خافتا

كان نجمي يحتمي من خلف جلدي

ويستمر في مقطوعته الرائعة:

داهمت نفسي ملايين القنا

وأضعت الخطو في عشقي وودي

المنايا ترتدي من مهجتي

طيب الشكوى وترميني وحقدي

كل شيء في وجودي خائف

أمنت نفسي، ويبقى الخوف عندي

ثارت الدنيا، ونفسي والمدى

والليالي الحراس في الأكوان ضدي

أكاد لا أصدق وأنا أقارن بين قصيدتك المليئة بالحياة والحيوية.. وبين أخواتها اللواتي يتوكأن على أكثر من عكاز لضعف بنائها وبنيتها...

شاعر يقف مع الفيلسوف وقفة لا تخلو من تعجب!!

أعجم الحرف في الفم

كيف للشعر ينتمي؟!

كيف يقتاد عالما

والمدى في الورى عم

فيلسوف بلاهدى

حاذق بالهوى رُمي

شاعر لا يرى سوى

نفسه في التوهم

تنسج الريح ثوبه

والوني فيه يحتمي

وأيضا قصيدة ثانية ولدت بروح مكتملة العناصر.. مررنا بالحمامة الباكية.. ماذا عن الطير الحزين؟

لمن يغني ووجه الحادثات قفا

والذل يكتسح الآفاق الدِّيما

الشطر الثاني يحتاج إلى جبر.. ولجبر كسره لابد من إضافة حرف الواو.. أي والدِّيما

والناس ما بين مفجوع بحاضره

وغافل يسحل الأخلاق والقِيما

وتشرئب إلى إذلاله محن عطشى

يسافر في اقادها نهما

أقول له ما قال شاعر قبله:

أعد نظرا يا عبد قيس لعلما

أضاءت لك النار الحمار المقيد

أعِد بيتك على النحو التالي:

وتشرئب إلى إذلاله محن

عطشى يسافر في إيقادها نهما

«قليل ما يجود» عنوان.. ماذا وراء العنوان في رباعيته؟

إذا الدنيا رمتك بقوس مكر

ودار عليك في الناس الزمان

بأحداث جسام ذاهبات

وأحوال يزجيها الجنان

ترى الدنيا جحيما لا يوارى

ويبصر وجهك الذاوي السنان

ترى فيك التصدع والتواني

وثار عليك في الدرب اللسان

ويضيف :

نصيرك في زمانك كل قلب

تغنى في مرابعه القيان

هديل حمائم الدنيا كريم

وأنت مغامر صلب صوان

يغني فيك إقدام وفجر

ويسمو فيك في الأفق العيان

هذا كل ما أوحى به وباح لطائره الحزين.. أما الطير فمجرد متلقٍ..

«رمضان سيد الشهور» له معه وقفة:

رمضان أقبل ضاحكا ريانا

يهدي القلوب محبة وحنانا

ويسلسل النغم الجميل عذوبة

يطوي وينشر في الوجود جنانا

رمضان يا عزيزي شهر كريم لا يطوي أبدا وإنما يمنح.. أبدل مفردة يطوي بيعطي..

هذي نفوس المسلمين تسابقت

نحو الإله تسابق الأزمانا

تسعى إلى الله الكريم وترتقي

تسمو على وهج الحياة جنانا

ترتقي، وتسمو معناهما واحد.. افضل ابدال ترتقي بـ تلتقي إنها أنسب

يا خير شهر في الوجود سماحة

وعبادة، وضراعة، وضمانا

اجمع شتات المسلمين بدينهم

ودَعِ القلوب تعانق الإحسانا

وأخيراً.. مع آخر محطات رحلة الاستراحة مع «الحمامة» من جديد أن يحبها.. إنها رمز السلام المظلوم في هذه الأرض.

ما للحمامة تبتدي وتعبد

وتكاد تشرق بالدموع خدود؟!

ما للحمامة تشتكي من دهرها

ونشيجها في الخافقين يزيد؟!

أقول لك لماذا تبكي؟ لأننا نذبحها.. ونأكلها، ونهزأ برمز السلام الذي تمثله!

يبكي بها الحزن الحزين وينتشي

يفضي بها في أفقه الترديد

كلنا نعلم أن الحزن حزين.. وكأنما نؤكد المؤكد.. ابدل مفردة الحزين الثانية بـ العنيف، أو الشديد. أو المرير.. أيها يحلو لك..

وترى الرياض فلا ترى إلا الصدى

وعلى الرياض تجهم الغِرِّيدُ

وترى الجداول لا ترى من حسنها

إلا السراب على المياه قعيد

السراب لا يكون على الحياة.. بل على التراب.

حيرى يهدهدها الزمان بثقله

ومن الزمان نفائس وحديد

قد كنت أحسب للطيور عزيمة

تسمو بها فوق الأنام بنود

المناسبة تعني الحمامة أبدلها محل الطيور رغم أنها طير.. هذا من حقها.. أخيراً يخاطبها:

فدعي الكآبة والسآمة للورى

وترنمي.. فالسابحات تجود

لا أدري ماذا يعني بالسابحات.. ما يعنيني قوله لشاعرنا الكريم سالم بن رزيق بن عوض شكرا لله وكنا في رفقتك الجميلة من خلال ديوانك «منطق الطير».. ألفت نظر الصديق إلى أن جل أبيات شعرك تنتهي بعلامات تعجب لا مكان لها من الأعراب(!!) يحسن حذفها.. مع تمنياتي لك بشعر تستجيب مشاعرك بالقبول والرضى.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة