Culture Magazine Thursday  23/06/2011 G Issue 347
فضاءات
الخميس 21 ,رجب 1432   العدد  347
 
خيبات الانتخابات
لمياء باعشن
-

كان حلماً شاغلا خيالنا منذ جمعت وزارة الثقافة والإعلام مجموعة كبيرة من المثقفين على مدى ثلاثة أيام لوضع إستراتيجية للعمل الثقافي، وكانت الانتخابات والجمعية العمومية على رأس المطالب والخطط. وعلى مدى سنوات جرى العمل على وضع اللائحة التي تنظم عمل الأندية الأدبية في ظل ممارسة ديمقراطية تعطي الفرصة لكل مثقف أن يظهر قدرته على إدارة الحركة الثقافية بما يعود بالنفع على كل مثقف.

وكانت أول خيبة للتوقعات ذات طابع معقد جعلها تتنقل بين الخيبة والتوقع بشكل عجيب. قبل ظهور اللائحة في صيغة معتمدة كان المتوقع أن تنص على مشروعية انضمام المرأة إلى مجالس الإدارة من خلال الانتخابات، لكن اللائحة خيبت التوقعات بعدم ذكر المرأة مطلقاً، ثم لاح الأمل من خلال تأكيد الوزارة أن اللائحة لم تفرق بين المرأة والرجل، ثم عادت الخيبة في تراجع الوزارة ليوم واحد عن وعودها التأكيدية بقصر نشاط المرأة على التصويت لا الترشيح، ثم عاد بريق الأمل مع تأكيد الوزارة مرة أخرى بأن الأمر لم يتغير، وإنما كان التصريح اجتهاداً فقط. وظلت الشكوك تحوم حول نوايا الوزارة حتى ظهرت أسماء المثقفات في قائمة الجمعية العمومية، وحبسنا أنفاسنا ونحن نتأرجح بين التوقع والخيبة حتى أعلن أخيراً فوز عضوتين بمقعدين في مجلس الإدارة.

ما أن انتهت الانتخابات في نادي مكة حتى تعالت الاعتراضات وطفت مرارة الخيبات وأقرت وكالة الثقافة بوجود الثغرات، ثم توالت التبرمات والانزعاجات في الأندية اللاحقة، في الجوف وحائل والشرقية أصوات غاضبة وأخرى ساخطة، ونستطيع أن نستشف أن هذه الأوضاع ستتكرر في بقية الأندية بإذن الله...

كان حلماً تحول إلى كابوس!! ظهر على السطح صراع التيارات وشعر المثقفون أن هناك غزواً يستهدف فضاءاتهم الخاصة ليحتلها ويتولى إقصاءهم وإجهاض مشاريعهم، وبدأت التكتلات القبائلية والعائلية والصداقية تلعب دوراً جباراً في الانحياز لمرشحين بعينهم، وتصاعدت المخالفات، فهناك من وزع واستلم استمارات لغيره، وهناك من قدم بنفسه استمارات لآخرين. والحقيقة أن التكتلات ممنوعة في اللائحة التي تنص على عدم جواز الاتفاق بين المرشحين على قوائم انتخابية مُوحّدة أو التضامن فيما بينهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة، لكن معضلة التكتل لم ولن تختفي، والتحزب هو طبيعة الأحزاب في أي نظام ديمقراطي. وكانت تلك خيبة!

ثم أقبلت الشهادات لتزكي حاملي البكالوريوس وتزج بهم إلى عضوية المجالس العمومية دون شرط ثقافي أو قيد أدبي. وضاع المثقف - الأديب في زحام الإقبال المحتشد على الميدان التقليدي له. وهذه خيبة كبرى! فحينما طالب المثقفون بالانتخابات وعملوا بجهد على وضع اللائحة ونظموا الأدوار والأنشطة والمكافآت، كانوا يعدون المكان لأنفسهم ويحضرونه لمشاريعهم، فإذا بجموع غريبة تتسارع لتنافس وتكسب، وتخرجهم من المولد بلا حمص.

تجربة انتخابية طال انتظارها وأريد لها أن تكون راقية ومتحضرة، لكنها أثبتت أنها ليست أكثر من مجال جديد للخصام والتناوش والتأزم والاحتقان. حاولت الوزارة جهدها أن تبقى بعيداً عن اللعبة: كان حدسها أن هؤلاء المثقفين هم أقدر شرائح المجتمع على احترام الآخر وعلى احترام القوانين والأنظمة، لكن ذلك كان حدساً خاطئاً، وتلك كانت خيبة!

كل يوم تطالعنا الصحف بنزاعات وشكاوى ترفع إلى الوزير ومطالبات بتدخل الوكيل وحالات طوارئ تستدعي حضور مدير الأندية على عجل. فتارة هو رفض الأندية قبول منح حق التصويت لمن لم يمض على عضويته أكثر من ثلاثة أشهر، ثم استثناء ذلك من قبل الوزارة، وتارة أخرى هي شروط الحصول على العضوية: بكالوريوس أو بكالوريوس أدب أو بكالوريوس لغة أو كتاب إبداعي، أو استثناء لمبدعين كبار، أو صورة الشهادة أو أصل الشهادة، أو كل ما سبق - اللائحة لا تحدد، وكل نادٍ يختار شروطه، فقد تكرّم الوزير بتقديم التفسير الآتي: «مُنحت الأندية الأدبية الحريّة كاملةً في تحديد المواصفات التي ينبغي توفّرها فيمن يستحق عضوية جمعيتها العمومية». وعليه فإن العضوية قد يحصل عليها متقدم برمشة عين، بينما يتعرض عضو آخر لتمحيص دقيق وخيبات مريرة، خاصة لو راحت هذه الشروط تتغير بعد أن يتقدم طالبو العضوية بفترة طويلة كما حدث في حائل حيث تم استبعاد أكثر من 150 عضواً من أصل 240، وإعادة رسوم التسجيل التي سبق أن دفعوها إليهم.

أما خيبة الخيبات فهي ضعف إقبال المثقفين على الحصول على عضوية المجالس العمومية، فقد تم الإعلان شفهياً، ثم من خلال رسائل الجوال، ثم على صفحات الجرائد، ثم راح كل نادٍ يدعو ويشجع ويصور ويوزع الاستمارات، لكن الطلبات ظلت شحيحة، وغاب الكثير من الأسماء الفاعلة في الساحة الثقافية. كيف نفسر هذا الغياب يا ترى؟ هل يتوقع الغائبون أنهم الصفوة المختارة التي لا تتنازل وتعبئ استمارة؟ ربما توقع كل منهم أن يدق النادي على بابه ويحمل إليه العضوية دون طلب منه، وربما خاب توقعه.

أين هم أصحاب المبادئ الديمقراطية والمنادون بالحرية الفردية والعدالة والمساواة الآن؟ أين من كانوا يعيبون التعيين ويصمون من قبلوا به بالتواطؤ والخنوع؟ أين تلك الأصوات المجلجلة التي صمت آذاننا وهي تتململ من أوضاع مفروضة وتطالب بالاختيار الحر؟

هؤلاء يقفون الآن منا موقف الفرجة من بعيد. لقد انتخبوا أنفسهم ليكونوا أوصياء علينا وكأنهم أعلى قدراً: سيراقبوننا ليقيّموا تجربتنا، ثم ينتقدوننا ويعيبوا علينا الفشل، أو ينسبوا نجاحاتنا لأفكارهم وتحفيزاتهم ونقدهم البناء. من خارج العملية الانتخابية التي لا تناسب قدرهم العالي سيتربصون بنا، ولسوف يجعلون التجربة التي تعالوا عليها مادة لمقالاتهم وأطروحاتهم. الآن يتمنعون ويصطفون أنفسهم وينأون بها عن خوض غمار التجربة، ثم يستديرون لاحقاً لينظـّروا ويحللوا ويتفلسفوا.

كل الذين امتنعوا عن الانخراط في هذه التجربة الانتخابية الأولى جبناً أو ترفعاً أو إهمالاً وتقاعساً ليس من حقهم مطلقاً أن يتطرقوا لها فيما بعد، ولا أن يشمتوا لخيباتها ولا أن يستفيدوا من نجاحاتها. لقد اختبأوا اليوم خلف شعاراتهم المجلجلة وحجبوا أصواتهم الانتخابية، لكن غيابهم كان صارخاً وسيسجل التاريخ سقطتهم هذه، وسيحتفظ ضدهم بدليل دامغ على تقوقعهم ولامبالاتهم وأنانيتهم وتمسكهم بالانتقائية والاصطفائية في مقابل تشدقهم بالعدالة والمساواة... لقد فقدوا مصداقيتهم، وحقاً، يا لها من خيبة!!

-

+ lamiabaeshen@gmail.com - جدة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة