Culture Magazine Thursday  08/03/2012 G Issue 366
ترجمات
الخميس 15 ,ربيع الآخر 1433   العدد  366
 
انقراض الكتاب الورقي 1-2
إفلاس «بوردرز» ثاني أكبر مكتبة أمريكية يهدد صناعة النشر التقليدية
بحث: حمد العيسى

 

إهداء: إلى عمي الغالي الشيخ محمد بن حمد العيسى عميد عائلة «العيسى» من شقراء.

مقدمة ضرورية: كنت قد نشرت في عام 2010، في هذه الصفحة بحثاً بعنوان «بداية نهاية عصر الكتاب الورقي». وكان سببَ كتابة ذلك البحث تحت ذلك العنوان المثير صدمتان عنيفتان هزتا عالم النشر الغربي التقليدي (أي نشر الكتاب الورقي) بسبب منافسة الكتاب الإلكتروني الشديدة ، وشرحنا تفاصيلهما مع الأرقام في البحث المذكور. أما الصدمة الثانية من حيث تاريخ وقوعها فكانت انهيار مكتبة «بارنز آند نوبل» (Barnes AND Noble) بسبب منافسة الكتاب الإلكتروني (الرقمي) الذي روجته بقوة ومهارة مكتبة «أمازون دوت كوم» بعد نجاح جهازها المبتكر لقراءة الكتاب الإلكتروني المسمى ب «أمازون كيندل» (سنسميه كيندل). كان انهيار مكتبة «بارنز آند نوبل» هو الصدمة العنيفة الثانية، لعالم النشر الغربي. أما الصدمة العنيفة الأولى، فكانت قيام وكالة «أندرو وايلي» (Andrew Wylie) الأدبية المرموقة في تموز/يوليو 2010، والتي تمثل أكثر من 700 من أبرز المؤلفين أو ورثة المؤلفين في العالم، بإقامة «شراكة إلكترونية» حصرية مع «أمازون دوت كوم» للنشر الإلكتروني تحت مسمى «طبعة أوديسي» (Odyssey Edition)، أي «طبعة المغامرة الطويلة» لكي تقرأ بواسطة جهاز «كيندل»، لبعض عملائها من الكتاب المرموقين أو ورثتهم، «متخطية» بصورة «متعمدة» العرف الراسخ المعمول به في عالم النشر وهو أن تصدر أولاً نسخة ورقية فاخرة (هارد كوفر) (Hardcover) للأعمال الجديدة، تليها طبعة شعبية (بيبرباك) (Paperback) ثم يأتِ في المرحلة الثالثة والأخيرة الكتاب الإلكتروني. وشكل هذا التطور الخطير في تخطي مرحلة الورقي والبدء بالنشر الرقمي رعبا للناشرين التقليديين وضحنا أبعاده في البحث المذكور وأعترف أنني تلقيت ردود فعل عديدة من القراء الكرام معظمها لا يتفق معي في هذه النبوءة الحزينة؛ حيث أشار البعض إلى خصوصية هذه الظاهرة بعالم النشر الغربي. ولكن قد جدت أمور مؤخراً تؤكد نبوءتي السابقة، حيث أعلنت مكتبة بوردرز(Borders) الأمريكية الضخمة في أيلول/سبتمبر 2011، عن رغبتها في إشهار إفلاسها. ومن المعروف أن مكتبة بوردرز تعتبر ثاني أهم مكتبة أمريكية للكتاب الورقي في مبانٍ فيزيائية أي من الطوب أو الحديد. ومن ناحية أخرى، لاحظت أثناء زيارتي الأخيرة لمعرض بيروت للكتاب في كانون الأول/ديسمبر 2011، إرهاصات وصول عاصفة الكتاب الإلكتروني إلى عاصمة النشر العربي. كل هذا شجعني على استكمال بحثي السابق وهو بصراحة بحث محزن لي ولكل عشاق الكتاب الورقي العزيز على قلوبنا. حسناَ دعونا نبدأ من بيروت.

إرهاصات الرقمي في معرض بيروت للكتاب

لاحظت أثناء زيارتي الأخيرة لمعرض بيروت للكتاب الذي يقام سنوياً في كانون الأول/ديسمبر، إعلانين ضخمين أمام جناحين اثنين من أكبر الناشرين العرب عن قرب تدشين قسمين للكتاب الإلكتروني. كانت الدار الأولى هي «دار الساقي» للنشر، التي علمت من مديرة جناحها في المعرض أن خطة الدار هي تحويل جميع كتب دار الساقي السابقة واللاحقة إلى نسخ إلكترونية تقرأ على الأجهزة الإلكترونية اللوحية مثل آيباد (iPad) ضمن قسم جديد باسم مكتبة (م) الساقي (س) الإلكترونية (ا) التي سميت بحسب الإعلان «مسا» ، وستكون بعض النسخ الإلكترونية متوافرة للبيع عبر موقع الدار على النت خلال عام 2012؛ لكن عند زيارة موقع الدار على النت خلال كتابة هذا البحث، لم أجد شيئاً يذكر عن «مسا». أما الدار العربية الأخرى التي وضعت إعلاناً لافتاً عن تدشين قسم للكتاب الإلكتروني كانت «دار العلم للملاين»، والتي تعتزم - كما فهمت - تحويل كتبها «الرائجة» إلى نسخ رقمية يتم شراؤها عبر موقعها على النت مباشرة. وقد وجدت على موقع «دار العلم للملاين» على النت الإعلان التالي: «مكتبة دار العلم للملايين الإلكترونية: مكتبة تعرض إصدارات دار العلم للملايين الإلكترونية . يمكنكم الاضطلاع (كذا) عليها وتحميل ما تختارنوه منها وقراءتها على جهاز آيباد بأسعار أقل بكثير من سعر الكتاب الورقي. انتهى الإعلان». وعلمت من المسؤولين في الدارين، أن سعر الكتاب الرقمي سيكون أقل بنسبة 30 في المئة على الأقل من الكتاب الورقي. ومن ناحية أخرى، فوجئت بعرض نسخة رقمية ممتازة لكتابي «أسبوع رديء آخر»، على جهاز الآيباد عند ناشري «الدار العربية للعلوم - ناشرون»، وكانت تلك النسخة الرقمية ذات خصائص فريدة مثل البحث وتكبير الحروف والقراءة في الظلام. وبدا لي أن «الدار العربية للعلوم - ناشرون « استعدت مبكراً للعاصفة القادمة مقارنة بباقي الناشرين العرب ، فقد بدأت بالفعل في بيع النسخ الرقمية للعديد من كتبها بحسب تصريح مديرها الأستاذ بشار صلاح الدين شبارو الذي شرح لي عبر البريد الإلكتروني: «عملياً نحن سبقنا دور النشر كافة، لدينا الآن على موقع النيل والفرات التابع للدار 670 كتاباً رقمياً بنظام ال «إيبب» (EPUP) ، كما أن لدينا تطبيقاً عربياً للكتب العربية اسمه «إيكتاب» يعمل على الآيباد ويتميز بوجود معجم عربي-عربي، والقدرة على البحث، وجميع الخدمات المتوافرة للكتاب الرقمي الإنكليزي». ومن المهم ذكر أن عائد المؤلف من الكتاب الرقمي سيكون أكثر من عائد الكتاب الورقي وهذا ما أكده الأستاذ شبارو نظرا لانخفاض تكاليف الإنتاج بصورة كبيرة. هذا وقد لاحظت بند في عقدي مع «الدار العربية للعلوم - ناشرون» بخصوص كتابي الأخير «ضد النساء» كان يشير إلى عائد يزيد على ضعف عائد الكتاب الورقي في حالة النشر الرقمي وربما كان هذا هو الخبر السار الوحيد بخصوص الكتاب الرقمي بالإضافة إلى القضاء على فكرة الرقابة بصورة شبه كاملة كما سنشير لاحقا.

والآن دعونا نتحدث عن كارثة إفلاس مكتبة بوردرز الأمريكية الشهيرة، وهي ثاني أكبر مكتبة أمريكية للكتاب الورقي بعد مكتبة بارنز آند نوبل التي سبقتها في الانهيار كما ذكرنا آنفاً.

إفلاس مكتبة بوردرز

أعلنت مكتبة بوردرز الأمريكية في 16 شباط/فبراير 2011، إفلاسها بحسب الفصل 11 من قانون الإفلاس في الولايات المتحدة ، وبدأت بالفعل في تصفية 226 من متاجرها في الولايات المتحدة، حيث عرضت محتوياتها وبخاصة الكتب الورقية للبيع بخصم وصل إلى 90 في المئة.

تاريخ موجز لمكتبة بوردرز

افتتح أول متجر لمكتبة بوردرز على يد الشقيقين توم ولويس بوردرز عام 1971، بينما كانا يدرسان في الجامعة في مدينة آن آربر في ولاية ميتشغان الأمريكية، ثم واصلت المكتبة التوسع تدريجياً في أمريكا ومن ثم الخارج حتى وصل عدد متاجرها إلى 1,250 فرعاً تقريباً يعمل فيها نحو 19,500 موظف وموظفة. وكان عام 2006، هو آخر عام تحقق فيه أرباح حيث واصلت تسجيل الخسائر بعد ذلك العام حتى الآن. وفي عام 2009، بلغت مبيعات المجموعة 850 مليون دولار أي أقل 15 في المئة من عام 2008، ما جعل المجموعة تفكر جدياً في إعلان إفلاسها. وينسب محللون تدهور وضع المجموعة المالي إلى ثلاثة أسباب: الأول، فشل بوردرز في تأسيس مكتبة ناجحة للبيع عن طريق الإنترنت مثل مكتبة «أمازون دوت كوم» والسبب الثاني، هو هيمنة مكتبة «أمازون دوت كوم» على سوق الكتاب الورقي عن طريق خدمتها القوية والفعالة للطلب عبر الإنترنت والتوصيل السريع عبر البريد، أما الثالث، منافسة الكتاب الإلكتروني القوية للكتاب الورقي.

وبحسب أحد المحللين ، فإن بوردرز كانت قد تخصصت على مدى العقد والنصف الماضي في ارتكاب الأخطاء الكارثية. تأملوا جهودها لتأسيس مكتبة على الإنترنت. لقد انطلقت مكتبة «أمازون دوت كوم» في عام 1995، وتلتها مكتبة «بارنز آند نوبل» مع موقع الويب الخاص بها بعد عامين. ولكن استغرق الأمر سنة كاملة أخرى لتبدأ بوردرز ب «التفكير» في العمل عبر الإنترنت، ولكنها سرعان ما خسرت في ذلك المشروع بسبب سوء الإدارة، ما أدى إلى ضياع عشرات الملايين من الدولارات. وفي عام 2001، توصلت بوردرز إلى اتفاق مع منافستها مكتبة «أمازون دوت كوم» لكي تقوم الثانية بتشغيل موقع بوردرز على الإنترنت عبر شراكة غير مدروسة جيداً، فلا يمكن منطقياً أن تطلب من منافسك أن يساعدك على هزيمته! وعند التأمل الآن بحكمة هذا القرار ، نكتشف أنه كان قصير النظر بصورة مأساوية.

كما وقعت بوردرز في الجانب الخطأ لعدة أمور في مجالها؛ إذ استثمرت بكثافة في الأقراص المدمجة(CD) وأقراص الفيديو الرقمية (DVD) تماماً عندما بدأت الموسيقى والأفلام في طريقها للتحول إلى العالم الرقمي (الإلكتروني)؛ وفي عام 2006، كان ما يقرب من خمس (20 في المئة) إيرادات بوردرز، تأتي من مبيعات الموسيقى والأفلام. وعلى الرغم من أن ذلك العام سيكون آخر عام تسجل فيه بوردرز ربحاً، فقد استمرت في التوسع من حيث بناء أو استئجار مخازن ومعارض ضخمة بمساحات بين 25-30 ألف قدم مربع بالضبط مع ازدهار مبيعات الإنترنت. وهكذا تراجعت مبيعات بوردرز للقدم المربع الواحد في معارضها الكبرى (Superstores)، من متوسط قدره 261 دولاراً للقدم المربعة في عام 1997، إلى 173 دولاراً للقدم المربعة بحلول عام 2009. كما واصل مجلس إدارتها تخبطه بشراء شركة قرطاسية (Paperchase)، في الوقت الذي أصبحت فيه المراسلات اليدوية الخطية - للأسف - شبه منقرضة بسبب الإيميل وبرامج ميكروسوفت. وبعد ذلك ، يأتي دخول بوردرز الضعيف إلى مجال الكتب الرقمية: إذا كنت لا تعرف أن بوردرز كان لديها جهاز قراءة رقمي للكتب اسمه «كوبو»، فأنت لست وحدك.

مبيعات كيندل

كما كشفت مكتبة أمازون دوت كوم في مطلع كانون الثاني/يناير الماضي، عن أن معدل مبيعات جهاز كيندل لقراءة الكتب الإلكترونية فاق المليون جهاز أسبوعياً خلال شهر كانون الأول/ديسمبر، وهو شهر الأعياد. ولكنها لم تكشف كم من الأجهزة قد تم بيعها حتى الآن منذ نزول الجهاز للبيع في عام 2007، حيث فضلت أمازون أن يبقى هذا الرقم سراً.

وأشارت مكتبة أمازون دوت كوم أن جهاز كيندل هو المنتج الأكثر مبيعاً في مكتبتها العملاقة على النت والأكثر إهداءً في المناسبات والأعياد والأكثر تمنياً للشراء بحسب إحصاءات موقعها الضخم على النت الذي يحتوي على مئات الآلاف بل ملايين البضائع. ويتراوح سعر أجهزة الكيندل من 79 دولاراً إلى 199 دولاراً بحسب المواصفات الفنية.

وكان الطلب على جهاز كيندل قد زاد بصورة فلكية بعد تخفيض قيمته بنسبة 30 في المئة، ما أدى إلى وضع قائمة انتظار للراغبين في شراء الجهاز. وسبق أن أعلنت أمازون دوت كوم في عام 2010، أنها تبيع 115 كتاباً إلكترونياً مقابل كل 100 كتاب ورقي، وهو ما جعلها تؤسس قائمة بست سيلر خاصة للكتاب الإلكتروني لأول مرة في الولايات المتحدة، بل في العالم كله.

مبيعات الكتب الرقمية

أعلنت مكتبة أمازون دوت كوم في تموز/يوليو 2011، أن مبيعات الكتب الرقمية (الإلكترونية) للأشهر الثلاثة الماضية، قد فاقت مبيعات الكتب الورقية ذات الغلاف الصلب (هارد كوفر). وأشارت مكتبة أمازون دوت كوم أن معدل المبيعات بلغ 143 كتاب كيندل (كتاب إلكتروني يقرأ على جهاز كيندل) لكل 100 كتاب ورقي (هارد كوفر).

وقالت مكتبة أمازون دوت كوم في كانون الثاني/يناير 2012، إن وتيرة تغير القراءة لدى زبائنها من الورقي إلى الرقمي تتسارع بصورة مدهشة؛ ففي الأسابيع الأربعة الماضية ارتفعت المبيعات إلى 180 كتاباً رقمياً مقابل 100 كتاب ورقي (هارد كوفر). ويوجد في مكتبة أمازون دوت كوم 630,000 كتاب كيندل، أي كتاب إلكتروني يقرأ على جهاز كيندل.

وقال مايك شاتزكين، الرئيس التنفيذي لشركة «الفكرة المنطقية» ، التي تقدم استشارات لناشري الكتاب الورقي بشأن تغير تقنية النشر: إن على عشاق الكتاب الورقي أن يبدأوا الحداد لقرب انقراض الكتب الورقية التي يشعرون بلذة ثقلها ونكهة رائحة ورقها اللذيذة وأكد: «سبق أن حذرنا أن هذا اليوم سيأتي بل لابد أن يأتي». وقال إنه يتوقع أنه في غضون عقد من الزمن ستكون نسبة الكتب الورقية المباعة أقل من 25 في المئة من جميع الكتب المباعة.

وعن هذا التحول في مبيعات مكتبة «أمازون دوت كوم» من الكتب الورقية إلى الكتب الرقمية، يقول رئيسها التنفيذي جيفري بيزوس: «إنه تحول مذهل خاصة وأننا نبيع الكتاب الورقي منذ تأسيسنا قبل 15 عاماً، وبدأنا في بيع كتب كيندل منذ 33 شهراً فقط!!!».

ولكن ماذا عن معسكر الكتاب الرقمي؟ هل يعيش في سعادة ونشوة لهذا الانتصار الساحق الماحق على الكتاب الورقي؟ في الواقع إن معسكر الكتاب الرقمي بدأ يشهد معركة تكسير عظم عبر تنافس ساخن بين أجهزة قراءة الرقمي، وهو خبر ممتاز وسنناقشه بالتفصيل في القسم الثاني من هذا البحث في الأسبوع القادم بحول الله.

Hamad.aleisa@gmail.com المغرب

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة