Culture Magazine Thursday  29/12/2011 G Issue 358
فضاءات
الخميس 4 ,صفر 1433   العدد  358
 
البحث عن نورة الغامدي
سيمون نصار

شكلت الرواية السعودية مطلع الألفية الجديدة. شكلت، علامة فارقة في الرواية العربية المعاصرة. لا نقول ذلك، لأسلوب، جديد، جاءت به هذه الرواية. ولا لتقنيات خارجة عن المألوف في الكتابة. ولا لضخها دماء، جديدة، في حركة الكتابة الأدبية العربية.

الحق، أن الدافع لقول ذلك هو أن هذه الرواية، خرجت من رحم مجتمع مغلق اشتهر بالصمت، خصوصاً في كل ما يتعلق بنصفه الأنثوي. هذا أمر، لم يكن يخطر ببال قاريء بعيد عن هذا المجتمع. بثناياه وتفاصيله، بحلاوته ومراراته، بقضاياه الأساسية ونوافله، بأبعاده ودواخله، بموزاييكه وشرائحه، بطبقاته جميعها من أعلى الهرم وحتى أسفله. وهو مجتمع، دأب الخارج على تصويره بتصاوير، تتأرجح بين غنى المخيلة وضحالة المعلومات. جاءت الكتابة الأدبية فغيرت كل شيء. نسفت الصور الراسخة على أنها مسلمات، ودمرت كل ما كان قد قيل وما كان سيقال.

لعبت الرواية السعودية دوراً كان يجب أن تضطلع به قبل زمن. الرواية التي كتبتها المرأة في السعودية، كانت مدهشة. وفي القراءات الأولى، كانت تنزل على رؤوس القراء كما تنزل الصاعقة على رأس الأرض. لا يكمن التغيير في ثورة وخروج عن المجتمع بل في مواجهة المجتمع بالمخيلة. الكتابة تأخذ شكل كرة الثلج التي حين تنزل من أعلى القمة، فإنها تجر معها الصالح والطالح، تحوي كل شيء، من الأشياء اللامعة والأكثر بريقاً حتى الأشياء التي لا ضوء لها ولا لمعان، وهذه كثيرة. هذا ما فعلته الرواية النسائية في السعودية. كانت المخيلة التي كتبت الرواية، أقوى بكثير من الرصانة التي يفرضها المجتمع. ولإن كان الصراع هنا، يتمحور بين المخيلة والرصانة، فإن المخيلة ربحت أشواطاً لا بأس بها، في حين أن الرصانة، بقيت هي الأساس الذي تبنى عليه قيم المجتمع. وهذا دور الكتابة، نفسها. إذ هي عملية انتقائية تتعلق بمخيلة الكاتب (ة) والزاوية التي يقرأ من خلالها في ثنايا المجتمع.

خلال ما يقرب من نيف وعقد، فرزت المخيلة الروائية السعودية، قضايا الإجتماع السعودي. منها ما نهل من معين الحكايات الشعبية القديمة، ليخلق عالماً قريباً الى السحر منه الى الواقع. ومنها، ما تناول قضايا معاصرة، ربطت بمجالات التطوير التي سار عليها الإجتماع. ومنها، ما تفرد برواية الواقع كما كان وكما هو دون أن يقرب من محاذير وأخطار ومن مفاصل أساسية. ومنها، ما أدخل السياسة الى الرواية وكذلك الإدارة. ومنها، ما لاحق عزلة الفرد وإهتمامات العزلة الى جانب علاقاتها في مجتمع هو أقرب الى تقديس العزلة بمعناها التقليدي الصارم. ومنها، ما جعل من الذات الراوية بطلة وسط محيط هادر من الكلام المقنن. ومنها، من حاول ملامسة الفرد في تلاشيه وغيابه عن المجتمع ودور المجتمع في رفع وبناء أبطاله. ومنها، من جعل من كل هذه القضايا والمفاصل محوراً لنص، كان، ما أن يصل الى نقطة حتى يعود الى نقطة البدء. ومنها، من آثر وضع المجتمع تحت مبضع مخيلته فشرّح وشرّح كل شيء في طريقه ليصل في نهاية النص، الى غياب البطل وغياب المحور وغياب النص. وفي كل هذا كان البطل الوحيد هو المجتمع والراوي الوحيد هو المجتمع والكاتب الوحيد هو المجتمع.

ليس الإنتصار، هنا، لدور المجتمع السعودي في خلق حكاياته، دوراً نافلاً، أو هامشياً. نظرة سريعة، على كل ما كتب من روايات، في ما يزيد على عقد من الزمن. تفيد بسطوع، أن المجتمع السعودي تغلب على كل أبطال المخيلة الروائية السعودية. فكان هو البطل وهو المحور وهو الشخصيات وهو الرواية. إذ يندر في حالات أخرى أن يختزن المجتمع كل حكاياته لنفسه، وحين تكتب، لا يمكنها الهروب منه الى شخصيات أخرى وأبطال وهميون.

والحق أن ما يمثله المجتمع السعودي للرواية السعودية، راهناً. شبيه بما مثله المجتمع المديني المصري لمخيلة نجيب محفوظ. فالبدايات دوماً تكون بلا أبطال، حيث تتغلب سطوة المجتمع بخصائصها ومميزاتها على ما عداها من حيثيات، قد تكون، إن كانت علامات خافتة الضوء، أمام سطوع شمس المجتمع والتقاليد.

قبل عقد. كتبت صبية تسمى نورة الغامدي روايتها الأولى «وجهة البوصلة». كتبت ما كتبته وصمتت لأسباب مجهولة. لا أحد يعرف لماذا تصمت كاتبة؟ ربما لأنها قالت في روايتها كل ما كان يعتمل في مخيلتها، وربما، لأنها أرادت للرواية أن تكون فاتحة لنهاية قصة المجتمع. رواية - فضة - مع الأسف كانت رواية وحيدة واحدة لم تتكرر. أبحث عن الأسباب ولا أجد مبررات فعلية، لصمت هذه الكاتبة، التي نقلت بروايتها، قصصاً منسية، وحكايات، شكلت بحق، عمل المخيلة الروائية، وبدعة النص واللغة. والى جانب هذا، كانت قد قتلت بطولة المجتمع بعد تعريتها من مضامينها كافة.

أين نورة الغامدي؟

باريس

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة