Culture Magazine Thursday  17/02/2011 G Issue 332
فضاءات
الخميس 14 ,ربيع الاول 1432   العدد  332
 
ذكرياتي معهم
الأستاذ: محمد حسن عواد (3)
د. حمد بن زيد الزيد

عرفت الأستاذ العواد أول ما عرفته من خلال صورته التي يرتدي فيها الزي الأفرنجي؟! وقد وضعها في أحد كتبه التي طبعت في مصر قبل خمسين عاماً، ولقد أثار العواد في حياته عدة معارك أدبية وسياسية كما فعل العقاد من قبله في مصر، فقد اعتقل في أوائل عهد الدولة السعودية الحديثة في حصن المصمك بالرياض، وتهاجى مع شاعر الدولة السعودية محمد بن بليهد أثناء حصار جدة وكان يعتبر نفسه في طليعة الشباب الحجازي المتمرد وعضو نشط في الحزب الوحيد الذي كان موجوداً في الحجاز قبل استرداده من قبل الدولة السعودية الحديثة. وقد عبر عن آرائه - الوطنية والإقليمية- في كتاب اشتهر فيما بعد وهو «خواطر مصّرحة» ولم تكن حركة القومية العربية قد اكتسحت الدول العربية مما جعل حجم العواد صغيراً كجسمه خارج وطنه! ولكنه ظل ملهماً لجيل أو جيلين من الشباب الحجازي المتمرد على الواقع. وبعد أن كُبر أصبح يكتب في الصحافة بانتظام.. مقالات تتسم بالاعتدال! ولكن التقدم والرغبة في التطور والتفرد أصبح هاجسه طوال حياته المديدة. فقد شجّع الشاعرة الجدّاوية: ثريا قابل «التي - تتمتع بموهبة متواضعة في قرض الشعر على نشر ديوان لها بعنوان «الأوزان الباكية» وقدّم له وجادل علامة الجزيرة: حمد الجاسر في مسألة جيم جدة وهل هي بالضم أو بالفتح أو بالكسر؟! كما دخل من قبل في عراك أدبي وشخصي مع الشاعر: حمزة شحاته، ثم اخترع أخيراً ما يسمى بالفرائض الحديثة فاصطدم برجال الدين، كما عانق قمم الأولمب وأدخل أسماء الآلهة الإغريقية والرموز اليونانية في شعره بالرغم من أنه لم يكن يجيد أي لغة أجنبية.. ولم يدرس في الخارج؟ لكن حبه للتغيير والتطوير وللشباب المتمرد ظل يلازمه حتى وفاته رحمه الله.

وكان العواد تقدمياً ليس في أفكاره الأدبية وقناعاته الثقافية والسياسية وحسب ولكن في آرائه الاجتماعية كذلك، فقد نادى بحقوق المرأة وسفورها واشتراكها الطبيعي في الحياة الاجتماعية كإنسانة له كيان وشنّ هجوماً لاذعاً على الرجعيين الذين يريدونها خادمة حبيسة في البيت وغير متعلمة، كما أنشأ أول جمعية للرفق بالحيوان في جدة وذلك قبل إنشاء جمعية لحقوق الإنسان بنصف قرن؟!

لمست كل ذلك من خلال مقابلتي الأولى معه في عام 1395هـ عندما زرته في مقر النادي الأدبي الثقافي بجدة الذي كان أول رئيس له وكنت أتخيله طويلاً عملاقاً كما هو انطباعي النفسي عنه من قراءتي لبعض كتبه وكتاباته الصحفية ولكنني فجئت برجل قصير ونحيل القامة هادئ الطبع، أبيض البشرة حليق الوجه وعلى عينيه نظارة سوداء؟! وفي الغرفة المجاورة كان يوجد الأستاذ: عبدالفتاح أبو مدين سكرتير النادي، وقد حضرت فيما بعد محاضرة لوزير التعليم العالي المرحوم حسن بن عبدالله آل الشيخ كانت بعد المغرب في حوش النادي القديم وكنت مع الأستاذ محمد سعيد كمال قادمين من الطائف لحضور المناسبة كمدعوين.

وكان المرحوم العواد قد زارني فجأة ومعه الأستاذ عبدالفتاح أبو مدين في مقر النادي الأدبي بالطائف بحي قروى ودخلا عليّ عصراً بدون موعد مسبق وكنت وقتها أول رئيس منتخب لنادي الطائف وأقوم ومعي قلّة من الزملاء بتأسيس النادي في سنته الأولى وقد أظهرت نشاط نادي الطائف قبل الأندية الأخرى كجدة ومكة مع أنهم حصلوا على الترخيص قبلنا مما جعل الأستاذ العواد يقول لي عند الوداع: لقد جئت لأرى كيف أسست النادي بهذه السرعة؟! ولم يقبل الضيفان دعوتي للبقاء وانصرفا بعد حوالي ساعة من تلك الزيارة الاستطلاعية الخاطفة، ولكن الرجل الكبير كان كبيراً حقاً وبعث لي ببطاقة عضوية الشرف لنادي جدة عام 1395هـ ودعاني للغداء مرتين على ما أذكر في جدة وكنا نتغذى منفردين في مطعم بفندق قصر الحرمين الواقع في باب مكة وكان بيننا ودٌ متبادل ولكنه متأخر!

كما أن سفري للخارج عام 1396هـ وتركي للنادي الأدبي قد قطع صلتي بالأدباء والمثقفين لأكثر من خمس سنوات. ومات العواد فكان لموته رنة أسى وصدى واسع في الأوساط الأدبية والثقافية.. وكانت الصحافة الأدبية تطلق عليه لقب: عملاق الأدب أو الرائد، وهو جدير بكل ذلك فهو أديب حقيقي مدافع عن الكلمة والحق والتقدم ومن جيل الرواد حقاً.

وعندما أشرفت على صفحات (الحياة الثقافية) في مجلة اقرأ الجداوية أصدرت عنه ملفاً صحفياً كاملاً في ذكراه الأولى.. رحمه الله وأجزل ثوابه.

جدة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة