Culture Magazine Thursday  09/06/2011 G Issue 345
فضاءات
الخميس 8 ,رجب 1432   العدد  345
 
الملك سعود: رؤية وموقف
عبدالله السعوي
-

صدر حديثا كتــــــاب بعنوان: «من رسائل الملك سعود بن عبدالعزيز الدعوية» وهي رسائل جمعها صاحب السمو الأمير الدكتور (فيصل بن مشعل بن سعود) الذي زودني مشكوراً بنسخة من هذا الكتاب الذي يكشف طبيعة الخطاب الملكي في تلك الفترة ويسلط الضوء على الخطوط العريضة لحيثياته المتنوعة. والمتلقي عندما ينعم التأمل سيصل إلى عدة انطباعات من أبرزها ما يلي:

أولا:

النفَس الديني يبدو مهيمنا على مفاصل ذلك الخطاب ومتمددا على ما جرياته فروح التدين المتجذرة في شخصية المسؤول السلطوي الأول تبدو هي المحرك الداخلي الأساس على نحو جعل من نصوص الوحيين الإطار المرجعي المعتبر في إدارة دفة الحكم وفي توجيه الأداء السياسي وترشيد مساراته. إن أخطر ما يواجه الحاكم هو ضياع الرسالة وفقد البوصلة الموجهة نحو الغاية الكبرى وعلى مدار التاريخ كان تساقط الحضارات يتم نتيجة لتراجع الحساسية الدينية وضمور فاعليتها تلك الحقيقة هي ما كان يستشعرها الخطاب الملكي الكريم آنذاك ولذلك مضى يخاطب شعبه مؤكدا وعلى نحو ملح أن رفع وتيرة التدين لا يمكن أن يتم إلا من خلال الارتباط الوثيق بالكتاب والسنة وإقامة الشعائر وحماية البيضة والمحارم والدماء والأموال. انظر ص46.

نزعة التدين الممنهجة عندما ترتبط بالسلوك برباط لا ينفصم وعندما يستصحبها القائد بكل نقائها وبكل صفائها ويلتزم بمحتوياتها الأخلاقية فإنها ولاشك ستضحي مصدراً للكثير من الإلهام والقيمة الرمزية وستدفع باتجاه بلوغ شط الأمان وكم حدثتنا وقائع التاريخ عن قيادات متنوعة فقدت حظوظها ومواقعها المتقدمة وخسرت امتيازاتها وعصفت بها مكاره الحياة, وقلب الدهر لها ظهر المجن عندما ضعف لديها منسوب التدين وباتت التوجيهات النصية على هامش حياتها.

ثانيا:

خطاب الملك سعود من خلال النظام اللغوي وبكافة تجلياته يعبر عن فعالية إصلاحية مسكونة بالهمّ النهضوي العام وتعي تماما أنه لا يمكن لأمة من الأمم أن تضع أقدامها على أول خطوات التقدم وتتوجه في مسارات إنتاجية إلا إذا كان الهم الإصلاحي روحا عامة تنتظم صفوتها المعطاءة التي ستنعكس مشاعرها تلقائيا على الأداء العام. إن أكبر مطالب الإصلاح هو إقامة العدل والإنصاف بين الناس وتفعيل مبدأ تكافؤ الفرص وتحجيم دائرة التفاوت الطبقي لئلا يكون المجتمع عبارة عن بئر معطلة وقصر مشيد أي لا يكون عبارة عن شريحتين إحداهما ذات غناء فاحش والأخرى مسحوقة تحت فقر مدقع وهذا ما يقرره الملك سعود رحمه الله وينص عليه تنصيصا مباشراً وفي أكثر من فقرة ومن ضمنها قوله:» فأنا أنصحكم وأحملكم المسؤولية أمام الله يوم تلقونه حفاة عراة لا ينجيكم إلا أعمالكم الصالحة أن تتقوا الله فيما وليتم عليه من أمور المسلمين وأن تعدلوا بين الناس وتنصفوهم من أنفسكم قبل كل شيء وأن تتواضعوا للمسلمين وتحسنوا أخلاقكم وتجعلوا الكبير أبا, والأوسط أخاً, والصغير ابنا وأن تراعوا مصالحهم الدينية والدنيوية وأن تتفقدوا أحوالهم فالشيء الذي يمكنكم عمله من التخفيف عنهم اعملوه والأمر الذي يصعب عليكم ارفعوه إلينا وستجدون أبوابي إن شاء الله وقلبي مفتوحا لرعيتي أتتبع مصالحهم وأكف الضرر عنهم»ص63-64.

وهكذا يضع الخطاب الملكي الكرة في مرمى المسؤولين ويحفزهم لينهض كل في مجال اختصاصه وان لا يستغل المكانة الوظيفية لتحقيق أغراض شخصية لا يعود مردودها الايجابي على المجموع الذي يرى في ارتفاع مستوى الشفافية والإعلاء من قيمة الصراحة برهانا- يتعذر دحضه - على أن الكفاءة العملية في أوج مستوياتها وعلى أن المصداقية كقيمة تحظى بحضور لافت ومادام أن الحقائق تسير على وجهها الصحيح فما الداعي لحجبها؟!

ثالثاً:

تفعيل مبدأ التناصح كقيمة دعوية تتجلى بكل ألق, والمتأمل في تلك الرسائل يجد أن التناصح كمبدأ يفرض نفسه في طرح الملك سعود يتجلى ذلك سواء من خلال نصائحه التي تترى بين الفينة والأخرى أومن خلال تعاطيه الترحيبي مع ما يوجه له من رسائل وملاحظات وما يُبدى من نصائح لم يكن القائد ليضيق بها ذرعا أو يهمش أصحابها أو يعتم على مضامينها بل على العكس كان يقابل ذلك بحفاوة بالغة وبإيجابية عالية كما يتجلى ذلك في سياسة الأبواب المفتوحة حيث رسمت تلك السياسة ملامح العلاقة بين الحاكم والمحكوم وهو يعبر عن ذلك بقوله إبان مخاطبة الحجيج: «وأبوابنا نحن مفتوحة لكم تستطيعون رفع ما تشاؤون إلينا بالمراجعة وبالرسائل والبرقيات كما أننا قد وضعنا في الشوارع الهامة صناديق مقفولة يضع كل منكم فيها ما يشكو أو يتظلم منه ونحن نطلع عليها بأنفسنا ونجري اللازم نحوها بما فيه الحق والعدل»( ص130).

هذا والكتاب زاخر بالكثير من المفردات الخليقة بالطرح التفصيلي، ومكتنز بمخزون من المعاني التي يجدر بكل ذي مسؤولية أن يستهلك دلالاتها لتستحيل إلى أدوات مشخصة لها رصيدها الحضوري على تضاريس الواقع.

-

+ Abdalla_2015@hotmail.com - بريدة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة