Culture Magazine Thursday  30/06/2011 G Issue 348
الثالثة
الخميس 28 ,رجب 1432   العدد  348
 
إمضاء
الزاهد
إبراهيم بن عبد الرحمن التركي
-

** اختفى عن المشهد بإرادته، وبعدما كان نجمًا في الدائرتين الرسميةِ والثقافية توارى حتى كأن لم يكن؛ مكتفيًا بعبادةِ الله وخدمةِ عبادِ الله.

** في مكةَ المكرمة نشأ وعاشَ وأمِنَ وتبتَّل، وفي المدينةِ المنورةِ انقطع عن الناس من أجلِ ربِّ الناس، وكانت ولادته في الطائف ودراسته في مكةَ والهند وإقامته في وطنهِ وفي جنوب أفريقيا ومصر؛ ما أضاءَ ملامِحَهُ بتنوعِ المكانِ والإمكانات.

** استوزرَه الملك فيصل أو «الملِك الذي ملَك» - كما أسماه - لوزارة الحج والأوقاف، وبقيَ بعد الوزارةِ، مثلما كانَ قبلها، معنيًا بشؤون الأدبِ والثقافة: مؤلفًا وكاتبًا ومسؤولَ تحرير، ومعتصمًا بمبدئيته المنطلقةِ من جذور تُربته وعُمقِ تربيته.

** أهمَّته قضايا المسلمين فعمِلَ من أجلها وتولَّى الإشراف على عددٍ من الأعمال الإغاثية الكبيرة، وآمن بفعل الخير مَعبرًا ومِنبرًا، ولم يقتنع بما يسمى «عمليةِ السلامِ» مع يهود، مثلما تصدى للفكرِ الشيوعي حينَ امتدت ظلاله في فترةِ الثورات العربية المبكرة.

** حكى تجربته في كُتبهِ «هذه حياتي» وَ«أشخاص في حياتي» وَ«صفحات مطوية من حياتي»، ثم لم يكتُب شيئًا عن نفسه إلا ما ورَدَ عَرَضًا في لقاءاتٍ إعلامية؛ متجاوزًا حكاياتٍ مهمة في تجربته الإعلاميةِ والإداريةِ والذاتية، ومنها مرحلة سجنه التي يومئُ إليها ولا يتوقفُ عندها.

** زهد في الحياةِ ولم تزهد به؛ فتجاوز عمره -حفظه الله- مئةَ عام قضى العقود الأخيرةَ منها مجاورًا في مسجدِ رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلَّم» مكتفيًا بشقةٍ صغيرةٍ مستأجرةٍ لا تتفقُ مع اسمه ووسمِه، راغبًا فيما عند الله، ملازمًا الروضةَ الشريفة حتى أوهنه الكبر وأقعده.

** معالي السيد حسن محمد كتبي «الطائف 1910م-» تعلمَّ في مدارس الفلاح في مكةَ المكرمة وبومباي الهندية، ودرَّسَ في المعهد العلمي السعودي ثم انتقل للعملِ مع وزير المالية آنذاك وأشرفَ على تعليم أولاده في مصر التي أسس فيها أعمالاً خاصة حتى عُيِّن وزيرًا وكُرم بأوسمةٍ ومُنح درجات علمية فخرية من كثير من البلدان.

** له كتبٌ منشورة ومخطوطة من أبرزها: السياسة، ميكيافيللي في كتابه الأمير، نظرات ومواقف، ملامح من شخصية البلاد العربية المقدسة، سياستنا وأهدافنا، دورنا في زحمةِ الأحداث، النثر الفني، في موكب الحياة حاضرنا وماضينا، الإسلام وحقيقة الوجود الإنساني، شموع على الطريق، عدا ما سبقت الإشارةُ إليه من كتب الذكريات.

** عُرضت عليه - كما يقول القريبون من دائرته - مناصبُ مهمة؛ فاعتذر عنها مكتفيًا بالعمل الخيري، مقتنعًا بأداءِ حقوق ِ ربه وأسرتهِ، ومطمئنًا إلى ما قدمه في حياته لما بعد مماته - أطال الله في عمره.

** سبقه في الوزارة -التي أكملت نصف قرنٍ منذ إنشائها- الشيخان حسين عرب ومحمد عمر توفيق، وخلفَهُ الأستاذ عبد الوهاب عبد الواسع والدكتور محمود سفر والأستاذ إياد مدني والدكتور فؤاد الفارسي، وأعمالهُ فيها كما غيره من الوزراء موثقة لكن سجله الصحفي والكتابي يحتاج إلى كثيرٍ من العناية؛ فبعض مؤلفاتِه لم تُنشر ككتابه عن السياسة الإسلامية وكتابه عن الشيخ محمد سرور الصبان، وما أُشير إليهِ في ثنايا الزاوية، وبعضها نَفدت طبعاتُها من الأسواق ويصعب العثور عليها، ولعلَّ أسرته الكريمة تهتمُّ بجمع أعماله، أو لعلَّ الشيخ عبد المقصود خوجه يصدرها ضمن أعمالِه الجليلة في نشرِ مؤلفات الأدباء المكيين إن لم يكن قد قام بذلك فعلاً.

* الزهد بقاءٌ ونقاء.

-


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة