Culture Magazine Thursday  17/11/2011 G Issue 352
أوراق
الخميس 21 ,ذو الحجة 1432   العدد  352
 
صدى الإبداع
الخطاب النقدي الحديث(1)
د. سلطان سعد القحطاني

1-النقد الأدبي في الصحافة:

ظهر النقد الأدبي بظهور الصحافة الأدبية في مرحلة الثلاثينيات الميلادية، وبالتحديد في صحيفة أم القرى التي ظهرت على أنقاض صحيفة القبلة الهاشمية(1)، وتميز فيها عدد من النقاد، على رأسهم محمد حسن عواد في زاويته المعروفة( تأملات في الأدب والحياة)، التي صدرت في كتاب بعد ذلك بالعنوان نفسه(2)، وكان النقد في المملكة العربية السعودية، وما يزال جزءا من النقد الأدبي العربي- بصفة عامة- يراوح داخل مثلث غير متساوي الأضلاع، يحتل كل ضلع منه فئة من النقاد يتخذون خطاً واضحاً وصريحاً في نقدهم، فهناك مجموعة من النقاد الذين ظهروا بظهور الصحافة المبكرة ينحازون في نقدهم إلى القديم، ويؤمنون بما ورد في نصوصه الشعرية والنثرية، ويسلمون بصحتها وفضلها المتقدم على غيرها، ولا يرضون بمناقشتها في إطار يخرج عن إطارها المألوف الذي ورثوه عن السابقين، ويعتبرون كل تجديد بدعة، وكل بدعة ضلالة!!!؛ وقد ظهر ذلك في مدرسة المدينة المنورة بصورة جلية، حيث كان أعضاؤها والمنتمون إليها يحاولون إحياء النقد الأدبي القديم الذي ظهر عند نقاد القرون الأولى في النهضة العربية، من أمثال ابن قتيبة، وابن طباطبا العلوي، وأسامة بن جعفر، وغيرهم من النقاد الذين كانوا يعتمدون في نقدهم على اللغة، والشعر الجاهلي(3)، وكان هدف هذه المدرسة إحياء اللغة العربية، للتخلص من المدارس المملوكية والتركية الركيكة،ولم يكونوا يرفضون التجديد بصورة كلية، بل أرادوا أن يؤسسوا لأدب حديث انطلاقا من التراث، إيماناً منهم بأن الحديث لا يمكن أن يظهر قوياً ما لم يكن مبنياً على القاعدة التراثية، ولذلك أسس عبد القدوس الأنصاري ناديا للخطابة العربية، وهو فرع من مدرسة العلوم الشرعية في المدينة المنورة، التي كان يدرس بها، وكان مساعده في ذلك النادي الأستاذ عبيد مدني، ومجموعة من دعاة النهوض باللغة العربية في وجه المدارس التركية آنذاك، فقد ذكر عزيز ضياء في سيرته الذاتية، أن من يتكلم باللغة العربية أثناء فسحته في المدرسة، يأخذ عقابه بوضع قطعة من الحديد على شكل لجام تحت لسانه، حتى لا يعود إلى النطق باللغة العربية مرة ثانية(4)، ولعل هذا السبب وغيره جعل الأدباء والنقاد يصرون على تدريب الشباب على اللغة العربية والأسلوب الحديث انطلاقاً من التراث فهو المنفذ الوحيد للنهوض باللغة العربية من سباتها الذي طال أمده بتعاقب الحكومات غير العربية.

وكان يقابل هذا التيار الأدبي تيار مضاد لهذا المنهج، يعتبره متخلفاً تقليديا لا يواكب النهضة النقدية في البلاد العربية والمهجرين (الجنوبي والشمالي) ويريد أن يبدأ من حيث انتهى الآخرون، فبعض أعضائه يدركون أن أولئك لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا بعد أن هضموا التراث العربي وأدركوا تأثيره على الآداب الغربية، وما نتج عنها من فلسفة استقوها من الفلاسفة العرب، كالفارابي وابن رشد وأبي حيان التوحيدي، وغيرهم من الفلاسفة الذين أثروا في النهضة الأوروبية(5) وهذه أمور ليست بحاجة إلى توثيق، فهي معروفة لدى العامة والخاصة، وكان يقود هذه المدرسة الحداثية مثقف هضم التراث، واتخذ منه سبيلا إلى الحداثة متأثرا بقراءاته في الأدب اليوناني والأوروبي بوجه عام، ولم يكن محمد حسن عواد الذي نتحدث عنه مقلداً لما يقرأ ويسمع، بل كان مجدداً ومبتكراً، لكن يؤخذ عليه شدة حماسه واندفاعه في الخصومات النقدية، مما جعل كثيراً من المثقفين يفهمونه على غير حقيقته، ويتهمونه بالمروق على الموروث العربي، وحتى الديني، مما جعل المسئول عن مدارس الفلاح يفصله من التدريس ويبعده عن المدرسة خوفاً على عقول الناشئة، كما يقول محمد علي مغربي، الذي كان طالباً في المدرسة ذاتها عند حديثه عن محمد حسن عواد، في كتابه (أعلام الحجاز في القرن الرابع عشر الهجري)، فقد رأى مدير المدرسة كتاب العواد في يد المغربي، فأخذه منه ونهره وطلب منه ألا يقرأ هذا الكتاب ولا أمثاله مرة ثانية، بل حذره من المؤلف الذي كان مدرسا بالمدرسة بالأمس(6) وكان بجانب العواد عدد من تلاميذه المناصرين لأفكاره ضد من يسمونهم بالمتخلفين الذين لن ينهضوا بالأدب، وكان من أبرزهم، إبراهيم هاشم فلالي، صاحب الكتاب النقدي المعروف (المرصاد)، الذي أثار الجدل بعد أن نشر في كتاب، كان قبل ذلك مجموعة من المقالات النقدية، وقد ناقش فيها عدداً من القضايا التي ما تزال تحت النظر إلى اليوم، ومنها (النقد الثقافي)، وبجانب هؤلاء كان بعض النقاد في الصحافة السعودية يتوق ليكون له شأن في النقد الأدبي، كما هي حال النقاد الذين اشتهروا في الأقطار العربية التي سبقت هذه البلاد في التعليم والثقافة وانفتحت على العالم الحديث، وخاصة مصر وبلاد الشام، وكان من هؤلاء مؤسس صحيفة عكاظ، أحمد عبد الغفور عطار، الذي يرى أن الأدب السعودي ليس له شخصية تميزه عن أدب مصر والمهجر ولبنان، وحسين سرحان الذي يتهم عبد القدوس اأنصاري بالتبعية للأدباء المصريين.

وهناك فريق ثالث تمتع بالوسطية في طرحه ولم يتطرف، وكان يستقي من هؤلاء وهؤلاء، وهكذا طبعُ الوسطية وميزاتها، أنها لا تميل مع طرف ضد الآخر، وبهذه الطريقة توسعت آفاق روادها واستطاعوا التعامل مع كل الفرق، واستفادوا من ثقافة كل منهم، ووفقوا بين القديم والجديد بأسهل الطرق وأيسرها، وقد مثل هذا الاتجاه - إلى حد ما- كل من حسين سرحان، ومحمد سعيد العامودي، ومحمد سعيد عبد المقصود، وغيرهم من شبيبة الحجاز في بداية النهضة الثقافية وظهور الصحافة الأدبية(7) ولم يكن الأدباء في المناطق الأخرى التي لم يتوفر فيها صحافة بمعزل عما يدور في تلك الصحف من نقد يتخذ مسارا من المسارات التي ذكرنا بعضا من روادها في ظهور النهضة الصحافية النقدية، فالقراءة والمتابعة من هموم المثقفين والأدباء والنقاد في أي قطر يكونون، فقد كانت الصحافة العربية من مصر وبلاد الشام تصل إلى الحجاز والخليج العربي عن طريق الموزعين وأصحاب المكتبات العامة الذين كان لهم شديد الاهتمام بالأدب والعلم والثقافة، فقد كان في جدة والمدينة المنورة وكلاء لتلك الصحف، كما يذكر الأستاذ محمد علي مغربي(8) للبيع وتوزيعها على المشتركين. وللحديث بقية في الحلقة القادمة.

* الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة