Culture Magazine Thursday  15/03/2012 G Issue 367
فضاءات
الخميس 22 ,ربيع الآخر 1433   العدد  367
 
الجهنية
«الانقلاب على الجاسوسية النسقية للمرأة»
سهام القحطاني

 

لا ينكر أحد أن الغذامي أول من «كشف ثقافيا» عن «الإشكاليات النسقية «التي «تواجه المرأة» ويأتي كتابه «الجهنية في لغة النساء وحكاياتهن» ضمن متابعة مشروع الكشف الثقافي عن الجاسوسية النسقية التي تؤثر على شرعية الحضور والتفاعل الإنسانيين والحضاريين للمرأة.

أول ما يلفت انتباهك في كتاب الغذامي هي إستراتيجية العنوان «الجهنية في لغة النساء وحكاياتهن».

ونلاحظ أن العنوان تدرج من الخاص «الجهنية» إلى العام «النساء» ومن أحادية النموذج «الجهنية /الأم» إلى شمولية الممثلات «لغة وحكايات» وتنوع آلية الحضور «اللغة كآلية تعبيرية والحكاية كآلية تمثيلية» ثم من عمومية التعبير إلى خصوصيته «من اللغة العام للتعبير عن الممثل» إلى «الخاص عن مُنفذ الحكاية» من «القيمة المجردة «إلى «القيمة التنفيذية».

وهي إستراتيجية لا تجد لها الكثير من التطبيقات داخل الكتاب بل لا أبالغ إن قلت لن تجد لها تطبيقا بصورة مباشرة لا تخضع للتوجيد دون تأويل؛ ولعل السبب في ذلك أن «نصوص الكتاب» كتبت قبل العنوان بفترة زمنية، مما يعني أن «نية القصد» من تطبيق الإستراتيجية على نصوص الكتاب لم تكن جازمة ومستعدة، فالعنوان وضع على النصوص، ولم تُكتب النصوص في ضوئه. ولعل هذا ما يفسر اختلاف إستراتيجية سير النصوص خلاف إستراتيجية العنوان.

كما أن نصوص الكتاب تتبع إستراتيجية مختلفة عن إستراتيجية عنوانه، وهذا ما سأركز عليه في هذا المقال؛ الحديث عن إستراتيجية عرض «نصوص الكتاب» التي تشير إلى الإشكاليات النسقية التي تواجه المرأة العربية بصورة عامة.

وتعتمد نصوص الكتاب على شريحتين «شريحة واقعية» وشريحة حكائية» وكل شريحة تتضمن نماذج مختلفة يسعى الكتاب إلى «المزاوجة بينها» بين النموذج الرمزي والنموذج الإبداعي والنموذج الاجتماعي، والنموذج الإبداعي بدوره ينقسم في الكتاب إلى قسمين نموذج إبداعي تكويني ونموذج إبداعي حكائي.

وهذه الإستراتيجية أقصد «إستراتيجية كتابة النصوص» لا إستراتيجية العنوان، اخترت لها اسم «الجاسوسية النسقية للمرأة» وهي معرض حديثي.

وقبل الحديث عن تلك الجاسوسية لابد من الإشارة إلى كيف تتشكل «المدونة النسقية»؟ لأن الجاسوسية النسقية تعبر من خلال مكونات المدونة النسقية إلى الشرائح التي تسهم في تشكيل «ذاكرة السيرة التاريخية والنسقية للمرأة».

تتشكل المدونة النسقية وفق مصادر عدة؛ الحكايات، الوقائع، الظواهر، التعاليم، الخبرة الجمعية، اللغة، والطقوس الاجتماعية والتفسيرات الخاطئة للمقدس.

وبما أن الجاسوسية النسقية تعبر من خلال المدونة النسقية فقوارب محمولاتها غالبا تتشابه مع محمولات المدونة النسقية.

وتستقر محمولات «الجاسوسية النسقية» في الذاكرة الجمعية كما يعرضها الكتاب من خلال النماذج المختلفة من خلال «ست أيقونات نسقية» هي؛ الشرائح التاريخية المزورة، ولاية ثقافة المظلومية التاريخية للمرأة، فحولة السارد الحكائي، الممارسة التمييزية للغة، قصور الرؤية الفقهية عن النهضنة النسائية، وتعميم الحدث الخاص لتحويل الطارئ إلى أصل.

والجاسوسية النسقية هي وسيط تأويلي يتخفى داخل الشرائح الممثِلة لخصائص المرأة وأفعالها عبر معلومة أو خطأ أو تجربة أو حكاية أو واقعة لبناء فكرة تمييزية لتوسيع المدونة النسقية ضد المرأة سواء من خلال الرجل الذي يُنشئ «الهيكل النسقي» لتزوير ذاكرة المرأة حول «سيرتها التاريخية» أو من خلال «توظيف المرأة لنسخ النموذج النسقي» المنقول عبر شرائح الجاسوسية النسقية وبذلك تصبح المرأة بدورها حارسا على بوابة المدونة النسقية وداعما لها.

وهكذا يعتمد الغذامي في هذا الكتاب على «أيقونتين» من أيقونات «إنتاج الجاسوسية النسقية» المتربص للتقليل من «شأن المرأة خارج المسلّمة النسقية» و»البرهنة» على «ثبوتية الكينونة النسقية» المتعمدة من قبل « المدونة النسقية» و»التدليل» على «بطلان توهم النسق» الداعم «لترويج اتهام المرأة بنقص القدرة والكفاءة والكفاية» سواء على مستوى إنتاج الإبداع أو إنتاج المفهوم والحكم أو إنتاج الموقف ومسوغ التغير والتغيير.

والأيقونتان هما «الشريحة الواقعية» الأم والجارة والأديبة لمياء باعشن وفوزية أبو خالد وثريا العريض البطلة كما في «المطرودية» والمستكشفة نورا/ الرجل والمرأة والمناضلة جميلة بو حريد و»الشريحة الحكائية» سواء عبر الحكاية التاريخية أو الدينية أو الشعبية.

وكل نموذج في الشريحة الواقعية كممثل للغة النساء وحكاياتهن هو رافض للتشكل داخل «الإيقونة النسقية» ويسعى إلى انقلاب على «الكينونة النسقية» من خلال إثبات لقيمة خاصة يحملها كل نموذج في الشريحة الواقعية،أو من خلال مشكلة نسقية يتبناها كل نموذج في الشريحة الواقعية لمقاومتها.

وكل نموذج في الشريحة الحكائية هو «دليل» على»سلامة الأصل» أو دليل على «تعمد إفساد سلامة الأصل» وهنا تتعرض الشريحة الحكائية إلى «ثنائية الصدق والكذب»، وأعتقد أن هذه هي أهم وظائف الشريحة الحكائية التي عرضها الغذامي.

فالحكاية التاريخية أو الدينية أو الشعبية الممثلة للشريحة الحكائية «حمالة أوجه» ،وهذه الخاصية الخطرة قد تدفع «الاحتيال النسقي» إلى «تزوير معطاها وهو عادة ما يبرز في تحليل النسق»لقيمة الحيلة أو الدهاء الثقافيين» عند المرأة وتحويله «إلى كيد نسائي» لسحب القدرة والكفاءة والقيمة الفكرية لعقل المرأة» الخير المركب» وتحويله إلى «نزعة شر مفرد».

تسعى الشريحة الواقعية والشريحة الحكائية في الكتاب إلى «إثبات حقيقة صورة الأصل مقابل مقاومة صورة النسق»، وإلى كشف لعبة المؤامرة النسقية في تزوير حقيقة المرأة وتاريخها.

وما يثبت الحقيقة هنا الفعل الإجرائي الذي يقاوم القناعة النسقية غير الشرعية المنقولة عن أيقونات الجاسوسية النسقية بطريقة «ثلاثية الشجرة والتفاحة والأرض».

وبذلك فالكتاب يضع للقارئ جدولا تذكيريا ذهنيا تقابليا يعتمد القيمة المُنتجّة من الشريحة الواقعية والشريحة الحكائية المقاومة «للكذب النسقي أو التلفيق النسقي» مقابل الدلالة المزورة التي يعتمد عليها المُدعِي النسقي وهو ما يعني الكشف عن ازدواجية «الجاسوسية النسقية».

والجدولة التقابلية تعتمد على ثلاثة معطيات سواء على مستوى ما يُعتبر «مُدعِي لقيمة لأصل»/ الصدق النسقي أو مستوى ما يُعتبر «مًدعِي لقيمة النسق»/التلفيق النسقي.

وأول تلك المعطيات يبرهن على النزاهة الفطرية للمرأة وهو ما يقابل ادعاء النسق «بأن المرأة عورة بالفطرة».

والمعطى الثاني يبرهن على الشرعية الإعلانية والإعلامية للمرأة، وهو ما يقابل ادعاء النسق «بشرعية الاستتار المعنوي للمرأة وضرورة مجهوليته»، وما عرضه لنا الكتاب من خلال نماذج «إشكالية استتار الاسم وطرائفه».

المعطى الثالث يبرهن على قدرة المرأة على التفكير الإيجابي وتقديرها للحدث وإنتاج موقف والتأثير في تغير حكم جمعي، مثل نماذج العجوز الحكيمة والحيطة بتتكلم والمطرودية والجميلة، وهو ما يقابل الادعاء الجمعي بشرعية «القوامة النسقية المتطرفة» التي تحول المرأة إلى تابع مسلوب الإرادة، كما يقابل ادعاء النسق «بنقصان العقل النسائي وفساده وإفساده لغيره».

وبذلك نجد أن الشريحتين الواقعية والحكائية تعرض لنا «ستة أنساق» ممثِلة «لأيقونات الجاسوسية النسقية» مقابل «ست شرعيات» مقاومة لأيقونات تلك الجاسوسية.

نسق الإخفاء والاستتار مقابل شرعية الجهر والإعلان، نسق الخطيئة مقابل شرعية الفضيلة، نسق الشكلانية والسن مقابل شرعية الخبرة وقيمة التجربة المتجاوزة للسن والشكل، نسق حتمية النقصان الفكري مقابل شرعية القدرة والكفاءة الفكريتين في إنتاج المفاهيم والأحكام، نسق القوامة المتطرفة والتبعية مقابل شرعية إنتاج الموقف والتغيير.

وبذلك يصبح أي تعديل أو تغيير لكينونة نسقية نسائية يشترط انقلابا نسقيا على تلك الجاسوسية.

جدة * sehama71@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة