Culture Magazine Thursday  29/12/2011 G Issue 358
أفق
الخميس 4 ,صفر 1433   العدد  358
 
مقاربة
غلبة الأحمري في قصصها "تمثال حزن"
تراوح المجموعة بين قصص ونصوص وحكايات
عبدالحفيظ الشمري

تندرج مجموعة الكاتبة غلبة الأحمري القصصية "تمثال حزن" في خانة السرد الاجتماعي الذي يعمد عادة إلى بسط حكاية الإنسان الذي تتناهبه الكثير من الهواجس الأليمة، لتأتي القصة الأولى "هشيم مشاعر" في هذه المجموعة معبرة عن رحلة الحياة التي تتوقف لتسلم للموت شخصا ما، كان هو زوج البطلة في القصة.. تلك التي تروي للناس حكايتها معه كاملة غير منقوصة.

فقصة موت الرجل في هذه الحكاية معروفة ومطروقة، لكن الكاتبة نكهتها برؤية استقصائية تتعلق برؤية المرأة لحياة الفقد التي باتت فيها، بل نجدها وقد برعت في التقاط الخيط الأول للمأساة حينما وعدها بالحضور على العشاء وهي تخبئ له المفاجأة التي تتمثل في وارد مقدم طفل جنين في أحشائها، لكن الرجل يموت دون الحلم المنتظر، لتستطلع المرأة حجم الغياب بمناجاة صامتة تعكس الألم وتؤرخ لحالة ما بعد الموت لا سيما وهي تنتظر مقدم الطفلة بعد تسعة أشهر بذات المكان الذي ودعت فيه زوجها الراحل.

القصة واقعية بامتياز وسرد الكاتبة موفق إلى حد بعيد حينما حصرت الموقف بهذه الصفحات حيث استطاعت أن تسيطر على الأحداث وتقتضب بالصور وتحرك حتى زمن المستقبل لتنتزع في النهاية صورة الكسب المؤثر حينما وجدت أن الحياة ستستمر رغم كل شيء.

فيما يلي قصة "هشيم.." ندرك أن الكاتبة غلبة وضعت نص "محرقة" ليكون مهداً لفكرة الكتابة الوجدانية التي تسترشد بالنص المفتوح، إذ لم تسيطر الكاتبة على أدواتها القصصية ليأتي النص مزيجاً بين رؤية أشبه ما تكون بالخاطرة، إلا أنها سعت إلى التقاط الخيط السردي في نص "الثامن من تشرين الأول" حيث جمعت شتات الحكاية الحزينة لتصهرها في هذا الهاجس الإنساني على هيئة مشاهد معبرة فيما جاء النص "كذبتي البيضاء" حاملاً ذات العناصر المتشبثة بلغة البوح الوجداني الذي ينزاوح في وهلته الأولى إلى عوالم لا تأبه إلا بما هو وجدني حتى وإن كان على حساب التشكل الفني للقصة وعناصره المألوفة في أي نص قصصي على نحو (الفكرة والحدث والحيز الزماني والمكاني واللغة) حيث لم تظهر معالم القص في هذا النص ونصوص أخرى ربما لرغبة لدى الكاتبة أن تمازج بين النص القصصي والنص المفتوح أو ما يسمى بالخاطرة.

في نص "تمثال حزن" الذي يحمل اسم المجموعة جاء مزيجاً عضوياً للخاطرة والقصة من حيث تحديد الفكرة بوصفها إطاراً يمكن للراوي أن يتمثل فيه الكثير من الصور بين شخصيتين محوريتين هما المرأة والرجل لتأخذ الأحداث تصاعدها الوجداني على مساحة من السرد الذي يُكوِّن هاجساً مترامياً لتلك العلاقة بين الرجل والمرأة.

فالكاتبة استبطنت صورة "الحب" المفترضة.. تلك التي لم تجد لها أي أثر في ثنايا هذه المقارنة الحية والعاصفة، إذ لم تجد مع الرجل أي احتمالية للتعايش الوجداني، ناهيك أن تبحث عن علاقة متوازنة تصل فيها المرأة إلى غاية مطامحها برجل ينصفها.

لكن لحظة التنوير في هذا النص تعكس حكماً مسبقاً على الطرف الآخر من الصراع حينما استخلصت الكاتبة أن شخصية المرأة في هذا النص لا بد لها إلا أن تكون منكسرة أمام سطوة الهموم وقسوة من يشاركها الحياة في هذا العالم من حولها.

في قصة "ابتهال" تسترد الكاتبة غلبة مزية السرد القصصي، إذ تعمد إلى نبش ذاكرة البطل في تبسط واضح مال إلى العرض الحكائي الذي تتواتر فيه الأحداث التي كان يمر فيها البطل "العم صالح" إلا أن هناك إطالة ما تنحو بالنص نحو فكرة المشروع الروائي الذي يلتقط الكثير من المشاهد والصور التي قد لا تستوعبها فضاءات القصة القصيرة.

يمكن لقارئ هذه المجموعة أن يخرج بفكرة عامة مفادها أن الكاتبة غلبة عمدت إلى التبسط في شرح حكاية الإنسان بغية الوصول إلى فكرة النص الاجتماعي الذي يحتاج في الغالب إلى لغة هادئة، وحشد للصور وإن مالت هذه النصوص إلى استحضار اللغة الشعرية حينما تكون هناك مساجلة ما بين رجل يعتد بذاته وامرأة لا ترضى أن تتكالب عليها الأحزان والهموم وظلم ذوي القربى أو البعداء.

***

إشارة:

تمثال حزن (قصص)

غلبة الأحمري

دار الكفاح - الدمام - (ط1) - 1432هـ

تقع المجموعة في نحو (118صفحة) من القطع المتوسط.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة