Culture Magazine Thursday  23/06/2011 G Issue 347
فضاءات
الخميس 21 ,رجب 1432   العدد  347
 
الصورة الكاملة.. أمريكا التي أرى!!
طارق بن راشد الغفيلي
-

قال لي صديقي: الشعب الأمريكي يتفاخر بسمعته المثالية - قانونيا وسلوكيا وإبداعيا - التي ملأت الدنيا وأشغلت الناس، لكنه من أكثر الشعوب كذبا ونفاقا وفوضوية، فهو يعمل ويترك خوفا من القانون ومتى انفك منه ظهرت حقيقته؛ والدليل ما نشاهده من كثير من الأمريكيين من خرق للأنظمة وعبث بالأخلاق عندما يكونون في بلاد يضعف فيها تطبيق القانون، فشاهد هذا الشعب كيف يتخلى عن انضباطه وأخلاقياته عندما يذهب للمكسيك أو إندونيسيا أو تايلاند، وشاهد حكومته ماذا تصنع خارج أرضها في غواتنامو والعراق وأفغانستان لتعرف مدى زيف هذه الصورة التي يتفاخرون بها شعبا وحكومة!

فقلت له: أولا يا صديقي فيما يتعلق بحقيقتهم، يجب أن نرى الصورة كاملة لهذا المجتمع شعبا وحكومة قبل أن نصدر مثل هذه الأحكام التعميمية، جنة المهاجرين كما أطلق عليها الآباء الأوائل ليست هي ما نراه في الإعلام الذي جعلها قبلة الإنسانية، فأمريكا التي أعيش بين ظهرانيها الآن ليست أمريكا التي سمعت عنها منذ الصغر!! فأمريكا ليست مجرد وكالة ناسا الفضائية في واشنطن، أو وول ستريت في مانهاتن، أو لاس فيغاس في نيفادا، أو عالم هوليود في كاليفورنيا، أو جزيرة ديزني في فلوريدا، أو ملاهي سكس فلاقز في تكساس، أو مستشفى مايو كلينك في مينيسوتا، أو التايم سكوير في نيويورك، أو جامعة هارفارد في ماساتشوستس!!

أمريكا يا صديقي هي كذلك الوجه الآخر الذي لا نعرفه، فهي ملايين البشر في نيو اولينز في لويزيانا بكل فقرها المدقع وبنيتها التحتية المسحوقة، وهي كذلك ديترويت في ميتشغن التي تصدرت معدل الجرائم وتتفاخر بقوة عصاباتها العالمية تجاه القانون، وهي كذلك منظمات كوكلوكس كلان الناشطة في العنصرية للبيض بمناشطهم السنوية في ولاية اركنسو ذي الغالبية البيضاء، وهي كذلك من أكثر الدول التي امتلأت بعض شوارعها بشحاذيها ومروجي مخدراتها، وهي كذلك التي يقول عنها الكاتب الشهير بصحيفة نيويورك تايمز ديفيد سيبكر: « من ينظر إلى أسفل بلدنا يعرف أنه انتهى الحلم الأمريكي وبدأنا في الكابوس الأمريكي! «، وهي كذلك من لا زالت بعض ولاياتها تطبق عقوبة الإعدام ضاربة بعرض الحائط إدانة الاتحاد الأوربي ومنظمات حقوق الإنسان، وهي كذلك الأحياء العشوائية الشعبية على أطراف كثير من المدن كما في مدينتي التي لا أصدق أن شمالها الراقي لا يبعد إلا دقائق عن جنوبها الذي يذكرك بأحد أفقر دول العالم الثالث رغم أنها من ولايات الشمال الشرقي الراقية، وهي كذلك أمريكا التي يسخر فيها بعض الأمريكيين ذوي الأصول الإفريقية واللاتينية خاصة في فلوريدا من البيض ويسمونهم الوايت تراش أو القمامة البيضاء إشارة عنصرية إلى ضحالة تفكيرهم وتعليمهم، وهي كذلك الدولة العلمانية التي لا يحكمها شيء من مظاهر الدين لكن منذ رئيسها الأول جورج واشنطن إلى باراك أوباما يقسم الرئيس في حفل التنصيب على الكتاب المقدس ويدعو الرب أن يساعده لأداء مهمته أمام الملايين!! وهي كذلك ما زالت تنجب أبطال الحرية الحقوقية مثل ابراهام لنكولن ومارتن لوثر كينغ ونعوم تشومسكي وأتباعهم وما زالت تنجب زعماء العنصرية العرقية والدينية أمثال جون ويلكس بوث ولي هارفي أوزوالد وتيري جونز وأتباعهم، وهي كذلك من قال عنها مكتب الموازنة في الكونجرس الأمريكي في يناير الماضي: « بلغ عجزنا ترليون ونصف الترليون دولار وهو الأعلى في تاريخ دولتنا؛ يجب الحذر قبل أن نفقد السيطرة! «؛ فيا عزيزي أمريكا هي كل ذلك التنوع الذي قد يصل إلى حد التناقض!ا

وثانيا يا صديقي فيما يتعلق بسلوكهم: الأمريكي كغيره من البشر عندما يرى القانون صارما على الجميع فإنه يلتزم به خوفا من العقاب، ورجاء في الثواب، أما إن قل خوفه أو انقطع رجاؤه فمثله مثل غيره في الخير والفساد، ألا ترى أن البشر بالجملة يمتنعون عن فعل بعض ما يريدون فعله خوفا من العقاب السماوي أو القانون الوضعي، ويفعلون بعض ما لا تشتهي أنفسهم فعله رجاء الأجر السماوي أو الوضعي!! كلنا يا صديقي في هذا العالم نؤمن بالفكرة نفسها على اختلاف مشاربنا، كلنا ذلك الإنسان الذي يعمل راجيا ويمتنع خائفا بغض النظر عن مصدر تشريع ما يحكمه!

-

+ - الولايات المتحدة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة