Culture Magazine Thursday  22/11/2012 G Issue 386
قراءات
الخميس 8 ,محرم 1434   العدد  386
 
طرفة العين في هموم مروان عكاوي
قاسم حول

 

في خضم دوخة الرأس السياسية في المنطقة وفي سوريا يصدر الفنان السوري مروان عكاوي المخرج والمونتير والكاتب مؤلفه السينمائي «همومي الجميلة» وهو كتاب عن المونتاج السينمائي العملية الأصعب والأجمل في مراحل الفيلم السينمائي.

مثل الجريمة أو مثل قصة الحب وقصة الزواج يلتقي كل منفذي المراحل الحلوة والمرة الإيجابية والسلبية أمام القاضي الفنان «المونتير» كي يحاسبهم وينصفهم أو يرميهم في سجن الإبداع أو يتركهم في رحاب الحرية. فكاتب الرواية وكاتب القصة السينمائية والمصورون وفنيو الإضاءة والممثلون والمخرج وفنيو مخابر الإظهار ومهندسو الصوت كلهم يصبحون على طاولة المونتاج يتأملهم المونتير ويحدد لهم مسار عملهم ويصحح لهم الأخطاء ويغفرها لهم أو يحاسبهم عليها بقسوة لأنهم قد يحولون بسبب خطأ ما من إنسايبية عملية التوليف السينمائية.

مروان عكاوي مونتير من طراز خاص متمكن وأكاديمي وصاحب خبرة دوّن تجربته في فن المونتاج في كتاب «همومي الجميلة» وهو كتاب ذي صفة تعليمية تفيد كثيراً كل من يعشق هذه المهنة، مهنة المونتاج، ليس هذا فحسب بل يضيف في كتابه الكثير من تجاربه السينمائية.

الأفلام السورية الروائية منها والوثائقية في مرحلة إزدهارها وما تقدم منها فنيا خرج من بين أنامل مروان عكاوي. أفلام مصرية أنتجت في لبنان منتجها مروان عكاوي لكبار المخرجين المصريين. أنا عملت معه في تسعة من أفلامي الوثائقية، وكنت سعيدا بالعمل معه .. جداً. فحرصه يجعله يسهر مع المخابر والألوان ومهندسي الصوت. وعندما تزوج كانت «مفيولا» بريفوست – طاولة المونتاج السينمائية الإيطالية الساحرة قد ظهرت في عالم السينما فأستوردت مؤسسة السينما السورية واحدة منها وكان مروان عكاوي قد عاد من دراسته الأكاديمية في بريطانيا، وسلمت له «المافيولا» وكانت خطيبته قد زارته في مؤسسة السينما وشاهدت المافيولا وسألته عنها فقال لها «هذه ضرتك»! فهو لهذه الدرجة يعشق المونتاج وحقا أبدع فيه.

يقول مروان عكاوي في «همومي الجميلة – إن الأفلام والأحلام لها نفس قوة السيطرة على مشاعرنا».

صحيح جداً هذا الرأي وهو يحمل الفنان مسؤولية غير عادية، مسؤولية وجدانية تتعلق ببناء العملية الثقافية لأن الفيلم يملك قوة السيطرة على المشاعر مثله مثل الحلم، وهذه السيطرة ينبغي أن ينظر إليها ليس فقط على وجدان المبدع ولكن أيضا على وجدان المتلقي.

في كتاب «همومي الجميلة» ثمة حديث عن عملية الرؤية وتفسيرعلمي لعلاقة الصورة بالعين، وهو موضوع كتب عنه الكثير وكان هو سبب إختراع تحريك الصورة. لكن مؤلف هذا الكتاب الفنان مروان عكاوي تحدث عنه في فصل يمزج فيه بين العلمية ولغة الشعر، فهو يصف هذه العملية العلمية بطريقة شاعرية مشوقة جداً تتعلق بلحظة المشاهدة.

«إن طرف العينين، بالأضافة لوظيفته في ترطيب السطح الخارجي لقرنية العين، هو آلية داخلية تساعد في الفصل بين الأفكار التي تخطر ببالنا، أو أنه رد فعل لا أرادي يرافق حالة الفصل الذهني التي تحدث تلقائيا بين الأفكار. وهذا يعني أن ما نقوم به في السينما عند القطع بين اللقطات بتواتر محدد يتناسب مع الحالة العاطفية، هو شيء يقبله ذهننا على أنه حالة طبييعية يقوم بها في كل الأوقات».

إن هذا الفهم للجانب الفيزيائي لعلاقة الصورة بقرنية العين، وفي خزن أقل من واحد إلى عشرة في الثانية من الصورة في العين والذاكرة يقود بالضرورة العلمية إلى عملية مونتاج علمية تقدم الفيلم للمشاهد بطريقة يمكنه إستقبالها بسلاسة وذائقة عالية في فهم مكونات المشهد ومفردات لغته التعبيرية.

نحن هنا نتحدث عن الثقافة السينمائية بمفهوها العلمي الذي بسبب عزوفنا عنه بقيت أفلامنا يطلق عليها «المحلية» أي أنها لم ترتق إلى القياسية في بنائها وفي مفردات لغتها التعبيرية. لقد مزج مروان عكاوي بين تاريخ صناعة المونتاج ومفهومه النظري من خلال تجارب كبار السينمائيين مثل البريطاني أرنست لندوغن الروسي بودوفكين والروسي كوليشوف والألماني كارل رايس، مزج بين نظرية هؤلاء وبين تجاربه الشخصية ودراسته الأكاديمية فخرج بكتاب جميل سهل التلقي لا يستغني عنه كل طلاب السينمائي في معرفة التجارب بطريقة علمية وواضحة، إضافة إلى أنه يمتع غير السينمائي من محبي الثقافة كي يتعلموا فنا يسمعوا عنه القليل ولا يعرفون الكثير عنه.

للأسف صدر هذا الكتاب حين بدأ دوي المدافع يملأ سماء سوريا، فلم تعره وسائل الإعلام الأهمية التي يستحق فيما هو متعة، ولا يعرف الناس حقيقة ما يجري في المنطقة مثل ما يراها «المونتير السينمائي» الذي يستطيع أن يمنتج الأحداث، يقدم منها ما هو متأخر ويؤخر منها ما هو متقدم وصولا إلى الذروة وعندما تضاء الصالة في نهاية الفيلم السينمائي سيعرف المشاهدون القصة!

كتاب «همومي الجميلة» الذي أهداه إلى ولديه اللذين يعملان في نفس السياق كنان وش اهان إنما هو أهداء لجيل سينمائيي الديجيتال الذي تحدث عنه الكتاب كمرحلة جديدة من مراحل المونتاج وما سيأتي بعده لثقافة تبقى أسسها الكلاسية – الكلاسيكية ثابتة فيما تتغير فقط وسائل التعبير. أتمنى أن تعاد قراءة الكتاب بعد أن تسكت المدافع!

sununu@ziggo.nl هولندا

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة