Culture Magazine Thursday  29/12/2011 G Issue 358
فضاءات
الخميس 4 ,صفر 1433   العدد  358
 
رؤية
الثقافة الرقمية (2 ـ 3)
فالح العجمي

كنا في المرة الماضية قد تحدثنا عن ثقافة القرن الحادي والعشرين وإرهاصاتها في القرن الماضي، وحللنا ما رافقها من اختراق خصوصيات الإنسان في العصر الحديث بواسطة أنظمة الحاسوب، التي تدخل فيها بيانات الناس بكل أشكالها، وتتاح في كثير من الأحيان لغير المخولين بالاطلاع عليها لضرورات تتعلق بالعمل أو أمن المجتمع العام. وإذا أضفنا إلى تلك التجاوزات ما ابتكرته التقنية الحديثة، وطبقته بعض أجهزة الأمن والتنظيم في منافذ الحدود البرية والبحرية والجوية، وفي بعض المواقع المهمة؛ مما يتعلق بكشف كل ما تحت الأجسام الصلبة (الملابس وغيرها من المتعلقات اليدوية)، نكون قد وصلنا إلى مرحلة التعدي على جسد الإنسان، ومعرفة ربما لا تكون ضرورية بكل ما يحمله الإنسان في حقيبته اليدوية، وهو الأمر الذي يرعب كثيراً من الناس إزاء تطور التقنيات الحديثة.

لكننا الآن نتوجه إلى تناول واقع رقمنة التعامل البيروقراطي بكافة فروعه، ومستقبل هذه الآليات، وآثارها في واقع الإنسان الحالي، ومستقبل البشرية بشكل عام. وإذا بدأنا بإيجابيات ذلك الواقع، فإن سهولة الدخول إلى مراكز البيانات الخاصة بأي جهة حكومية أو خاصة، ومعرفة سجل الأشخاص أو الشركات المتعاملة مع تلك الجهة قد سهّل عملية البت في إجراءاتها على علم بصحة الإجراءات المتخذة، كما سهّل سرعة نقل الأموال بعد التثبت من كافة الأطراف المتعلقة بها، وأحكم الخناق على المجرمين ومتجاوزي القوانين بسرعة تعقبهم والقبض عليهم قبل فرارهم. وربما عرفنا عن حالات أنقذت فيها معلومات كبيرة جداً وفي غاية الحساسية والأهمية من الضياع أو العبث بها نتيجة سهولة حملها أو إنقاذها؛ سواء تعلق الأمر بحريق أو كارثة طبيعية، أو بحرب وغزو عسكري، كما حدث في حالة احتلال الكويت سنة 1990م، إذ أنقذ الكويتيون سجلاتهم الوطنية بأخذ نسخة ممغنطة منها معهم عند نزوحهم إلى السعودية. وبعد انتهاء الاحتلال اعتمدوا على تلك النسخة في تكوين نواة السجلات الوطنية للمواطنين والمقيمين في الكويت.

كل تلك الإيجابيات وغيرها أيضاً مما لم أورده لا يمنع أن لها جوانب سلبية؛ تتمثل في هشاشة أبنيتها القائمة أساساً على شبكات الاتصالات. وكما هو معروف، فإن بعض حوادث تلك الشبكات المتعلقة بكوارث طبيعية، أو عوامل تخريب محلية، قد أدت في بعض الأحيان إلى انقطاع الشبكات عن الخدمة. فإذا كانت كل مصالح الناس وعلاقاتهم البيروقراطية قائمة على البنية الشبكية، فإن أعمالهم ورحلاتهم – الجوية على وجه الخصوص – ستتوقف تماماً، لعدم وجود البدائل، ولكون جميع المؤسسات اختارت هذا التعامل الرقمي الذي ييسر الأعمال بطريقة لا تنافسها فيها أي وسيلة أخرى. هذا خلافاً لاستغلال هذه الصفة في بعض بلدان العالم المتخلفة، وأظن القراء يعرفون تجارب لهم أو لغيرهم في هذا المجال؛ فلكون بعض من يعملون في تلك الأجهزة البيروقراطية يعلمون أن المراجع يدرك مدى اعتمادهم على الأنظمة الحاسوبية؛ فيستسهلون التحجج بكون النظام متعطلاً، أو الاتصالات غير قائمة، أو النظام الآلي لا يقبل كذا، من أجل تأجيل الأعمال، أو عدم أداء المهام الملكفين بها، مثلما اعتاد بعض المراجعين على سماع عبارات مثل: «سيستم داون»، أو «السيستم لا يقبل» الكفيلة بتحقيق قسط من الراحة لمطلقيها، أو التخلص من إلحاح بعض المراجعين.

ومن جانب آخر يتعلق بالعمر الزمني لما يسمى «السوفت وير»؛ سواء كانت أرشيفات أو بيانات خاصة، فإن هذا يستدعي تحديث الوسائل بين الفينة والأخرى، لكي تصبح قابلة للتشغيل على المعدات التي تتطور باستمرار (الهارد وير)، خاصة إذا كانت من النوع الذي يتطلب الحفظ لفترات طويلة.

الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة