Culture Magazine Thursday  02/02/2012 G Issue 361
عدد خاص
الخميس 10 ,ربيع الاول 1433   العدد  361
 
إلى أمي..
لينه الجويسي

 

عرفتكِ سعياً دائماً نحو التجدد، أنامل تنسجُ مساراتٍ وألواناً عديدة، إصراراً على الإنجاز، رفضاً للهزيمة، عناية بالتفاصيل الدقيقة، وفضولاً بريئاً يمتد نحو وجدان الآخر بدفء التواصل الإنساني. تعلمت منك كيفَ أتحدث مع أبسط الناس، في ردهة انتظار أو سيارة أجرة، دون تردد، لأشاركهم برواية يحملونها عن حياتهم، وأذكر دهشتي البالغة حين رأيتك تفعلين ذلك أول مرة، فأدركت، على يديك، كيف أمدّ جسراً نحو الآخرِ، ذلك الموقف الذي صغتِه لاحقاً مشروعاً يحمل همنا الأكبر.

وعرفتُ معك الحِراك الفكري المتوثّب، وصداقة تتعدّى علاقة الأم بالابنة، وعرفت معك قدرة الضحك على الذات والانشغال بالعمل، وعرفت كذلك الحلم الذي لا يُقتل والأملَ الذي يُنصِّب نفسه فوق حُطام اللحظةِ فعلّمتني أن الأفق جدارٌ ينبغي تسلقه، وأن الحرية تتكون داخل الروح، وأن الحظ مخلوق الذات. عرفت منك الجرأة على الحياة. وكم من مرة في اللحظة الحرجة، أسمع صوتك يتردد في أذني: «أقدمي لينة ولا تخافي». ومن خلال إقدامك أنت وجرأتك فهمت معنى تلاصق المبدأ بالممارسة، وأحببت فيك ضوء الطفولة في العينين ووميض العزيمة.

من مسيرتكِ عرفتُ أن الإنجازَ الكبير الذي يحمل متسعاً إنسانياً يتطلب، إلى جانب الإبداع، المسؤولية الفردية الملحّة التي تتواصل مع الجهد الجماعي وتحفّزه، وأن من خلال تشابك الفردي بالجماعي، التشابك المتين الخلاق، تُحاك المشاريع الكبيرة وتُنسج الثقافة الراسخة.

دائماً أستشعر الأمان والثقة وأعود إلى نقطة التصميم بحضورك، ودوماً حين تكونين بعيدة أفتقدك وأفتقد تطلعك ودفئك ومشاريعك التي تتدفق الواحدة من قلبِ الأخرى.

كم يسعدني أني شاركت بقدر بسيط في رحلتك الطويلة هذه، الشاقةِ أحياناً، المتشعبة بإصرار، التواقة أبداً. حملتِ شعلة فكرة كانت لَتحرقَ من كان أقلّ إيماناً بها.

فكم يسعدني أن أشارك بهذه اللحظة وأحتفل بك، أنت المثال الذي أضعه نصب عيني باستمرار، أمي، سلمى الخضراء الجيوسي.

* أستاذة علوم الاتصال والإعلام في جامعة زايد، دبي

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة