Culture Magazine Thursday  20/09/2012 G Issue 380
قراءات
الخميس 4 ,ذو القعدة 1433   العدد  380
 
هذا الكتاب
الإسلام والحرية الالتباس التاريخي
لمياء السويلم

 

((درسنا آيات قرآنية ومنتخبات من السنة النبوية وهي كلها دالة في بداهة على أن الإسلام دين وليس سياسية وعلى أنه ضمير لا انتماء، وهو عمل قوامه الإيمان لا القوة.. ويوم تفصل السياسة والدين فصلاً واضحا ويوم نعلّم أبناءنا أسس ذلك الفصل يستتب السلام والوفاق بين الأشخاص وبين الشعوب))، هذه الكلمات لا تتصدر كتاب « الإسلام والحرية، الالتباس التاريخي» بل هي خاتمته، ذلك لأن محمد الشرفي مؤلف الكتاب يصعد مع القارئ سلم الطرح الدرجة تلو الدرجة، فلن يجد القارئ مسلمات فكرية في الكتاب، بل مباحث متشبعة بتواريخ وأحداث وتحليلات ودلالات وأدلة.

كتاب الإسلام والحرية هو ليس نتاج حقيقة يعترف بها الكاتب منذ السطور الأولى، بأن حجم ضحايا التعصب الديني لم يبلغ في أي موضع بالعالم مابلغه في العالم الإسلامي، بل هو اشتغال وبحث في إشكالية تطوير الفكر الديني وتحديث المجتمعات الإسلامية، لأن الشرفي يرجع السبب في هذه الحقيقة إلى أن الهياكل السياسية والأنظمة القانونية، والبرامج الاقتصادية والبني الاجتماعية حققت تطورها الكبير بينما بقيت أنساق المرجعيات الثقافية والخطاب السياسي في آخر التغييرات.

ثمة بعد لا يغيب في عمل الشرفي هو أن التجديد الإسلامي لم يُتمثل ويدمج في الفكر الجماعي للمسلمين، ولهذا يسهل أن تنهض الأصوليات بين فترة وأخرى، ولهذا لا تتردد التيارات الشعبية في المطالبة بالعودة إلى قوانين وتشريعات قديمة باسم الهوية والأصالة، وهو على العكس مما يحدث في الأديان المسيحية واليهودية، فليس هنالك متدينون يتحسرون على قوانين ألغيت لعدم موائمتها العصر الحديث، مثل إلغاء التعدد، بينما على المستوى الشعبي الإسلامي هنالك من يتحسر ويطالب بعودة قوانين مرفوعة مثل العقوبات البدنية.

الكتاب الذي يتناول إشكالية التحديث يفرق بين حداثة مترددة وحداثة خفية، فالفصل الأول بعنوان الأصولية الإسلامية، يقرأ انبعاث الفكر الأصولي في العالم الإسلامي لا من حيث التأريخ لحركاته بشكل مركز، بل من حيث أن الأصولية مشروع سياسي ومدخلا للعنف والرعب والظلم ((فمشروع المجتمع الذي لأجله يناضل الأصوليون مجتمع كلياني ديني لن يقتصر الأمر فيه على مصادرة جميع الحريات، الفردي منها والجماعي، ولا على كسر طاقات الإبداع الأدبي والفني، ولا على منع الحوار الفكري وغلق الأذهان، بل سيتجاوز الأمر ذلك كله إلى قمع النساء، وباختصار نقول إنه العودة إلى القرون الوسطى أو قل إنه العودة إلى عصورنا المظلمة، ولكن بالسيارات والحواسيب وما إلى ذلك مما لم يعد لنا منه بد من منجزات التقدم التقني))

يشغل الفصل الفصل الثاني أكبر مساحات الكتاب، وهو يبحث في أخطر إشكالات التحديث بل وأهمها، إنه الإسلام والقانون، يصف الشرفي الفقه كقانون إسلامي كلاسيكي بجانب القانون البريطاني والقوانين الجرمانية والرومانية، كأحد أكبر العائلات القانونية الأربع أو الخمس عبر التاريخ الإنساني، ومابين أوجه الشبه والاختلاف بين هذه القوانين، يتبين للكاتب أن ثمة خصوصيات ينفرد بها القانون الإسلامي، يقسمها إلى ثلاثة أصناف، فهنالك قوانين يسلم الإسلاميين بانقراضها مثل القانون العقاري، وهنالك صنف من القوانين التي يريدون إهمالها مثل قانون الرق الذي يراد نسيانه لكنه يظهر أحياناً، وهنالك الصنف الثالث الذي يطالبون باسترداده مثل القانوني الجنائي كالعقوبات المدنية، وقانون الأحوال الشخصية وحرية المعتقد والقانون الجزائي اللاإنساني الذي يناهض المرأة.

يطرح الشرفي كيف أن الدول الإسلامية تسهل مهمة الأصوليين تسهيلا كبيرا، فعن تبني منظمة المؤتمر الإسلامي إعلان القاهرة عن حقوق الإنسان في الإسلام، وشذوذه عن الإعلان العالمي والأدوات القانونية الدولية، عن هذا ينبه الكاتب قارئه إلى أن الحقوق والحريات المقيدة بأحكام الشريعة تعني السكوت التام عن حقوق الإنسان الأساسية في حرمة جسده وعن المساواة بين الرجل والمرأة وعن المساواة بين المسلمين وغير المسلمين.

يستعرض المؤلف في الفصل الثالث إشكالية الإسلام والدولة بدءا من إلغاء أتاتورك الخلافة الإسلامية، فيلفت النظر إلى أن انبعاث حركة الإخوان المسلمين جاء مباشرة بعد قرار الإلغاء، ومابين القرآن والسنة وتعريف مهام النبي محمد عليه السلام، يعالج الشرفي مفهوم الخلافة والحكم في الفكر الديني الإسلامي.

تتفرد التربية والحداثة بالفصل الرابع والأخير، ليجد القارئ مجموعة من تجارب التعليم المختلفة في عدد من الدول الإسلامية، يناقش هذا الفصل مفاهيم الهوية والانتماء في الإصلاح التربوي، لا يربط الشرفي بين نوعية التعليم ومخرجاته فقط، بل يرفع السقف في قراءة القرارات السياسية التي سهلت نوع من التعليم دون آخر، يعرض لتقلبات الحكم وكيف تنعكس على اتجاه التعليم في الدول العربية، وهو ما كان ومازال يفتح أكبر الثغرات في النهضة الوطنية لأي بلد.

كتاب «الإسلام والحرية» الصادر عن دار الجنوب للنشر، تحت سلسلة معالم الحداثة التي يشرف عليها عبدالمجيد الشرفي، تتجدد الحاجة إلى قراءته بعد أعوام طويلة من نشره، فهو قراءة في التماس التاريخي بين الإسلام كدين وبين مفهوم الحرية على كل مستوياتها، الاجتماعية والشخصية والاقتصادية والسياسية، إنها قراءة فارس الميدان محمد الشرفي رئيس جمعية حقوق الإنسان التونسية والوزير السابق للتربية والتعليم.

((فكلمة أمة أو جماعة المؤمنين التي دلت على العدد القليل من المسلمين الذين التفوا حول الرسول بالمدينة، لا يمكن أن تكون لها اليوم تبعات سياسية ذات بال. لذلك فإن حدود الأمة اليوم إنما هي تمر بحدود القلب وحده*، ذلك لأن الإسلام ليس حزباً، ولا هو جنسية، وهو دين، كما أنه ليس هوية)).

الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة