Culture Magazine Thursday  09/06/2011 G Issue 345
أوراق
الخميس 8 ,رجب 1432   العدد  345
 
بريد القلب
تستحق أن تروى
خالد البسام
-

عندما قارب الكاتب الشهير «غابرييل غارسيا ماركيز» الخامسة و الستين من عمره قال لأحد أصدقائه: إنني استعد لكتابة مذكراتي. فرد علي بالقول إنني لم ابلغ السن المناسب لذلك. فقلت له: أريد أن أبدأ وأنا مازال أتذكر كل شيء، لأن معظم المؤلفات تكتب حين لا يتذكر مؤلفوها شيئا.

قبل شهر واحد كنت في جلسة جميلة من أدباء كبار جميعهم تجاوزوا السبعين، وكنت في غاية الاستمتاع لأحاديثهم والأهم لحكاياتهم وتجاربهم الجميلة. بل كانت الحكايات صغيرة لدرجة أنها لم تكن تشبع نهمنا لسماع المزيد منها. وفجأة دخل الجلسة شاب صغير قال لنا في الحال إنه يكتب الشعر والرواية والنقد الأدبي أيضا ويمارس الرسم بين فترة وأخرى. واندهش الجميع لقدرات هذا الشاب وأبدوا التعاطف والتشجيع. ثم دارت الحكايات مرة أخرى، لكننا وجدنا الشاب كان واقفا لها بالمرصاد. ففي كل ح كاية كان يتدخل ويقاطع ويروي حكاية حدثت له بالأمس أو قبل شهر، وهي كلها حكايات تافهة ولا تستحق أن تروى. وانفضت الجلسة الجميلة في النهاية عندما شعر الكبار أن هذا الشاب مصمم أن يروي لهم قصة حياته وكفاحه وتاريخ إبداعه!

هناك شروط كثيرة لكتابة المذكرات ومن بينها الذاكرة الحية طبعا، وحتى ولو وجد الكثيرون من البسطاء والناس العاديين في حياتهم لا يستحق كتابة مذكرات فأنهم سوف يروون لأولادهم وأحفادهم وربما لمن يريد بعض الحكايات التي تستحق أن تروى.

غير إن مأساة اليوم هي إن الحكايات التي تستحق أن تروى وربما تكتب لم ترو بعد، والحكايات السخيفة والتافهة هي التي يروج لها وتروى على الناس عشرات المرات بدون ملل أو تعب.

والأعجب إن الكبار وأصحاب التجارب الكبيرة والجميلة والحيوات المتعددة والثرية هم الذين يفضلون الصمت وعدم البوح، بينما الكثير من الشباب ذوي التجارب البسيطة هم الذين يثرثرون بها في كل مكان.

عندما كنا صغاراً كان يقال لنا دائما حكمة جميلة وهي إذا كنت شابا صغيرا فأنصت وتعلم وجرب وغامر، ولكن عندما تكبر فما عليك سوى أن تروي. لقد حان موعد أن تروي!

-

+ Albassamk1@hotmail.com - المنامة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة