Culture Magazine Thursday  17/11/2011 G Issue 352
ترجمات
الخميس 21 ,ذو الحجة 1432   العدد  352
 
أفول مجد وبرستيج درجة الدكتوراه 2/2
مؤشرات غربية تدل على أن حامل درجة «الدكتوراه» قد أصبح أكاديميا غير مرغوب فيه
ترجمة وتعليق : حمد العيسى

تقديم المترجم: يسعدني أن أنقل للقراء العرب هذا التقرير الهام الذي نشر في مجلة الإيكونوميست البريطانية العريقة والمتخصصة في مجال الأعمال بتاريخ 16 ديسمبر 2010 عن أفول مجد درجة «الدكتوراه». ويتضمن التقرير مصطلح ربما ليس شائعا كثيرا بالعربية وهوPostdoc والذي يقصد به «باحث ما بعد الدكتوراه» Postdoctoral Research . وهو الشخص الذي يحصل على شهادة الدكتوراه ثم يواصل البحث في تخصصه لتعميق الخبرة في الموضوع أو لعدم وجود عمل سوى مواصلة البحث في نفس التخصص. وقد تم التعارف في العديد من البلدان الناطقة باللغة الإنجليزية للإشارة إلى هؤلاء «الباحثين بعد الدكتوراه» بلقب عامي مختصر للجنسين هو Postdoc والذي سوف نعربه للتسهيل ليكتب هكذا «بوست دوك» أي «باحث / باحثة ما بعد الدكتوراه» وذلك نظرا لكثرة تكراره في التقرير. وكعادة المجلة لا تذكر اسم كاتب أو كاتبة المقال ولكن يبدون أنها مراسلة المجلة في واشنطن، دي سي. ونظرا لطول التقرير، قمنا بتقسيمه إلى جزئين. ونرجو أن لا يؤثر التقرير سلبيا على من يخططون لنيل هذه الدرجة التي كانت عظيمة.

تتمة التقرير:

وفي بعض البلدان، مثل بريطانيا وأمريكا، تنعكس الأجور المنخفضة وندرة فرص العمل في عدد طلبة الدكتوراه الأجانب. وقدر البروفيسور فريمان أنه في عام 1966 أن 23 % من عدد درجات الدكتوراه الممنوحة في مجالي العلوم والهندسة قد منحت لطلاب أجانب ولدوا خارج البلاد. وبحلول عام 2006 ارتفعت هذه النسبة إلى 48 %. فالطلاب الأجانب يميلون إلى تحمل ظروف العمل القاسية والمتقشفة جدا، ويوفرون يد عاملة عبقرية والأهم أنهم يقبلون بمرتبات منخفضة مما يساهم في النهاية على تخفيض معدل أجور هيئات التدريس الرسمية!!! ودرجة الدكتوراه قد لا تقدم أي ميزة مالية مجزية مقارنة بدرجة الماجستير، بل ربما تقلل من الدخل أحيانا. مناصرو درجة الدكتوراه يجادلون أن الحصول عليها مهم وضروري حتى لو كان لا يؤدي إلى الحصول على وظيفة أكاديمية «دائمة». ليس كل طالب دكتوراه يرغب بالضرورة في العمل الأكاديمي بل العديد يتوجهون نحو القطاع الخاص للعمل على سبيل المثال في البحوث الصناعية. هذا صحيح، ولكن معدلات التسرب العالية من دراسة الدكتوراه تشير إلى أن العديد من الطلاب يصيبهم يأس وإحباط. ففي أمريكا، فقط 57 % من طلاب الدكتوراه يحصلون على الدرجة بعد عشر سنوات من تاريخ الالتحاق بالبرنامج لأول مرة. وفي العلوم الإنسانية حيث يدفع معظم الطلاب تكلفة الدراسة للدكتوراه تنخفض هذه النسبة إلى 49 % فقط. والأسوأ من ذلك، بينما في التخصصات الأخرى يميل الطلاب إلى القفز من السفينة في السنوات الأولى، فإنهم في العلوم الإنسانية يلتصقون بها مثل حيوان البطلينوس (تعليق المترجم: البطلينوس حيوان رخوي يلتصق بالصخور. انتهى تعليق المترجم) قبل أن يفشلوا في نهاية المطاف للأسف.

وهؤلاء الطلبة كانوا قد بدأوا برنامج الدكتوراه بصفتهم نخبة الطلبة في الدولة. وأثبتت بحوث علمية أن أولئك الذين ينهون دراسة الدكتوراه ليسوا أكثر ذكاء من الذين لا ينهونها. الإشراف الرديء وفرص العمل السيئة أو عدم وجود المال تعتبر أهم أسباب عدم إكمال دراسة الدكتوراه وليس ذكاء الطلاب. حتى خريجو الدكتوراه الذين يجدون عملا خارج الجامعات قد لا يحصلون على مرتبات جيدة. كورسات الدكتوراه شديدة التخصص لدرجة أن الجامعة قد تناضل بقوة لمساعدة حملة الماجستير الباحثين عن عمل، كما أن المشرفين يميلون إلى إهمال الطلاب الذين يغادرون العمل الأكاديمي. وتشير دراسة لمنظمة التعاون والتنمية OECD إلى أنه بعد خمس سنوات من استلام شهاداتهم، فإن أكثر من 60 % من حملة الدكتوراه في سلوفاكيا وأكثر من 45 % في بلجيكا وجمهورية التشيك وألمانيا وإسبانيا كانوا لا يزالون يعملون بعقود مؤقتة، ومعظمهم على شكل «بوست دوك». وحوالي ثلث خريجي الدكتوراه في النمسا يشغلون وظائف لا علاقة لها بشهاداتهم ولا تخصصاتهم. كما أن 13 % من خريجي الدكتوراه في ألمانيا و21% في هولندا ينتهي بهم المطاف في مهن متواضعة ماليا ومعنويا.

ميزة مالية ضئيلة للدكتوراه

ولكن خريجي الدكتوراه – على الأقل - يكسبون ماليا أكثر من خريجي درجة البكالوريوس!!! وأشارت دراسة لكيسي برنار في «مجلة سياسات التعليم العالي والإدارة» أن الرجال البريطانيين من حملة البكالوريوس يزيد دخلهم 14 % عن أولئك الذين لم يدخلوا الجامعة برغبتهم. وتبلغ نفس نسبة الزيادة لحملة الدكتوراه 26 %. ولكن نسبة الزيادة لحملة درجة الماجستير، والتي يمكن إنجازها في سنة واحدة، هو تقريبا 23 %. وفي بعض التخصصات تختفي تماما نسبة زيادة الدخل لحملة الد كتوراه. فحملة الدكتوراه في الرياضيات والكمبيوتر والعلوم الاجتماعية واللغات لا يكسبون أكثر من حملة الماجستير في نفس التخصصات. وفي الواقع، زيادة الدخل الناتج عن درجة الدكتوراه أقل من الزيادة الناتجة عن درجة الماجستير في الهندسة والتكنولوجيا، والعمارة والتعليم. فقط في الطب، والعلوم الأخرى، والدراسات المالية تكون تلك الزيادة مرتفعة بما يكفي ليكون الحصول عليها مجديا. وعلى أية حال، وفي كل التخصصات، فإن «معدل» زيادة الدخل لدرجة الدكتوراه يتفوق بالكاد بنسبة 3 % فقط على درجة الماجستير.

ويؤكد بروفيسور شوارتز وهو متخصص في الفيزياء في نيويورك أن المهارات المكتسبة في سياق الحصول على درجة الدكتوراه يمكن اكتسابها بسهولة من خلال كورسات أقصر بكثير. ويضيف شوارتز: قبل ثلاثين عاما، أدركت شركات «وول ستريت» أن بعض علماء الفيزياء يمكنهم صياغة معادلات تفاضلية تخدم مصالحها ولذلك وظفتهم ليصبحوا محللين ومسوقين وعلماء في الشؤون المالية. ولكن اليوم، هناك كورسات قصيرة عديدة تفي بنفس الغرض بخصوص استخدام علوم الرياضيات المتقدمة للشؤون المالية. ولذلك يؤكد شوارتز «إن دكتور فيزياء مع كورس واحد في المعادلات الرياضية التفاضلية ربما لن يجد وظيفة بسهولة».

العديد من طلاب الدكتوراه يدعون إنهم يسعون للحصول عليها بدافع حب موضوع التخصص. ويبالغون أحيانا بأن البحث «المجرد» هو غاية في حد ذاته. القليل منهم يفكر بجدية وعمق عن مآل ذلك القرار وما سيؤدي إليه. في دراسة حديثة عن خريجي الدكتوراه في بريطانيا، اعترف حوالي الثلث بأنهم كانوا يدرسون الدكتوراه - جزئيا – لرغبتهم في مواصلة ممارسة دور الطلبة، أو لتأجيل مشكلة البحث عن وظيفة. وتحديدا، اعترف حوالي نصف طلاب الدكتوراه في الهندسة تقريبا بهذا. الدكتوراه في فروع العلوم يمكن بسهولة أن تضمن الحصول على وظيفة مجزية، وبالتالي ينجرف الطلاب لهده التخصصات. ولكن هناك عقوبات فضلا عن الفوائد، للبقاء في الجامعة. الموظفون ذوي «التعليم الفائض» - أي تعليم أكثر من متطلبات الوظيفة - يكونون أكثر عرضة ليصبحوا أقل رضا، وأقل إنتاجية وبالتالي أكثر ميلا لترك وظائفهم. مصالح الجامعات والأكاديميين المثبتين Tenured تتضارب مع مصالح طلاب الدكتوراه. فالأكاديميون يعتبرون أي تساؤل عن جدوى «الدكتوراه» بمثابة هرطقة فكرية. فهم يعتقدون أن المعرفة تتدفق من الجامعة إلى المجتمع لتجعله أكثر إنتاجية وأكثر صحة. قد يكون ذلك صحيح تماما، ولكن دراسة الدكتوراه قد تكون، مع هذا، خيارا سيئا بالنسبة للفرد. مصالح الأكاديميين والجامعات من ناحية لا تتناغم مع مصالح طلاب الدكتوراه من ناحية أخرى. فكلما زاد عدد الطلاب الأذكياء في الجامعات، كان ذلك أفضل للهيئة الأكاديمية. طلاب الدراسات العليا يحضرون معهم المنح ويدعمون سجلات المشرفين عليهم من حيث عدد بحوثهم المنشورة. الأكاديميون ينتقون أفضل طلاب البكالوريوس ويهيؤونهم ليصبحوا طلاب دراسات عليا محتملين. فليس من مصلحة الأكاديميين تنفير الطلاب الأذكياء، على الأقل في البداية. وقالت لنا طالبة دكتوراه إنها أخبرت - في البداية - عن فرص العمل المزدهرة التي تنتظرها بعد إنهاء الدكتوراه، ولكن بعد سبع سنوات من العمل الشاق والمهلك والعذاب النفسي، انسحبت من الدراسة معتذرة - بما يشبه النكتة - بأنها عثرت على زوج ثري!!!

أستاذة علم النفس في جامعة كنتاكي البروفيسورة مونيكا هاريس تعتبر استثناء نادرا. فهي تعتقد أن إنتاج درجات الدكتوراه كثير جدا، ولذلك توقفت عن قبول الإشراف على طلاب تلك الدرجة. ولكن مثل هذا القرار الأكاديمي الفردي أمر نادر الحدوث. وعندما سُأل رئيس رابطة الجامعات الخاصة في شمال أمريكا عن زيادة إنتاج درجات الدكتوراه، أجاب: «إذا قامت جامعات النخبة بخفض العدد، فسوف تتدخل جامعات أخرى لتوفير ذلك النقص».

غايات نبيلة:

الكثير من سلبيات السعي للحصول على درجة الدكتوراه معروفة جيدا. كاتبة هذه السطور عرفتها قبل أكثر من عشر سنوات عندما ناضلت للحصول على دكتوراه في علم «البيئة النظرية» لا قيمة حقيقية لها. وفيما يعمل الأوروبيون لمواءمة وتناغم التعليم العالي، فإن بعض مؤسساتهم تدفع نحو تعليم أكثر تنظيما من النوع الذي يأتي مع درجة دكتوراه أمريكية.

وقد أدركت الهيئات التي تدفع ثمنا للبحوث أن العديد من حملة الدكتوراه يجدون صعوبة في نقل مهاراتهم إلى سوق العمل. مهام مثل: كتابة تقارير عن تجارب المختبرات، وتقديم محاضرات أكاديمية وعرض أو مراجعة نقدية للإنتاج الفكري Literature Reviews قد تستغرق كل منها ستة أشهر، ربما تكون جميعها - وياللعجب - غير مفيدة حاليا في عالم يجب فيه جمع المعرفة التقنية ومن ثم عرضها بسرعة خارقة بصورة مبسطة لجمهور واسع. بعض الجامعات بدأت تقدم الآن تدريب خاص لطلبة الدكتوراه لإكتساب مهارات مثل التواصل الفعال والعمل الجماعي التي قد تكون مفيدة في سوق العمل. وفي بريطانيا تأسس مؤخرا برنامج جديد مدته أربع سنوات باسم «المسار الجديد نحو الدكتوراه» NewRoutePhD لتطوير هذه المهارات فقط في الخريجين. المقاييس والحوافز قد تتغير أيضا. فبعض الأقسام الجامعية والأكاديميين يعتبرون «أعداد» خريجي الدكتوراه كمؤشر للنجاح ويتنافسون لإنتاج أعداد أكثر من الدكاترة. وبالنسبة لطلاب الدكتوراه، فإن المقياس المفضل والمفيد هو معرفة «سرعة» الحصول على وظيفة دائمة (وآمنة) ومقدار الدخل. وفي الجامعات التي تفرض عقوبات على الأكاديميين الذين يسمحون للطلاب بتجاوز مدة برنامج الدكتوراه الرسمية، فإن عدد الطلاب الذين ينهون الدكتوراه يرتفع بشكل ملحوظ، مما يوحي بأن الطلاب سمح لهم سابقا بالتراخي. العديد من طلاب الدكتوراه هم أذكى الطلاب في دفعاتهم، ومن المؤكد أنهم سيكونون الأفضل في أي شيء فعلوه بعد البكالوريوس. وسيجمعون الجوائز وشهادات التفوق. وعندما تبدأ دفعة هذا العام من طلاب الدكتوراه في استئناف أبحاثهم، فمن المؤكد أن القليل منهم على استعداد لقبول فكرة أن البرنامج الذي دخلوه يمكن أن يكون أكثر فائدة لآخرين غيرهم، أو قبول فكرة أن العمل الجاد والعبقرية لوحدهما قد لا يكفيان لتحقيق النجاح، والأخطر أنهم قد لا يدركون أنه من الأفضل لهم القيام بشيء آخر غير تحضير الدكتوراه. قد يكون من الأفضل لهم استخدام مهاراتهم البحثية لعمل بحث جاد عن السبب الذي أدى لهذا المصير المؤسف لمن يلقب بـ «دكتور» والذي تحول إلى أكاديمي غير مرغوب فيه ويمكن الاستغناء عنه. ربما يجب على أحدهم أن يكتب أطروحة حول هذا المصير التعيس لشهادة الدكتوراه!!!

انتهى التقرير

قريبا: مراجعة لكتاب «حب ورأس مال: كارل وجيني ماركس وولادة ثورة»

hamad.aleisa@gmail.com * المغرب

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة