Culture Magazine Thursday  29/12/2011 G Issue 358
فضاءات
الخميس 4 ,صفر 1433   العدد  358
 
صدى الإبداع
الخطاب النقدي الحديث(5)
د.سلطان بن سعد القحطاني

تحدثنا في الخلقة السابقة عن الدراسات التي عالجت الأدب بمفهومه العام، كمرحلة أولى للدراسات الأدبية المتخصصة، وجاءت من بعدها الدراسات التخصصية في فرع واحد، وبدأت من بعدها الدراسات المتخصصة في الشخصيات الأدبية. بدأت دراسة الشخصيات الأدبية في مصر منذ أن كانت دراسة العقاد النفسية عن ابن الرومي وتلتها دراسات أكاديمية عن الأدباء والعلماء والمفكرين، أما دراسة الشخصيات الأدبية في المملكة، فقد بدأ دراستها الدكتور، محمد بن سعد بن حسين، بدراسة عن الشيخ محمد بن بليهد، حصل بها على الدكتوراه من جامعة الأزهر، وصدرت في كتاب فيما بعد (26) وتعتبر هذه الدراسات دراسات تأسيسية للدراسات التي قامت بعدها في الجامعات السعودية، متخذة من الدراسة العامة دراسات فرعية، اقتدى بها الباحثون في تاريخ الشخصيات الأدبية، لمن يستحق ومن لم يستحق، وقد أحصاها الباحثون والراصدون للحركة الأدبية فوجدوا جل هذه الرسائل على هذا المنوال، بما يقارب 127 رسالة، من عدد الرسائل الصادرة في المملكة، وعددها (338) ثلاثمائة وثمان وثلاثون رسالة، أي بنسبة 37.5 في المائة، وهذه نسبة كبيرة في عالم الدراسة، وسنتحدث عنها لاحقاً. والجانب الآخر الذي أوغل فيه الدارسون موضوع الأدب الحديث، وخاصة فيما يتعلق بدراسة الرواية، فقد صدر في عالم دراسة الرواية عدد كبير في الشخصيات الروائية، فهناك دراسة عن (صورة الرجل في الرواية السعودية التي كتبتها (المرأة)، وهناك تفريعات كثيرة في الرواية، من حيث اللون، والشخصية، واللغة الروائية، والبطل...، وغيرها، وهناك دراسات إحصائية للدراسات الأدبية التي قام بها باحثون سعوديون، سواء كانت هذه الدراسات من داخل الجامعات السعودية، أو من خارجها، وخاصة من الطلاب الذين درسوا في الجامعات العالمية قبل أن توجد الدراسات العليا في الجامعات المحلية، وكان من أوائل الرسائل الجامعية التي اهتمت بالإبداع الأدبي، مجموعة قليلة العدد عظيمة الفائدة، لسببين مهمين عادا على الدراسات الأدبية في المملكة والعالم العربي بالفائدة، الأول، أنها دراسات تأسيسية قامت تحت إشراف أساتذة عالميين متخصصين، وثانيهما أنها أجريت في جامعات توفرت فيها وسائل البحث العلمي، إضافة إلى المناقشات المستمرة التي كانت تقام في تلك الجامعات. كان أول هذه الدراسات، دراسة الدكتور منصور الحازمي، وإن كانت ليست خاصة بالأدب المحلي، لكنها في الأدب العربي، وفتحت الباب وساعدت الباحثين على التعرف على مناهج دراسة الأدب السردي بشكل عام، كانت الدراسة عن روائي مصري وقدمت في مدرسة الدراسات الشرقية في لندن(27) ودراسة الدكتور عبد الله المبارك عن الأدب في شرق الجزيرة العربية، وقدمت في جامعة الأزهر في القاهرة، (28) ثم جاءت دراسة كاتب هذا البحث، كأول دراسة عن الرواية في المملكة (29)، ولا نبالغ في جودة هذه الدراسات، بقدر ما نقدر لها ريادتها، حيث كانت هذه الدراسات رائدة في مجال الدراسات النقدية عن المملكة، قبل أن تظهر الدراسات داخل المملكة، وهي المصادر الأساسية لدراسة الأدب، حسب المناهج الحديثة، ومن ثم توالت الدراسات العليا في المجالات التي طرقها هؤلاء الباحثون في الجامعات العربية وغير العربية، على ضوء هذه الدراسات بخصوصية أكثر، حيث كانت تلك الدراسات السابقة مراجع أساسية شاملة تفرع منها دراسات أكثر تخصصية في فرع المادة الواحدة كموضوع مستقل، وأكثر ما طرق في هذه الموضوعات التي ذكرتها موضوع الرواية، ونظراً لحداثتها وكثرتها بعد الدراسة الأولى التي أسست لنوعية الدراسة، وإن كان يؤخذ على هذه الدراسات الحديثة التي ظهرت في جامعاتنا فيما بعد ضعف المستوى المعرفي، وعدم الدقة، وخاصة فيما يتعلق بالمصطلح نفسه، وميل الكثير منها إلى النقل المباشر والخلط الغريب في المصطلح السردي، والسبب أن الباحثين لم يدرسوا المصطلح النقدي بعمق، بل اعتمدوا على النقل من مصادر قديمة وتقليدية.

وتفرع عن هذه الدراسات دراسات خاصة بموضوع من موضوعات الدراسة الأم، لكن قليلاً منها الذي تمسك بالمنهج العلمي الموجود فيها، وبالتالي ظهرت الأخطاء المنهجية والتكرار، والحشو غير المبرر، والتقليد، وأصبحت الرسالة خالية من المنهج النقدي، إلا فيما ندر عند بعض الطلاب الذين كانوا يمتلكون ثقافة معرفية قبل دخولهم في مجال الدراسات العليا، ومن هذه الإشكاليات ما يلي:

أولاً: التكرار: كل منا في زمننا الجميل الذي كانت الدراسة العليا وسيلة لا غاية يتذكر جيداً تلك العبارة التي تتوسط خطاب الموافقة على البعثة الدراسية، والتي ما تزال محفورة في ذاكرة كل منا، نصها» على أن يقوم الطالب ببحث أصيل» وهذه العبارة تعني أن يتأكد الطالب، والجامعة التي يدرس فيها من أن هذا الموضوع لم يبحث من قبل باحث سبقه، ثم يوثق الدراسات التي لها علاقة ببحثه بشكل عام، ليؤصل الناحية العلمية المنهجية، ممن سبقوه في المنهج فقط وليس في الموضوع، وللأسف الشديد أن هذه العبارة وما يتعلق بها في الدراسات الأخيرة أهمل تماماً، فالبحث لم يعد أصيلاً لم يطرق، والمنهج العلمي -على وجوده- لم يعد قوياً بسبب طرقه وتكراره، فإذا أخذنا موضوع الشخصيات الأدبية، وهي مشروع جيد يعود على الأدب والثقافة بمردود جيد، من حيث إبراز هذه الشخصيات والوفاء لها بما قدمت في زمن صعب جداً، نجد أنها استهلكت بكثرة تكرار ما فيها من عبارات طبق الأصل، ولم يجد الباحث فيها مادة دسمة تلبي رغبات من يتلقاها، من حيث التشابه في الحياة التي عاشها المدروس، فالظرف الزماني واحد، والظرف المكاني شبه واحد، والمصدر الثقافي واحد، تحت تلك العناوين المختزلة في كلمتين( حياته وشعره) الذي أصبح مزعجاً من كثرة تردده على أغلفة الرسائل الجامعية، وقد شعر بعض الباحثين بثقل هذا العنوان، فغيره إلى (حياته وأدبه) وهذا التغيير مخالف من ناحيتين، الأولى، أن الشعر أدب، والأدب كلمة فضفاضة تتفرع إلى فروع كثيرة، من ضمنها الشعر، فبدل أن يكون الموضوع مضموماً مركزاً علة مفردات المادة يتوسع العنوان ليشمل موضوعات أخرى، هنا تضيع الفائدة؛ والثانية لا يجوز لرسالة علمية تغيير عنوانها، خاصة في الطبعة الأولى؛ فإذا كانت شخصية درست مثل الدكتور غازي القصيبي فيما يزيد على عشر رسائل، فإن السؤال الذي يتردد على ألسنة المتلقين والنقاد والدارسين للخطاب النقدي، ماذا بقي في القصيبي ليدرس، وماذا سيستفيد المتلقي والمكتبة النقدية من هذه الدراسات؟؟، ولسهولة هذا الموضوع، فإن الباحثين في التوثيق (الببليوجرافيا) قد وجدوا في رصدهم أن أكثر البحوث كانت في الشخصيات التي وصفنا عنوانها الموحد (حياته وشعره) وللحديث بقية في الحلقة القادمة.

الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة