Culture Magazine Thursday  17/02/2011 G Issue 332
فضاءات
الخميس 14 ,ربيع الاول 1432   العدد  332
 
تحيا مصر
ثورة شباب 25 يناير.. انتهى الدرس يا غبي!
سهام القحطاني

كدنا كعرب أن ننسى أن مصر التاريخ هي التي علمتنا مفهوم البطولة والحرية حتى جاءت ثورة شباب 25 يناير المباركة التي هزّت العالم لتجدد مصر "البطولة والحرية" التاريخ والمستقبل معاً، وتسقط نظام الفرعون، وتثبت كما أثبتت الثورة التونسية وكما ستثبت الثورات العربية القادمة كما بشرت بها وزيرة الخارجية الأمريكية وحذرت منها المخابرات الإسرائلية أن البقاء دائماً للشعوب، أما الأنظمة الظالمة فمصيرها واحد الهروب كفئران الحقول إلى مكبّ النفايات تصاحبها لعنة الشعوب والتاريخ لها.

لقد استطاعت ثورة شباب 25 يناير التي أشاد بها الرئيس الأمريكي السيد أوباما أمام طلاب جامعة متشغن الأمريكية أن تكتب تاريخاً جديداً ليس لمصر فقط التي أعادتها هذه الثورة لتتزعم التاريخ البطولي العربي، بل وللعالم العربي شعوباً وشباباً.

ولا أبالغ إن قلت إن هذه الثورة ستعيد ترتيب صورة الشباب العربي في الذهنية الغربية، الشباب الذي أصبح في الذهنية الغربية منذ أحداث أيلول رمزاً للإرهاب والتخلف الديني والفكري، ها هو اليوم يقدم عبر ثورة 25 يناير صورة مختلفة لشباب مثقف متعلم مؤمن بحقوقه، قادر على اتخاذ قرار التغيير وقيادته في صورة حضارية لا تلوثها الهمجية والعنف، شباب قادر على صناعة مستقبل الأمة.

لقد أثبت هؤلاء الشباب أن العرب ما يزالون يملكون القدرة على صناعة الثورات والبطولات والتغيير الإيجابي لمصلحتهم.

لقد أعادت هذه الثورة إلى كل عربي الثقة في أنفسنا بعد أن فقدناها ضمن سلسلة طويلة من الإحباطات، بدءاً من أحداث الحادي عشر من أيلول، مروراً بأحداث العراق وتفكك القومية العربية.

إن ثورة شباب 25 يناير وقبلها ثورة الياسمين التونسية قدمتا درساً لكل نظام عربي ظالم، أن مهما بلغ جبروت وطغيان الأنظمة العربية الظالمة وقمعها وسياسة الحديد والنار التي تتعامل بها مع الشعوب فهي لا تستطيع في النهاية أن تنتصر على إرادة الشعوب، قد تؤخر مقاومة الشعوب لطغيانها لكنها في النهاية لا تستطيع مقاومة إرادة تلك الشعوب، وكلما تأخرت مقاومة الشعوب لظلم وطغيان أنظمتها أشتد انتقام الشعوب من تلك الأنظمة الطاغية ومحاسبتها.

لقد فرِحت شعوب العالم العربي كلها دون استثناء بانتصار ثورة شباب 25 يناير وسقوط الفرعون، مما يؤكد لنا أن ثورة الشعب المصري ليست حالة خاصة تتعلق بظرفيات خاصة بالمجتمع المصري ونظامه الحاكم الذي أجاع وسرق وقتل، الذي ظل ثلاثين عاماً يعيش على دماء المصريين ويلوث أحلامهم ويضطهد إرادتهم حتى يحول المصريين إلى تماثيل للمشاهدة فقط.

لقد ظن نظام الفرعون أن ثلاثين عاماً من تجميد المصريين في ثلاجات القمع والظلم كافية لتحويلهم إلى لحوم باردة دون عظام يستطيع طهيها وأكلها وقتما يشاء.

فضلالة الحاكم وظلمه وعناده وتقديسه لنفسه وغروره بقدرة سلطانه وجبروت شيطان نفسه هي التي تُوهم الحاكم العربي الطاغي بأنه "أنا ربكم الأعلى" فتعمى بصيرته وتُغيّب عنه حقائق قدرات الشعوب على الثورة والانتقام، تلك الشعوب التي يتعامل معها الحاكم العربي الطاغي كقطيع من الغنم أو مجموعة من القرود أو مسخ من البشر لا ترى لا تسمع لا تتكلم.

أقول إن مشاركة الشعوب العربية فرح انتصار ثورة الشباب المصري ليست مشاركة وجدانية فقط، بل لأن الشعوب العربية تؤيد تلك الثورة ومبادئها؛ لأنها تمثل حالهم في مجتمعاتهم، فأغلب شعوب المنطقة العربية تعيش تحت ذات الضغوط التي فجرّت ثورة شباب 25 يناير. فمعظم الشعوب العربية تعيش في جو تغيب عنه العدالة الاجتماعية والاقتصادية وحرية الرأي والإعلام والاستقلال الفكري وتكافؤ فرص العمل والتعليم وانتشار البطالة والفقر والفساد في المجالات كافة، والقمع الفكري والسياسي والديني، وتحت عناوين مختلفة ومبررات لا يؤمن بها إلا الحاكم العربي الطاغي.

لأن الحاكم العربي الطاغي غالباً يتصف بالغباء فيظن أن جهل الشعب وإفقاره وعدم توفير فرص عمل له أو إضعاف مستوى تعليمه وتغيّب حرية الرأي ونهب ثرواته يضمن له استعباد هذا الشعب والتحكم في مصيره؛ لأن التعليم الجيد وتوفير فرص العمل ومكافحة الأمية ونشر الوعي الديمقراطي والحرية الفكرية في رأي الحاكم العربي الطاغي تحرض الشعوب على الاستقلال السياسي ومقاومة طغيان الأنظمة، وقد أثبتت الثورة المصرية أن كلا الحالتين تدفع إلى مقاومة طغيان الأنظمة الحاكمة.

لقد أظهرت لنا ثورة شباب 25 يناير مشكلة العلاقة بين الشعوب العربية والحاكم العربي وأنظمته سواء في تونس أو مصر أوغيرهما من المجتمعات العربية، والتي يحاول أن يخفيها الحاكم العربي تحت الأغاني الوطنية التي تحوّل الحاكم العربي الطاغي إلى إله يُعبد.

فالحاكم العربي يتعامل مع الشعوب العربية بعقلية "شيخ القبيلة" يأمر وينهى ويستغل ويستعبد ويُحيي ويُميت.

وكثيراً ما يتعامل الحاكم العربي الطاغي بعقلية "علي بابا والأربعين حرامي" فهو الأكثر علماً والأكثر فهماً والأكثر معرفة والأكثر نهباً -طبعاً- لثروات الشعوب.

هذا التسذيج لعقلية الشعوب العربية من قبل الحاكم العربي الطاغي بأن الشعوب تعلم لكنها لا تستطيع أن تفعل لأنها مقطوعة اللسان واليد، وأنها الأضعف وهو الأقوى بما يملك من غازات مسيلة للدموع ورصاص مطاطي وحي ودبابات وسجون ومعتقلات، هي التي أسقطت حاكم تونس وفرعون مصر، والبقية تأتي وفق ما صرحت به السيدة كلنتون، لأن الشعوب عندما تقرر الانتقام لا تخاف من رصاص ولا دبابات وسجون ومعتقلات، فالموت في ظل الطغيان لا يفرق عند تلك الشعوب عن الموت بالرصاص أو تحت الدبابات.

لقد استطاعت الثورة التونسية والمصرية أن تكسر حاجز خوف الشعوب العربية من الأنظمة العربية الحاكمة الطاغية وزرعت قيم جديدة داخل تلك الشعوب بأن قدرتها أكبر من سلطة الحاكم، وأنها هي التي أصبحت تتحكم في مصير الحاكم العربي ونظامه وأن الحاكم هو الذي يخضع لإرادة الشعب لا الشعب هو الذي يخضع لنظام الحاكم، وأن الشعوب هي التي تملك قوانين محاسبة الحاكم وخلعه وطرده، وأن الحاكم هو خادم للشعب لا إلهاً وربهاً.

هذا التغيير في معايير العلاقة أسس وعياً مختلفاً عند الشعوب العربية؛ وعياً بقيمة تطورها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتنموي وحقها في محاسبة من يهدد تلك القيمة وإسقاطه، وحقها في اختيار من يحقق لها تلك القيمة.

لقد غيرت ثورة شباب 25 يناير مفهوم ثورة البطولة العربية، فالبطولة العربية منذ خالد بن الوليد مروراً بصلاح الدين الأيوبي وصولاً إلى الملك عبدالعزيز آل سعود وجمال عبدالناصر كان يقودها أفراد، لكن ثورة 25 يناير قادها مجموعة من الشباب وليس فرداً، وهذه النقطة تحول ثقافي مهم يحتاج إلى تحليل مطوّل.

فثورات الشعوب هي محاربة للفساد والظلم والتغيير باليد جزء من منظومة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف، والساكت عن الحق شيطان أخرس.

وأخيراً: إن ثورة شباب 25 يناير درس لكل حاكم عربي طاغ ما زال فوق الكرسي ليستدرك الأمور ويستفيد من هذه الثورة قبل أن يقول له شعبه "انتهى الدرس يا غبي".! ويصبح الرئيس "المخلوع".

لقد علَّمت ثورة شباب 25 يناير الشعوب العربية الجرأة والشجاعة في أن تقول للطغاة والمفسدين: "فلتذهبوا إلى الجحيم".

وعاشت ثورة الشعب المصري البطل.

جدة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة