Culture Magazine Thursday  02/02/2012 G Issue 361
عدد خاص
الخميس 10 ,ربيع الاول 1433   العدد  361
 
شاعرة..كاتبة..أكاديمية
د. منصور الحازمي

 

سعدت بمقابلة الأستاذة الجليلة الدكتورة سلمى الخضراء الجيّوسي في مقر إقامتها ببوسطن، على مقربة من جامعة هارفارد، أقدم جامعة في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد مرت سنوات طويلة على آخر لقاء لي معها في مدينة الرياض حين عملنا معاً في إنجاز مشروعنا العلمي المشترك (مختارات من أدب الجزيرة العربية) أو كما تنص ترجمته على وجه التحديد (أدب الجزيرة العربية الحديثة- مختارات) The Literature of Modern Arabia, an Anthology، فالحداثة في النص الإنجليزي وصف ل(الجزيرة) العربية وليس للأدب، وذلك للتنبيه على ما حدث من تطور هائل في هذا الجزء من العالم الذي ارتبط في أذهان الغربيين بالهمجية والتخلف. كانت الدكتورة سلمى تمثل مؤسسة (بروتا)، وكنتُ والزملاء الأساتذة الدكتور شكري عياد - رحمه الله - والدكتور أحمد الضبيب والدكتور عزت خطاب نمثل هيئة تحرير هذا الكتاب من ممول المشروع جامعة الملك سعود. أما فكرة المختارات نفسها فقد اقترحتها أنا على الدكتورة سلمى ففرحتْ بها، كما فرح بها وأقرها بقية الإخوة الزملاء، ذلك لأنني كنتُ قد توليت تدريس مادة الأدب السعودي منذ عودتي من بريطانيا سنة 1386ه- 1966م، وقد كانت مادة جديدة أُدخلت إلى برنامج قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة الملك سعود بناءً على اقتراح أستاذنا الجليل الدكتور علي جواد الطاهر - رحمه الله- غير أنها مادة لم تخدم أو لم تُبحث كما ينبغي، ولم يظهر عنها في ذلك الوقت سوى بضعة مؤلفات محدودة المجال والقيمة، وأهمها كتاب أستاذنا الكبير عبد الله عبد الجبار (التيارات الأدبية الحديثة في قلب الجزيرة العربية). وبمضي السنوات وكثرة المؤلفات التي صدرت فيما بعد عن الأدب السعودي، أعاد قسم اللغة العربية النظر في هذه المادة وحاول توسعة حدودها لتشمل كافة بلدان الجزيرة العربية، وعلى رأسها بطبيعة الحال المملكة العربية السعودية، فيكون مسمى هذه المادة إذن (الأدب العربي الحديث في الجزيرة العربية) بدلاً من التسميات القطرية السائدة. ولا شك أن المتغيرات السريعة التي حدثت آنذاك في المنطقة وأهمها قيام مجلس التعاون كانت من أهم العوامل على توسيع النظرة والتفاؤل بتحقيق وحدة عربية أوسع وأشمل.

هكذا جاء كتاب الجامعة و (بروتا) (مختارات من أدب الجزيرة العربية) الذي صدرت طبعته الأولى في لندن سنة 1988م، محققاً لذلك الطموح الذي كنا جميعاً نشعر به ونتحمس له، والأهم من ذلك كله أنه أول كتاب يطلع القارئ الغربي على نصوص إبداعية باللغة الإنجليزية لشعراء وكتاب من هذه المنطقة التي لا يعرف عنها حتى العرب أنفسهم إلا القليل. لقد تجمع أبناء الجزيرة العربية في هذا الكتاب في حشد يشبه التظاهرة فبلغوا خمسة وتسعين شاعراً وكاتباً يحتجون على طول الإهمال والنسيان، لا بالخطب الطنانة المثرثرة، بل بالكلمات الجميلة المؤثرة وسحر البيان.

ولقد ساعد على الترجمة مجموعة مختارة من المختصين العرب، إلى جانب نخبة من الشعراء والكتاب الإنجليز والأمريكيين، ولولاهم ما استطاعت البلاغة العربية أن تجد طريقها إلى أفئدة وأذهان المتلقين من قراء اللغة الإنجليزية، لغة العالم الجديد.

ولكن الدكتورة سلمى الخضراء الجيّوسي كانت هي (الدينمو) المحرك لهذا المشروع، ولجميع المشروعات العلمية الأخرى التي نفذتها (بروتا) حتى الآن، وهي مشروعات كثيرة ومتنوعة.

وتعجب لهذه الحيوية المتدفقة التي تتمتع بها سيدة لم تعد في مقتبل العمر ولكنها لا تعرف المستحيل، تمتلئ علماً وطموحاً وأفكاراً، اغتربت عن موطنها الأصلي فلسطين، منذ زمن طويل، ونقلت نضالها الوطني إلى قلب العالم المتصهين في الولايات المتحدة الأمريكية.

لقد أدركتْ بنظرها الثاقب وتجاربها الواسعة أن الفجوة الثقافية بيننا وبين الغرب هي من أهم الثغرات التي يلج منها الصهاينة في أوروبا وأمريكا للنيل من الأمة العربية وتشويه صورتها ماضياً وحاضراً بكل ضروب الزيف والتحامل.. لذلك فقد قامت بتأسيس (بروتا) (PROTA) وهي اختصار لعبارة (Project of Translation from Arabic) (مشروع الترجمة من اللغة العربية)، واستقطبت لها كبار الباحثين والمبدعين من العرب

كان أولهم الأستاذ الدكتورإيرنيست مكاروس رئيس قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة مشيغان الذي أسس مشروع بروتا مع الدكتورة سلمى، ثم الدكتور صالح جواد الطعمة رئيس قسم دراسات الشرق الأوسط يومئذ في جامعة إنديانا وسواهما...إلخ.

إن ما قامت وتقوم به الدكتورة سلمى الجيّوسي ومؤسستها (بروتا) لهو عمل يتجاوز طاقة الأفراد بإمكانياتهم الضئيلة ومصادرهم المالية المحدودة، ويدخل في صميم المهمات التي يجب أن تتولاها المنظمات الحكومية سواء على مستوى القطر أو على مستوى الأمة بأجمعها. وأعتقد أن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، التابعة لجامعة الدول العربية.. وربما منظمات أخرى قد قامت بشيء من هذا، ولكنني لا أعرف مؤسسة عربية تنافس (بروتا) في المثابرة ودقة العمل، وأستاذتنا الجيّوسي لا تناضل في سبيل جمع المادة العلمية فحسب، بل تناضل أولاً في سبيل جمع المادة المالية، من المسؤولين والمتطوعين، والتي تستطيع بواسطتها أن تصرف على الباحثين والكتبة والمترجمين والإداريين أي على إنجاز مشروعها في أسرع وقت ممكن، للالتفات بعد ذلك إلى مشروع آخر، وهكذا.

وقد صنفت الدكتورة سلمى مطبوعات (بروتا) على النحو الآتي:

أولاً: الأنطولوجيات:

1 - الشعر العربي الحديث Modern Arabic poetry

2 - مختارات من أدب الجزيرة العربيةLiterature of Modern Arabia

3 - مختارات من الأدب الفلسطيني الحديث Anthology of Modern Palestinian Literature

4 - القصص العربي الحديث Modern Arabic Fiction

5 - المسرحية العربية الحديثة Modern Arabic Drama

6- المسرحيات العربية القصيرةArabic Short Plays

7- القصة العربية الكلاسيكية The Classical Arabic Story, an Anthology

ثانياً: مؤلفات في الحضارة الإسلامية:

1 - تراث المسلمين في إسبانيا The Legacy of Muslim Spain

2 - المدينة في العالم الإسلاميThe City in the Islamic world

3- وكتاب حقوق الإنسان في النصوص العربية Human Rights in Arabic Thought

ثالثاً: مؤلفات لبعض الكتاب والشعراء:

1 - المتشائل، لاميل حبيبي The Secret Life of Saeed the Pessoptimist

2 - أغاني الحياة، لأبي القاسم الشابي Songs of life

3 - الصبار لسحر الخليقة Wild Thorns

4 - الحرب في بر مصر، ليوسف العقيد War in the land of Egypt

5 - سقيفة الصفا، لحمزة بوقري The Sheltered Quarter

رابعاً: السيرة الشعبية:

1 - سيف بن ذي يزن Sayf ben Dhi Yazan

وهناك بعض الأعمال الأخرى التي لم نذكرها هنا لغسان كنفاني وفدوى طوقان ومحمد الماغوط وليانا بدر وإبراهيم نصر الله ونزار قباني وحنا مينا وزيد مطيع دماج...إلخ، كما أن هناك بعض الأعمال على وشك الصدور.

والدكتورة سلمى لا تكتفي بدور المنسق والمنفذ لكل هذه المشروعات، بل كثيراً ما تشترك في الترجمة. وتكتب المقدمات الوافية للمختارات التي تقدمها وقد تبلغ أحياناً عشرات الصفحات، كما فعلت في كتابَي (مختارات من الشعر العربي الحديث)، و(المتشائل) مما يدل على متابعة للإبداع الجديد، وينم عن ذوق نقدي أصيل، بل لا أبالغ إذا قلت أن كثيراً من الأعمال التي نفذتها (بروتا) كانت من اختيارها هي، وليست من اختيار الأصدقاء والمستشارين. وأذكر أنني عندما عرضتُ عليها فصولاً من (سقيفة الصفا) لمختارات وأدب الجزيرة العربية أعجبتْ بها جداً وطلبت مني أن أخاطب ورثة الأستاذ حمزة بوقري - رحمه الله - للاتفاق معهم على ترجمة هذه السيرة الرائعة.. الرواية إلى اللغة الإنجليزية.

ونحن لا نستغرب أن يكون للدكتورة الجيوسي هذه الحساسية الغنية أو ذلك الذوق النقدي المتميز، فهي شاعرة وكاتبة وأكاديمية من الطراز الأول.

الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة