Culture Magazine Thursday  02/02/2012 G Issue 361
عدد خاص
الخميس 10 ,ربيع الاول 1433   العدد  361
 
العطاء في أبهى صوره
مي الصايغ*

 

سلمى بحر، وعلى من يخوض غماره، أن يتسلّح بزعانف الأسماك كي لا تغرقه الجنيّات ولا يصل الى عوالم سلمى المسحورة.

أيّ سحرِ وأيّ تألّقِِ وأيّ كفاح!

أن تكون الكتابة حياتها، أن تحيا لتكتب، هذا أمر لا يتسنّى سوى للمنذورين، أصحاب الرّسالات الكبرى.

كلّ عطاء يقف صاغرا أمام ما منحته سلمى لحضارتنا العربيّه الّتي حملت للعالم العلم والفن ومختلف أنواع المعرفه لأكثر من ثمانبة قرون.

فقد أرّقها مدى التّجاهل والنّسيان والإهمال الّذي يحيق بالثقافة واللغة العربيّه، وبالوجود التّاريخي للأمة الّتي تتهدّدها أخطار تهدف إلى طمس هويّتها والاستهانة بروحها وأحلامها وحضارتها.

فلم تقبل أن تقف عاجزة أمام المشهد.

«سلمى المجذوبة إلى السّماء السّابعة، السابحة بين النّجوم، الّتي قرّرت أن تتزوّج الرّيح لأنّها مملوكة بأوهام الكواكب، تلك الّتي رفضت الخضوع لمشيئة الحبيب الّذي يحاول تطبيعها، فهي تخونه مع المحابر ومسابح الدّير؛ والرّاهب الأزليّ يخطفها منه كلّ صباح ويلوي عنقها بقسوة المنذورين بعد أن كتب لها تعاويذ أقفلت أزهارها على البراعم.»

إنها المعلّقة من شعرها إلى شجرة الأم، العاشقة صفير الرّيح، الموزعة أبدا بين الولد والوالد...شقّت عصا الطّاعة وتمرّدت على الدّور المرسوم لها كامرأة، أنثى، وانجّرت إلى برك الحبر..»

من عدد من القصائد التي كتبتها في السنوات العشر الأخيرة.

فهي لم تقبل الاعتقال والخضوع لشرطها الأنثوي وأن ُيرسم لها مسار حياتها. إنها صاحبة رسالة ولدت من أجل تحقيقها، فأقدمت بحماس لا يتوفّر لغيرها وبطاقة ندر أن تتوفّر لفرد رجلا كان أو أمرأه على جمع

وترجمة ونقل هذا البحر من المعرفة أدباً وشعرًا ورواية وقصّة ونقدا إلى اللغة الإنجليزيّة وإصدار معظمه في موسوعات، أقامت لأجلها مؤسستها الرّائده (بروتا ) منبرًا ومنارة ً لتقديم هذا الإنجاز الحضاري العظيم للعالم ذلك أنّ أثمن ما لدينا اليوم هو الإرث الثّقافي الغنيّ الذي نستطيع عبره تأكيد دورنا في مسيرة الحضارة الإنسانيّة.

وسلمى أتت من القصيدة من قلب الشّعر وأسهمت كشاعرة مبدعة وناقدة شفافة بحساسيّة عالية تجاه اللغة، وبموقفها المتميّز في حوار الأصالة والمعاصرة وقضايا التجديد في بنية القصيده والكتابة الأدبيّة. إنها لم تفهم الحداثه بالتّنكر لتراثنا الشّعري، فالشّعر يتّسع لأشكال مختلفة من التّعبير في مساحة تمتد من القصيدة العموديه إلى قصيدة النّثر.

ورفضت سلمى ما طُرح من دعوة للتّجديد مترافقة مع رفض القديم، وساهمت بحماس في الدّفاع عن التراث ومكانة الشعر في التّراث العربي.

وأبدت مخاوفها إزاء التّمادي بالتّنكر للماضي وأدانت ذلك سياسيّا وفنيا.

ولم تزل سلمى ملتزمة بموقفها من الحداثة والتّجديد، ولكنها ترى أن الشّعر العربي راح يسير اليوم في طريق مسدود وأنه لا علاقة للشعر الذي يكتب الآن بمفهوم الشعر الجيّد، فالكثير من الشّعر اليوم يعاني من تشويش للصورة وإهمال للمعنى والموقف والرؤيا ولا يقول شيئا، بل أصبح الشّعر هلاميّا بلا فن، فاقدا لياقته الخاصّه.

وهي تخشى على الشعر العربي من الغروب والضياع لأن أعداء ثقافتنا أقدم وأقوى من أعدائنا العسكريين.

وسلمى تدرك أيضا أهمية التداخل الثقافي والحضاري المبني على أسس مدروسه لخطاب الآخر ذلك أن الترجمة وحدها لا تكفي لإضاءة جوهر الحضارة العربيه ولهذا قامت بتأسيس مشروع الدراسات (رابطة الشرق والغرب) الذي يساهم فيه عدد واسع من الأكاديميين بدراسات موثقة حول المواضيع المهمة في تاريخنا.

ألف تحيّة إجلال لسلمى المناضلة الباقية على العهد والمؤمنة باستحالة إخضاع أمتنا والنيل من حضارتها.

* شاعرة ومناضلة حملت الهم العربي وعانت العذاب الفلسطيني

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة